التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6501 6897 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثنا موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله قال : قالت عائشة : لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، وجعل يشير إلينا :" لا تلدوني " . قال : فقلنا : كراهية المريض بالدواء ، فلما أفاق قال :" ألم أنهكم أن تلدوني ؟!" . قال : قلنا : كراهية للدواء . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يبقى منكم أحد إلا لد وأنا أنظر ، إلا العباس فإنه لم يشهدكم " . [ انظر : 4458 - مسلم : 2213 - فتح 12 \ 227 ]


( وقال مطرف عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعه علي - رضي الله عنه - ، ثم جاءا بآخر فقالا : أخطأنا . فأبطل شهادتهما وأخذا بدية الأول ، وقال : لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما ) .

[ ص: 394 ] وهذا التعليق أخرجه الطبري عن بندار ، عن شعبة ، عن قتادة ، عنه .

ثم قال البخاري : وقال لي محمد بن بشار : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا قتل غلاما قتل غيلة ، فقال عمر - رضي الله عنه - : لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم به . وقال المغيرة بن حكيم ، عن أبيه : أن أربعة قتلوا صبيا ، فقال عمر مثله .

هذا التعليق ذكره ابن أبي شيبة فقال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أن ( رجلا ) قتل بصنعاء ، وأن عمر قتل به سبعة نفر ، وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا . وحدثنا وكيع ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن ابن المسيب قال : قال عمر : لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا . وحدثنا وكيع ، ثنا العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - قتل سبعة من أهل صنعاء برجل ، وقال بمثله . وحدثنا أبو معاوية عن مجالد ، عن الشعبي ، عن المغيرة بن شعبة أنه قتل سبعة برجل ، وحكي نحوه عن علي - رضي الله عنه - وعن سليمان بن موسى وعطاء .

وفي " موطأ مالك " عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب أن عمر - رضي الله عنه - قتل نفرا خمسة أو ستة برجل واحد قتلوه قتل غيلة ، فقال عمر - رضي الله عنه - : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا .

[ ص: 395 ] قال ابن عبد البر : لم يقل أحد من رواة هذا الحديث فيه : قتل غيلة غير مالك .

قلت : قد رواه البخاري عن غيره كما سلف ، وفيه ذلك .

وروى الدارقطني من حديث يزيد بن عطاء ، عن سماك ، عن أبي المهاجر ، عن عبد الله من بني قيس بن ثعلبة قال : كان رجل من أهل صنعاء يسبق الناس في كل سنة ، فلما قدم وجد مع وليدته سبع رجال يشربون الخمر ، فأخذوه فقتلوه وألقوه في بئر ، فلما جاء الذي من بعده فسئل عنه ، فأخبر أنه قضى بين يديه ، والحديث فيه أن عمر - رضي الله عنه - كتب : اقتلهم ( أجمعين ) واقتل ( ما ) معهم فإنه لو كان أهل صنعاء اشتركوا في دمه لقتلتهم به .

فصل :

وكأن البخاري - رحمه الله - أراد بأثر عمر - رضي الله عنه - الرد على محمد بن سيرين حيث قال في الرجل ( يقتله الرجلان : يقتل أحدهما ) وتؤخذ الدية من الآخر .

وقال الشعبي في الرجل يقتله النفر قال : يدفع إلى أولياء المقتول ، فيقتلون من شاءوا ويعفون عمن شاءوا ، ونحوه عن ابن المسيب والحسن وإبراهيم .

[ ص: 396 ] فصل :

قال البخاري : وأقاد أبو بكر وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن - رضي الله عنهم - من لطمة ، وأقاد عمر - رضي الله عنه - من ضربة بالدرة ، وأقاد علي - رضي الله عنه - من ثلاثة أسواط ، واقتص شريح من سوط وخموش .

أما التعليق عن أبي بكر فأخرجه ابن أبي شيبة عن شبابة ، عن شعبة ، وعن يحيى الحضرمي قال : سمعت طارق بن شهاب يقول : لطم أبو بكر رجلا لطمة فقيل : ما رأيت كاليوم هنعة ولطمه فقال أبو بكر : إن هذا أتاني ليستحملني فحملته ، فإذا هو يمنعهم ، فحلفت : لا أحمله . ثلاث مرات . ثم قال له : اقتص . فعفا الرجل . وروى ابن وهب في " مسنده " : حدثنا حيي بن عبد الله المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال لرجل : استقد - يعني من نفسه ، وهو خليفة - فقال له عمر : والله لا يستقيد ، ولا تجعلها سنة . قال أبو بكر : فمن لي من الله يوم القيامة ؟ فقال عمر : ارضه . فأمر له أبو بكر براحلة وقطيفة خمسة دنانير أرضاه بها .

والتعليق عن ابن الزبير أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عنه : أنه أقاد من لطمة .

والتعليق عن علي ، أخرجه أيضا عن أبي عبد الرحمن المسعودي عبد الله بن عبد الملك ، عن ناجية أبي الحسن ، عن أبيه ، أن عليا قال في رجل لطم رجلا فقال للملطوم : اقتص ( منه ) . قال :

[ ص: 397 ] وحدثنا أبو خالد ، عن أشعث ، عن فضيل ، عن عبد الله بن معقل قال : كنت عند علي - رضي الله عنه - فجاءه رجل يساره ، فقال علي : يا قنبر أخرج هذا واجلده ، ثم جاء المجلود فقال : إنه زاد علي ثلاثة أسواط . فقال له علي : ما تقول ؟ قال : صدق يا أمير المؤمنين . قال : خذ السوط واجلد ثلاث جلدات ، ثم قال : يا قنبر ، إذا جلدت فلا تتعدى الحدود .

والتعليق عن سويد أخرجه وكيع عن سفيان بن سعيد عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن الشعبي عنه .

والتعليق عن عمر - رضي الله عنه - أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في " تاريخه " بإسناد ضعيف وانقطاع . والتعليق عن شريح رواه عن وكيع ، ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق عنه : أنه أقاد من لطمة وخموش .

وروى ابن أبي عاصم من حديث ابن مرداس الثقفي قال : طردت إبلا لأخي فتبعها نفر فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم فأقادهم به . وسماه أبو عمر وغيره مرداس بن عروة ، وذكروا حديثه هذا بلفظ : أن رجلا رمى رجلا بحجر فأمر به - عليه السلام - فأقاده منه .

فصل :

ذهب جمهور العلماء إلى أن الجماعة إذا قتلوا واحدا قتلوا به أجمع على نحو ما فعل عمر ، وروي مثله عن علي - رضي الله عنه - والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والنخعي والشعبي وجماعة أئمة الأمصار .

[ ص: 398 ] وفيها قول ثان روي عن عبد الله بن الزبير ومعاذ : أن لولي المقتول أن يقتل واحدا من الجماعة ويأخذ بقية الدية من الباقين ، مثل أن يقتله عشرة أنفس فله أن يقتل واحدا ( منهم ) ويأخذ من التسعة تسعة أعشار الدية ، وبه قال ابن سيرين والزهري .

وفيها قول ثالث قاله أهل الظاهر : أنه لا قود على أحد منهم أصلا ، وعليهم الدية ، وقاله ربيعة أيضا ، وهو خلاف ما أجمعت عليه الصحابة ، حجة الجماعة قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل [ الإسراء : 33 ] فلا فرق بين أن يكون القاتل واحدا أو جماعة لوقوع اسم القتلة عليهم ؛ لأن الله جعل الحجة لولي المقتول عليهم ، وعلى مثله يدل حديث عائشة - رضي الله عنها - في اللدود الذي ساقه البخاري في الباب ، حيث أمر أن يلد كل من في البيت لشهودهم

اللدود الذي نهاهم عنه وما كان من الألم واشتراكهم في ذلك ، وهو حجة في قصاص الواحد من الجماعة ، ولو لم تقتل الجماعة للواحد لأدى ذلك إلى رفع المثلة في القصاص الذي جعله الله حياة ، ولم يشأ أحد أن يقتل أحدا ثم لا يقتل به إلا ادعى من يقتله معه ليسقط عنه القتل ، وأيضا فإن النفس لا تتبعض بالإتلاف بدليل أنه لا يقال : قاتل بعض نفس ؛ لأن كل واحد ( قد ) حصل من جهته بعمل ما يتعلق به خروج الروح عنده ، وهذا لا يتبعض لامتناع أن يكون بعض الروح خرج [ بفعل ] أحدهم وبعضها بفعل الباقين ، فكان كل

[ ص: 399 ] واحد منهم قاتل نفس ، ومثل هذا لو أن جماعة رفعوا حجرا لكان كل واحد منهم رافعا له ؛ لأن الحجر لا يتبعض كما أن النفس لا تتبعض .

فإن قلت : إنما يقال لكل واحد منهم : قاتل نفس ، كما يقال في الجماعة : أكلنا الرغيف وليس كل واحد منهم أكل الرغيف كله ، قيل : إنما كان هذا ؛ لأن الرغيف يتبعض ، فصح أن يقال لكل واحد : أكل بعض الرغيف ، ولما لم يصح التبعيض في النفس لم يصح أن يقال : قاتل بعض نفس .

وقوله تعالى : النفس بالنفس [ المائدة : 45 ] الألف واللام للجنس ، فتقديره : الأنفس بالأنفس وكذلك قوله : الحر بالحر [ البقرة : 178 ] تقديره : الأحرار بالأحرار ، فلا فرق بين جماعة قتلوا واحدا أو جماعة ؛ ولأن كل حق وجب للإنسان على غيره إذا انفرد ، فإنه يجب عليه وإن شورك فيه ، أصله حد القذف ، وهو إجماع الصحابة .

فصل :

وأما القود من اللطمة وشبهها كضربة السوط والدرة ، فقد ذكر البخاري ما أسلفناه عن عثمان وخالد بن الوليد مثل ذلك ، وهو قول الشعبي وجماعة من أهل الحديث .

وقال الليث : إن كانت اللطمة في العين فلا قصاص فيها ؛ للخوف على العين ، ويعاقبه السلطان ، وإن كانت على الخد ففيها القود .

وقالت طائفة : لا قصاص في اللطمة ، روي هذا عن الحسن وقتادة ، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي ، وعبارة ابن التين أنه مشهور مذهب مالك .

[ ص: 400 ] وقال الداودي : اختلف قول مالك فيه ، بأن قال : ليس لطمة المريض والضعيف مثل لطمة القوي ، وليس العبد الأسود يلطم مثل الرجل له الحالة والهيئة ، وإنما في ذلك كله الاجتهاد فجهلنا بمقدار اللطمة .

واختلفوا في القود من ضربة السوط والعصا ، فقال ابن القاسم : يقاد فيها ، قال الليث : ويزاد عليه للتعدي ، وقال الشافعي والكوفيون : لا يقاد إلا أن يجرح .

وقال الشافعي : إن جرح السوط ففيه الحكومة .

وحديث لد الشارع لأهل البيت حجة لمن جعل القود في كل ألم ، وإن لم يكن جرح ولا قصد لأذى ، بسوط كان الألم أو بيد أو غيره ، وقد قال ابن القاسم فيمن نتف لحية رجل أو رأسه أو شاربه عمدا : يؤدب . وقال المغيرة : يعاقب ويسجن . ( وقال أشهب في ذلك : وفي الأشعار القصاص ) .

وقال الشيخ أبو محمد في " نوادره " : أعرف لأصبغ أن القصاص فيها بالوزن . قال : وعاب ذلك غيره ، قصوره القصاص على قول أشهب لو جنى على شعره فابيض شعره ببخر بالكبريت ونحوه من الأدوية المبيضة للشعر . فإن أتلف منبتها ( غاشاه ) بالأدوية المانعة لنبات الشعر .

[ ص: 401 ] فصل :

سلف تفسير قتل الغيلة قريبا ، فراجعه .

فصل :

يأتي في الأحكام مذاهب العلماء - إن شاء الله تعالى - في الشاهد إذا تعمد الشهادة بالزور هل يلزمه الضمان ؟ وملخص الكلام فيها هنا فقال عبد الملك : لا شيء عليهما إذا غلطا ، وقال أشهب : عليهما الدية في مالهما . ونحوه في " المدونة " وفيه قول ثالث ذكره ابن الجلاب : أن العاقلة تحمل الدية ، فأما قول علي - رضي الله عنه - في العمد أنه يقطع . فهو قول أشهب إذا أقر شهود الزنا بالعمد بعد قتل الزاني أنهم يحدون ثم يقتلون ، وابن القاسم يقول : يحدون ويضمنون الدية ولم يفرق بين عمد وخطأ ، وفي كتاب محمد نحوه أنهم يدونه في العمد . وقال ابن الجلاب : الدية على العاقلة .

والحاصل أن في الخطأ والغلط ثلاثة أقوال : لا شيء عليه ، يودون من مالهم ، يودون العاقلة .

وفي العمد ثلاثة أقوال أيضا : القصاص ، والباقي كالباقي ، والرابع يؤخذ بالاستقراء أن عاقلة الإمام تؤدي الدية . قاله فيمن رجم ثم وجد مجبوبا ، وقال أشهب : إن الدية في المال خطأ وعمدا ، وقال سحنون : إذا رجعوا لا عقوبة عليهم اتهموا في شهادتهم أو شكوا ؛ لأنه يخاف إذا عوقبوا أن لا يرجع أحد عن شهادته باطل إذا أراد التوبة . وقال بعض المالكية : لو أدب المتهم لكان أهلا لذلك .

[ ص: 402 ] فصل :

قوله : ( وخموش ) هو بضم الخاء المعجمة : الخدش ، يقال : خمش وجهه ، والخماشة ما ليس له أرش معلوم من الجراحات والجنايات ، والدرة بكسر الدال : ما يضرب بها .

وقوله : ( تمالأ عليه أهل صنعاء ) أي : اجتمعوا وتواطئوا .

وقوله في حديث عائشة في اللدود : (" لا يبقى منكم أحد إلا لد وأنا أنظر ") قال الداودي : يريد ليذهب بعض غيظه لمخالفتهم أمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية