التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6507 [ ص: 451 ] 24 - باب: العاقلة

6903 - حدثنا صدقة بن الفضل ، أخبرنا ابن عيينة ، حدثنا مطرف قال : سمعت الشعبي قال : سمعت أبا جحيفة قال : سألت عليا - رضي الله عنه - : هل عندكم شيء ما ليس في القرآن ؟ وقال مرة : ما ليس عند الناس . فقال : والذي فلق الحب وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، إلا فهما يعطى رجل في كتابه ، وما في الصحيفة . قلت : وما في الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . [ انظر : 111 - مسلم : 1370 - فتح 12 \ 246 ]


ذكر فيه حديث أبي جحيفة الآتي بعد في باب لا يقتل المسلم بالكافر ، وفيه : قلت : وما في الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . وذكره في البابين سواء سندا ومتنا . وقل أن يتفق له ذلك ، نعم ذكره في العلم عن شيخ آخر له كما أسلفنا هناك .

وقام الإجماع على القول بالعقل في الخطأ لثبوت ذلك عن الشارع ، وقد روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في العقول :" في النفس مائة من الإبل . ." إلى آخره .

أرسله مالك . وزاد فيه معمر : عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده . وإن كان جده لم يدرك

[ ص: 452 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما الذي أدركه عمرو بن حزم .

وفي إجماع ( الصحابة ) على القول به ما يغني عن الإسناد فيه .

واختلف العلماء في هذا الحديث في الإبهام وفي الأسنان على ما تقدم قبل هذا ، وأجمعوا على ما في سائر الحديث من الديات . قال : وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في النفس مائة من الإبل ، وقومها عمر بالذهب والورق فجعل على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم .

قال مالك : أهل الذهب أهل الشام ومصر ، وأهل العراق أهل الورق ، كان صرفهم ذلك الوقت الدينار باثني عشر درهما ، وكانت قيمة الإبل ألف دينار ، وإنما تقوم الأشياء بالذهب والورق خاصة ، على ما صنع عمر ، هذا قول مالك والليث والكوفيين ، وأحد قولي الشافعي .

وقال أبو يوسف ومحمد : يؤخذ في الدية أيضا البقر والخيل والشاء ، وروي عن عمر أيضا ، وبه قال الفقهاء السبعة المدنيون .

وقال مالك : لا يؤخذ في الدية بقر ولا غنم ولا خيل إلا أن يتراضوا بذلك فيجوز ، ولو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والخيل لوجب تقويمها على أهل الخيل بالخيل ( وعلى أهل الطعام بالطعام ) ، وهذا لا يقوله أحد .

[ ص: 453 ] وأجمعوا أن الدية تقطع في ثلاث سنين للتخفيف على العاقلة ليجمعوها في هذه المدة .

فصل :

اختلف في الأصابع على ما سلف ، وأما الأسنان فقضى عمر في الأضراس ببعير بعير ، وقضى معاوية بخمس خمس ، وبه قال مالك .

قال ابن المسيب : ( والدية ) تنقص خمسا في قضاء عمر ، وتزيد ثلاثة أخماس في قضاء معاوية ، فلو كنت أنا لجعلت الأضراس بعيرين بعيرين فتلك دية .

فائدة :

اختلف لم سميت عاقلة ؟

فقيل : هو من عقل يعقل أي يحمل ، فمعناه : أنها تحمل عن القاتل ، وقيل : هو من عقل يعقل أي منع يمنع ، ودفع يدفع ، وذلك أنه كان في الجاهلية كل من قتل التجأ إلى قومه ؛ لأنه يطلب ليقتل فيمنعون منه القتل ، فسميت عاقلة . أي : مانعة .

وقيل : سميت عاقلة من عقل النفس ؛ لأن عاقلة القاتل يعقلون الإبل التي تجب عليهم ، فسموا عاقلة لعقلهم الإبل في ذلك الموضع . ثم كثر استعمالهم لهذا الحرف حتى صار يقال : عقلته إذا أعطيت ديته ، وإن كانت دنانير أو دراهم .

[ ص: 454 ] وقال ابن فارس : عقلت القتيل إذا أعطيت ديته ، وعقلت عنه إذا لزمته دية فأديتها عنه . قال : ذكر ذلك عن القتبي ، وقال عن الأصمعي : كلمت أبا يوسف القاضي في ذلك بمحضر الرشيد فلم يفرق بين عقلته وأعقلت عنه حتى فهمته .

فصل :

قول أبي جحيفة : سألت عليا - رضي الله عنه - : هل عندكم شيء بما ليس في القرآن ؟

إنما سأله لأجل دعوى الروافض أن عندهم كتاب الحصر ، فيه علم كل شيء ، وأداهم ذلك إلى أن جعل بعضهم عليا نبيا وبعضهم إلها ، نبه عليه الداودي .

ومعنى ( فلق الحبة ) : أخرج منها النبات ، والنخل من النوى .

وقوله : ( وبرأ النسمة ) النفس ، وكل دابة فيها روح فهي نسمة ، وكان علي إذا اجتهد في اليمين حلف بهذا . وقيل : النسمة : الإنسان ، ( ومعنى ) برأ : خلق .

وقوله : ( إلا فهما يعطى رجل في كتابه ) يعني ما يفهم من فحوى كلامه ، ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير ظاهرها ، وذلك جميع وجوه القياس والاستنباط التي يتوصل إليها من طريق الفهم ( والتفهم ) .

وقوله : ( العقل ) يريد ما تحمله العاقلة وقد ثبتت الأخبار بأنه - عليه السلام -

[ ص: 455 ] قضى بالعقل على العاقلة . قيل : ولا يختلف المسلمون أن دية الخطأ المحض على العاقلة ، إلا ما روي عن الأصم : أن الديات كلها في مال القاتل ، وذكر أنه مذهب الخوارج ، وظاهر هذا يخالف قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ الإسراء : 15 ] ولكنه توقيف من جهة السنة أريد به معونة القاتل من غير إجحاف بالعصبة المعينين ، واختلف في مقدار ما يعنون به ، فعندنا يضرب على الغني نصف دينار ، وعلى المتوسط ربع في كل سنة .

وعن مالك : أكثر ما يؤخذ من الواحد نصف دينار ، ورواه ابن القاسم . وروي عنه : كانوا يأخذون من الدية درهما ونصفا من المائة .

وقال ابن القاسم : روي عنه في السنة أكثر من دينار وقيل : أكثر من ربع . وفي " الزاهي " : كان يجعل عليهم فيما مضى دينار أو نصفه من كل مائة ، يخرج له من عطائه . وقيل : ثلاثة دراهم في العام . وقيل : ما يطيقون . وقيل : ما اصطلحوا عليه . واختلف في الذي تحمله العاقلة . فقال مالك : الثلث فأعلى .

وقال أبو حنيفة : عقل الموضحة فأعلى . وذكر مغيرة أن العاقلة تحمل الثلث إجماعا . وذكر ابن القصار ، عن الزهري أنها لا تحمل الثلث وتحمل ما زاد . وقال الشافعي في القديم : ( تحمل ) ما دون الدية . وفي الجديد : تحمل ما قل وما كثر .

[ ص: 456 ] فصل :

قام الإجماع على أنها تؤدى في ثلاث سنين ، واختلفوا هل يؤخذ فيها البقر والشاء والخيل ؟ فمنعه مالك وغيره ، وأجاز ذلك أبو يوسف . وقد أسلفناه أولا واضحا .

فصل :

وقوله : ( وفكاك الأسير ) هذا واجب على جميع المسلمين ، وقد اختلف هل يفك من الزكاة ؟ واحتج من منعه بأنه يجب على سائر الناس ، فلا يجوز أن يؤدى من مال الزكاة .

فصل :

وقوله : ( وأن لا يقتل مسلم بكافر ) هذا قول الجماعة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يقتل المسلم بالذمي ولا يقتل بالمستأمن ، وبه قال النخعي والشعبي . وقد أسلفنا المسألة مبسوطة جدا فراجعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية