التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6499 [ ص: 380 ] 19 – باب: النفس بالنفس [ المائدة : 45 ]

6894 - حدثنا الأنصاري ، حدثنا حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - ، أن ابنة النضر لطمت

جارية ، فكسرت ثنيتها ، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -
فأمر بالقصاص .
[ انظر : 2703 - مسلم : 1675 - فتح 12 \ 223 ]


ذكر فيه حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها ، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقصاص . قال تعالى : والسن بالسن .

وأجمع العلماء أن هذه الآية في العمد ، فمن أصاب سن أحد عمدا ففيه القصاص على حديث أنس هذا .

واختلف العلماء في سائر عظام الجسد إذا كسرت عمدا :

فقال مالك : عظام الجسد كلها فيها القود إذا كسرت عمدا : الذراعان والعضدان والساقان والقدمان والكعبان والأصابع ، إلا ما كان مجوفا مثل الفخذ وشبهه كالمأمومة والمنقلة والهاشمة والصلب ، ففي ذلك الدية .

وقال الكوفيون : لا قصاص في عظم يكسر ما خلا السن ، للآية السالفة ، وهو قول الليث والشافعي . واحتج الشافعي فقال : إن دون العظم حائل من لحم وجلد وعصب ، فلو استيقنا أنا نكسر عظمه كما كسر عظمه لا نزيد عليه ولا ننقص فعلنا ، ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ننال منه ما دونه بما ذكرنا أنا لا نعرف قدر ما هو أكثر أو أقل مما نال غيره ، وأيضا فلا نقدر أن يكون كسر ككسر أبدا فهو ممنوع ، وقد اتفقوا كما قال الطحاوي في عظم الرأس فكذلك سائر العظام ،

[ ص: 381 ] ويفترق بأن الأول يؤدي إلى الهلاك غالبا فتعذر لذلك .

حجة مالك حديث الباب في السن ، ولما جاز فيه إذا كسرت وهي عظم فكذلك سائر العظام ( إلا عظما ) أجمعوا أنه لا قصاص فيه ؛ لخوف ذهاب النفس منه ؛ ولأنه لا يقدر على الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء ، فلا يجوز أن يفعل ما يؤدي في الأغلب إلى التلف ( إذا كان الخارج الأول لم يؤد فعله إلى التلف ) .

قال ابن المنذر : ومن قال : لا قصاص في عظم فهو مخالف للحديث ، والخروج إلى النظر مع وجود الخبر ، غير جائز ، واتفق جمهور الفقهاء على أن دية الأسنان في الخطأ في كل سن خمس من الإبل . وذكر ابن القوطي في القود من اللسان إذا لم يكن مبلغا اختلافا .

وذكر عن محمد بن عبد الحكم أنه يقيد من الفخذ .

وقال ابن الجلاب فيما نقله القاضي عبد الوهاب عنه : إن كان الكسر من مفصل مستو ففيه القصاص ؛ لأن المماثلة ممكنة ، وإن كان منتفيا فلا قود فيه ؛ إذ لا يمكن المماثلة ، عملا بقول مالك : إن كان يستطاع منه القود أقيد منه . قال ابن القصار : هذه من عنده ، وهو من أفراده .

قال في " المعونة " : واختلف عنه في المنقلة هل يقاد بها ؟ وكذلك اختلف عنه في كسر غير الفخذ من الأعضاء ، قاله ابن الجلاب ،

[ ص: 382 ] وقال الأبهري : ليس باختلاف ، وقد أجاب مالك بجواب فقال : إن استطيع القود منه وإلا عقل المجني عليه وهذا أخص ، ويجب رد الفروع إليه .

فصل :

الحديث ساقه البخاري مرة مطولا ، وأن الحالف فيه أنس بن النضر ، ووقع في مسلم : أن الحالف أم الربيع ، والصواب الأول ، ويجوز تعدد الواقعة .

قال أبو محمد بن حزم : ورد في أمر الربيع حديثان مختلفان ، وحكمان اثنان في قضيتين مختلفتين لحادثة واحدة ، أحد الحكمين في جراحة جرحتها الربيع إنسانا ، فقضى - عليه السلام - بالقصاص من تلك الجراحة ، فحلفت أنها لا تقتص منها ، فأبر الله قسمها ورضوا بالدية ، والحكم الثاني : في ثنية امرأة كسرتها فقضى بالقصاص ، فحلف أخوها أنس بن النضر أن لا يقتص منها ورضوا بالأرش ، فقال - عليه السلام - :" إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " فلا حرج كما ترى أنهما حديثان جراحة وثنية ودية وأرش ، وحلفت أمها في الواحدة ، وحلف أخوها في الثانية ، وكان هذا قبل أحد ؛ لأن أنس بن النضر قتل يوم أحد .

قال : وهذا الحديث يبين أن كل ما أخذه من له القصاص من جرح أو نفس فهو دية ، سواء كان شيئا مؤقتا محدودا أو كان قد تراضوا به في ترك القصاص الواجب ، ونحن على يقين من أن الذي جرحته الربيع قد

[ ص: 383 ] أخذ مالا بدل اقتصاصه من الجرح ، ولم يأت أنه كان عددا مؤقتا محدودا ، فإذا لم يأت ذلك ، فنحن على يقين أنه لو كان في تلك الجراحة دية مؤقتة لا تزيد ولا تنقص لما حبس الله ذلك عنا ولا عفا أثره حتى لا ينقله أحد ، فصح أن تلك الدية المأخوذة كانت فداء عن القصاص فقط ، وبهذا نقول ، فوضح أنه ليس في هذين الخبرين إلا القود على ما تراضيا عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية