التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6512 6910 - حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة : عبد أو وليدة ، وقضى دية المرأة على عاقلتها . [ انظر : 5758 - مسلم : 1681 - فتح 12 \ 252 ]


أي : عقل المرأة المقتولة على والد القاتل وعصبته . كذا في كتاب ابن بطال .

وقوله : ( لا على الولد ) يريد به : أن ولد المرأة إذا كان من غير عصبتها لا يعقلون عنها . قال : وكذلك الإخوة من الأم لا يعقلون عن أختهم لأمهم شيئا ؛ لأن العقل إنما جعل على العصبة دون ذوي الأرحام . ألا ترى أن ميراثها لزوجها وبنيها ، وعقلها على عصبتها . يريد أن من ورثها لا يعقل عنها حين لم يكن من عصبتها .

ثم قال : قال ابن المنذر : وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور وكل من أحفظ عنهم .

[ ص: 461 ] ذكر فيه حديث أبي هريرة : أنه - عليه السلام - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة : عبد أو أمة ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها ، وأن العقل على عصبتها .

وحديثه أيضا : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر . . الحديث . وقال : غرة : عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها .

معنى قوله : ( وأن العقل على عصبتها ) يريد عقل دية المرأة المقتولة لا عقل دية الجنين . يبين ذلك قوله في الحديث الثاني : وقضى بدية المرأة على عاقلتها . وقد أسلفنا هناك خلافا فيمن تجب عليه الغرة ، وأنها على العاقلة عند الشافعي خلافا لمالك ، والحجة له قوله في الحديث : ( وقضى بدية المرأة على عاقلتها ) ولم يذكر ذلك في دية الغرة .

وهذا ظاهر الحديث ، وأيضا فإن عقل الجنين لا يبلغ ثلث الدية ، ولا تحمل العاقلة عند مالك إلا الثلث فصاعدا . هذا قول الفقهاء السبعة ، وهو الأمر القديم عندهم .

وحجة الآخر ما رواه أبو موسى الزمني : ثنا عثمان ، عن يونس ، عن الزهري في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنه - عليه السلام - قضى بديتها ودية الجنين على عاقلتها .

وما رواه مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن جابر أنه - عليه السلام - جعل غرة الجنين على عاقلة القاتلة .

[ ص: 462 ] أجاب الآخرون بالطعن في مجالد ، وأنه ليس بحجة فيما انفرد به ، وأبو موسى الزمني - وإن كان ثقة - فلم يتابعه أحد على قوله : ودية جنينها .

فصل :

اختلفوا : لمن تكون الغرة التي تجب في الجنين ؛ فذكر ابن حبيب أن مالكا اختلف قوله فيه . فمرة قال : إنها لأمه . وهو قول الليث ، ومرة قال : إنها بين الأبوين ، الثلثان للأب والثلث للأم ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي .

حجة الأول : أنها إنما وجبت لأم الجنين ؛ لأنه لم يعلم إن كان الجنين حيا في وقت وقوع الضربة بأمه أم لا . وحجة الثاني : أن المضروبة لما ماتت منها قضى فيها الشارع بالدية مع قضائه بالغرة ، فلو كانت الغرة للمرأة المقتولة إذا لما قضى فيها بالغرة ، ولكان حكم امرأة ضربتها امرأة فماتت من ضربتها فعليها ديتها ولا تجب عليها للضربة أرش .

وقد أجمعوا أنه لو قطع يدها خطأ فماتت من ذلك لم تكن لليد دية ، ودخلت في دية النفس . فلما حكم الشارع مع دية المرأة بالغرة ثبت بذلك أن الغرة دية الجنين لا لها ، فهي موروثة عن الجنين كما يورث ماله لو كان حيا فمات . قاله الطحاوي . وأسلفنا هناك الخلاف في الكفارة .

وفي كتاب ابن بطال في حكم الشارع في الجنين بغرة ولم يحكم فيه بكفارة حجة لمالك وأبي حنيفة على الشافعي وابن القاسم في إيجابه

[ ص: 463 ] كفارة عتق رقبة على من تجب عليه الغرة ، ولا حجة له ، ولو وجبت لحكم بها ، وهي إنما تجب في إتلاف روح ، ولسنا على يقين في أن الجنين كان حيا وقت ضرب أمه ، ولو تيقنا ذلك لوجبت فيه الدية كاملة .

فلما أمكن أن يكون حيا ( تجب فيه الدية كاملة ، وأمكن أن يكون ميتا ) لا يجب فيه شيء ، قطع الشارع فيه التنازع والخصام بأن جعل فيه غرة ولم يجعل فيه كفارة ، قاله ابن القصار .

وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب دية شبه العمد على العاقلة - حيث قضى بالدية وقد رمتها بحجر - وهو قول الثوري والكوفيين والشافعي .

قالوا : ومن قتل إنسانا بعصا أو حجر أو شبهه بما يمكن أن يموت به القتيل ويمكن ألا يموت فمات من ذلك ، أن فيه الدية على عاقلة القاتل كما حكم الشارع في هذه القصة بدية المرأة على العاقلة . قالوا : وهذا شبه العمد ، والدية فيه مغلظة ، ولا قود فيه .

وأنكر مالك والليث شبه العمد وقالا : هو باطل ، وكل ما عمد به القتيل فهو عمد وفيه القود .

والحجة لهم : ما روى أبو عاصم النبيل ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن عمر - رضي الله عنه - : أنه نشد الناس ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين ؟ فقام حمل بن مالك قال : كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها

[ ص: 464 ] وجنينها ، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل المرأة
.

قالوا : وهذا مذهب عمر - رضي الله عنه - أنه قال : يعمد أحدكم فيضرب أخاه بمثل آكلة اللحم - قال الحجاج : يعني بعصا - ثم يقول : لا قود علي ، لا أوتى بأحد فعل ذلك إلا أقدته . وقد أوضحنا ذلك هنالك فراجعه . وذكرنا هناك مقالة شيخ ابن بطال في اضطرابه .

قال الطحاوي : فلما اضطرب حديث حمل بن مالك كان بمنزلة ما لم يرد فيه شيء ، وثبت ما روى أبو هريرة والمغيرة - رضي الله عنهما - فيها ، وهو نفي القصاص ، ولما ثبت أنه جعل دية المرأة على العاقلة ، ثبت أن دية شبه العمد على العاقلة .

وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : شبه العمد على العاقلة .

وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : شبه العمد بالعصا والحجر الثقيل ، وليس فيهما قود .

وقد تأول الأصيلي حديث أبي هريرة والمغيرة على مذهب مالك فقال : يحتمل أن يكون لما وجب قتل المرأة تطوع قومها على عاقلتها ببذل الدية ( لأولياء المقتولة ، ثم ماتت القاتلة فقبل أولياء المقتولة الدية ) . وقد يكون ذلك قبل موتها ، فقضى عليهم الشارع بأداء ما تطوعوا به إلى أولياء المقتولة .

[ ص: 465 ] فصل :

اختلف في ستة عشر مسألة من مسائل الجنين :

إحداها : إذا كان دما مجتمعا هل له حكم الجنين ؟

قال في " المدونة " : وقال أشهب : لا شيء فيه حتى يكون علقة .

ثانيها : إذا طرح حيا وتحرك أو عطس أو رضع ولم يستهل .

فقال مالك : لا يكون له حكم الحي لشيء من ذلك إلا أن يستهل .

وقال ابن وهب : الرضاع كالاستهلال . وذكر القاضي عبد الوهاب في العطاس قولين .

وذكر ابن شعبان في الحركة قولين .

ثالثها : إذا استهل ثم مات بالحضرة هل تجب ديته بقسامة ؟ قاله ابن القاسم ، أو بغير قسامة ؟ قاله أشهب .

رابعها : إذا ضرب بطنها عمدا فاستهل ثم مات ، هل فيها القود ؟ قاله ابن القاسم . أو الدية ؟ قاله أشهب .

خامسها : إذا خرج بعد موت أمه ، هل تجب فيه الدية ؟ قاله أشهب ومحمد والشافعي .

أو لا يجب ( فيه شيء )؟ قاله ابن القاسم في " المدونة " وأبو حنيفة .

[ ص: 466 ] سادسها : هل الغرة مال للجاني ؟ قاله مالك في " المدونة " . أو تحملها العاقلة ؟ قاله عنه أبو الفرج .

وأسلفنا الخلاف أيضا فيه .

سابعها : من يرث الغرة ؟

وقد سلف الخلاف فيه ، وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي أن لأمه الثلث ولأبيه الثلثين ، فإن كان له إخوة فلأمه السدس والباقي للأب .

وقال ربيعة وابن القاسم في أحد قوليه وأشهب ومالك : هو للأم ، وهو كبضعة منها . وقال أيضا : هو بين أبويه الثلث والثلثان ، وأيهما خلا به فهو له ، ويخلو به الأب إن خرج حيا بعد موتها من تلك الضربة . وهذا على أحد القولين السابقين .

ثامنها : هل فيه كفارة ؟ وابن القاسم قال بها ، وخالف أشهب .

تاسعها : إذا خرج بعضه ثم ماتت الأم ذكر ابن شعبان فيه قولين .

وإذا كانت أمة أو نصرانية عند الضرب ، ثم عتقت الأمة وأسلمت النصرانية قبل أن تطرحه . ذكر أيضا في " الزاهي " على قولين في ذلك .

وإذا وجب دية الجنين على أهل الإبل هل يأتون بإبل ؟ قاله أشهب .

أو يؤدون الغرة ؟ قاله ابن القاسم ، والجاني يخير ، قاله عيسى .

عاشرها : إذا كانت الأم نصرانية والأب عبدا هل فيه ما في جنين المسلمة ؟ قاله في " المدونة " .

[ ص: 467 ] أو عشر دية أمه ؟ قاله أشهب .

حادي عشرها : إذا قلنا : عشر دية أمه ، هل يرث الغرة إخوته وهم نصارى ، أم لا ؟

الثاني عشر : يؤخذ في الغرة الخيل ، ذكر في " الزاهي " قولين .

ثالث عشر : إذا قلنا : فيه الدية واستهل وكانت الضربة في البطن عند أشهب ، أو في غيره عند ابن القاسم هل هي على العاقلة أو في ماله ؟

رابع عشر : إذا ضربها في رأسها هل هي على العاقلة أو في ماله ؟ أما على مذهب ابن القاسم ، هل تكون فيه الدية ؟ قاله الشيخ أبو محمد .

وذكر عن ابن القاسم . أو يقتص منه كما لو ضرب في البطن أو الظهر ؟ قاله الشيخ أبو موسى بن شاس .

خامس عشر : هل في الجنين عشر قيمة أمه ؟ قاله مالك وغيره . أو ما نقصها ؟ قاله ابن وهب . وقال أهل الظاهر : لا شيء فيه .

وقال أبو حنيفة : في جنين الأمة نصف عشر قيمته لو كان حيا ، إن كان ذكرا ، أو عشر قيمته إن كان أنثى . كما قال : في جنين الحرة عشر ديته إن كان أنثى ، أو نصف عشر ديته إن كان ذكرا . فجنين الحرة والأمة عنده سواء أنه معتبر بنفسه لا بغيره .

وعند مالك والشافعي هما سواء وهو معتبر بغيره لا بنفسه .

[ ص: 468 ] سادس عشر : إذا خرج بعض الجنين ثم مات ، ذكر في " الزاهي " فيه قولين .

فصل :

استدل بعضهم بهذا الخبر على صحة قول مالك : أن المرأة تعاقل الرجل حتى تبلغ ثلث ديته فيكون لها حينئذ نصف ماله ؛ لأنه - عليه السلام - قضى في الجنين بما ذكر ، ولم يفصل بين ذكر وأنثى ؛ لأنه قليل في الدية ، وكل ما حل محله دون الثلث تساويا فيه ، وإذا ثبت الثلث أثر لقوله - عليه السلام - :" الثلث والثلث كثير " .

قال أبو حنيفة والشافعي : جراحها على النصف كالدية ، وروي عن ابن مسعود وشريح : تعاقله إلى الموضحة .

وروي عن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار : تعاقله إلى المنقلة . وقال الحسن البصري : تعاقله إلى نصف الدية ، فيكون في أربع أصابع أربعون من الإبل ، وفي خمسة خمس وعشرون . فهذه خمسة مذاهب .

فصل في رءوس مسائل :

الأب والابن يحملان مع العاقلة والأظهر أنه كواحد منهم . وبه قال أبو حنيفة .

وقال الشافعي : لا يؤدي شيئا معهم ، وفي " المعونة " : وقيل : يحمل الابن وإن كان أبوه أجنبيا ؛ لأن البنوة عصبته بنفسها كالميراث والنكاح .

[ ص: 469 ] ونقله غيره عن أبي حنيفة ، حجة من سلف قضاؤه - عليه السلام - بالدية على العاقلة ( وبرار ) زوجها وبنتها . أجيب بأنه يحتمل أن يكون ولدها أنثى ، وهي لا تحمل عقلا ، أو يكونوا صغارا والصغيرة لا تحمل العقل .

فصل :

وقوله : ( وأن العقل على عصبتها ) يريد عقل دية المرأة المقتولة ، لا عقل دية الجنين . كما سلف .

وقال أبو عبد الملك : يفهم من البخاري أن دية الجنين الغرة في كل مال الجانية ، وهذا إذا قضى بالجنين في مال الضاربة ثم ماتت الأم .

وأما إذا تأخر القضاء حتى تموت المضروبة فتغرم العاقلة الكل . ذكره في الحج من المختلطة .

ومذهب مالك أيضا : أن الضربة إذا كانت واحدة أن غرة الجنين وأمه على العاقلة . ذكره فيها أيضا .

قال أبو عبد الملك : وإنما قضى بالدية هنا ولم يقتص بها ؛ لأنها لم تعمد قتلها . قال : وإن نزلت مثل هذه النازلة في زماننا لقتلت الضاربة وغلب عليها أنها أرادتها .

وذلك أنه يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور . وإنما سقط القود في المصارعين لهذا المعنى .

قال بعضهم : ولا يصح تبويب البخاري أن العقل على الوالد وعصبته إلا على رواية أبي الفرج عن مالك : أن الجنين ديته على العاقلة ، ولا يصح التبويب على ذلك .

[ ص: 470 ] وهذا غير صحيح ؛ بل يصح التبويب على أن دية المرأة على العاقلة وهم عصبة ولد المرأة .

تنبيه :

قوله في آخر الباب : ( وقضى بدية المرأة على عاقلتها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية