التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6496 [ ص: 374 ] 17 – باب: إذا قتل نفسه خطأ فلا دية ( فيه )

6891 - حدثنا المكي بن إبراهيم ، حدثنا يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ، فقال رجل منهم : أسمعنا يا عامر من هنيهاتك . فحدا بهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" من السائق ؟" قالوا : عامر . فقال :" رحمه الله " . فقالوا : يا رسول الله ، هلا أمتعتنا به . فأصيب صبيحة ليلته ، فقال القوم : حبط عمله ، قتل نفسه . فلما رجعت - وهم يتحدثون أن عامرا حبط عمله - فجئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا نبي الله ، فداك أبي وأمي ، زعموا أن عامرا حبط عمله . فقال :" كذب من قالها ، إن له لأجرين اثنين ، إنه لجاهد مجاهد ، وأي قتل يزيده عليه ؟!" . [ انظر : 2477 - مسلم : 1802 - فتح 12 \ 218 ]


زاد الإسماعيلي : ولا إذا قتل عمدا .

ذكر فيه حديث سلمة - رضي الله عنه - : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ، فقال رجل منهم : أسمعنا يا عامر . . الحديث ، ولم يبين فيه صفة قتل عامر نفسه كما ترجم له ، حتى قال الإسماعيلي : ليس مطابقا لما بوب له . وبينه قبل في كتاب الأدب : أن سيفه كان قصيرا فتناول به يهوديا ليضربه ، فرجع ذبابه فأصاب ركبته فمات منه ، وفي آخره :" قل عربي نشأ بها مثله " بدل قوله هنا : (" وأي قتل يزيده عليه ") ، وفي رواية أبي ذر : (" وأي قتيل يزيد عليه ") . قال ابن بطال : وأبو الفضل ، وكأنه الصواب .

واختلف العلماء فيمن قتل نفسه ، أو أصابها عمدا أو خطأ :

فقال ربيعة ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري : لا تعقله العاقلة .

وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق : ديته على عاقلته ، فإن عاش فهي

[ ص: 375 ] له ، وإن مات فهي لورثته . واحتجوا بما روي أن رجلا كان يسوق حمارا ، فضربه بعصا فأصابت عين نفسه ففقأتها ، فقضى عمر - رضي الله عنه - بديته على عاقلته وقال : أصابته يد من أيدي المسلمين .

وحديث الباب حجة للأول ؛ حيث لم يوجب الشارع لعامر دية على عاقلة ولا غيرها ، ولو وجب عليها شيء لبينه ؛ لأنه مكان يحتاج فيه إلى البيان ، بل شهد له بأن له أجرين والنظر ممتنع أن يجب للمرء على نفسه شيء بدليل الأطراف ، وكذا النفس .

واحتج مالك في ذلك بقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ [ النساء : 92 ] ولم يقل : من قتل نفسه خطأ ، وإنما يجعل العقل فيما أصاب به إنسان إنسانا ، ولم يذكر ما أصاب به نفسه ، ثم إن الدية إنما وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني ، فإذا لم يجب عليه لأحد شيء لم يحتج إلى التخفيف عنه ، وجعلت الدية أيضا على العاقلة معونة للجاني فتؤدى إلى غيره ، فمحال أن يؤدى عنه إليه .

فصل :

قوله : (" إن له لأجرين اثنين ، إنه لجاهد مجاهد ") لعله يريد أنه نزل به من البلاء ما امتحن به حتى اختار الموت وتمناه ، وهذا فسر به الهروي ، قوله : (" أعوذ بك من جهد البلاء ") .

وقوله : (" مجاهد ") أي : في سبيل الله . وقيل : معناه جاهد في الخير مجاهد في سبيل الله ، وروي :" إنه لجاهد ومجاهد " أي : حضر مواطن من الجهاد عدة ، مجاهد : جمع مجهد .

[ ص: 376 ] وقوله : (" وأي قتل ( يزيده ) عليه ") وروي :" يزيد " ، وروي :" قتيل " ، أي : أنه بلغ أرقى الدرجات وفضل النهاية ، وإنما قالوا : حبط عمله ؛ لقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ] وهذا إنما هو فيمن يتعمد قتل نفسه ، إذ الخطأ لا ينهى عنه أحد .

قال الداودي : ويحتمل أن يكون هذا قبل قوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ .

وقوله : ( أسمعنا من هنياتك ) وروي : ( هنيهاتك ) هنية : تصغير هناة ، وأصلها : خصلات شعر .

وفيه : جواز قول الشعر والرجز لمن يستعين به على عمل البر الذي هو فيه ؛ لأن فيه معونة على السير وراحة للقلوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية