التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6513 [ ص: 471 ] 27 - باب: من استعان عبدا أو صبيا

ويذكر أن ( أم سلمة ) - رضي الله عنها - بعثت إلى معلم الكتاب : أن ابعث لي غلمانا ينفشون صوفا ، ولا تبعث إلي حرا .

6911 - حدثني عمرو بن زرارة ، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن عبد العزيز ،

عن أنس قال : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أنسا غلام كيس فليخدمك . قال : فخدمته في الحضر والسفر ، فوالله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعت هذا هكذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا ؟ [ انظر : 2768 - مسلم : 2309 - فتح 12 \ 253 ]


ثم ساق حديث أنس - رضي الله عنه - : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، أخذ أبو طلحة بيدي وانطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أنسا غلام كيس فليخدمك . قال : فخدمته في الحضر والسفر ، فوالله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعت هذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا ؟

الشرح :

التعليق أخرجه وكيع ، عن معمر ، عن سفيان ، عن ابن المنكدر ، عنها . ولم يسمع منها . و ( ينفشون ) بضم الفاء ، قاله الجوهري : نفشت الصوف والقطن أنفشه نفشا . ونفشت الإبل ( والغنم ) نفوشا : رعت ليلا .

[ ص: 472 ] وحديث الباب دال على جواز استخدام الأحرار وأولاد الجيران فيما لا كثير مشقة عليه فيه ، وفيما لا يخاف عليهم منه التلف .

كاستخدام الشارع أنسا وهو صغير فيما أطاقه وقوي عليه . واشتراط أم سلمة ألا يرسل إليها حرا ؛ فلأن الجمهور قائلون بأن من استعان صبيا حرا لم يبلغ ، أو عبدا بغير إذن مواليه فهلكا في ذلك العمل ، فهو ضامن لقيمة العبد ولدية الصبي الحر على عاقلته .

ولا شك أن أم سلمة أم لنا ، فمالنا كمالها ، وعبيدنا كعبيدها .

وقال الداودي : يحتمل فعل أم سلمة ؛ لأنها أمهم . وعلى هذا لا يفترق أن تفرق بين حر وعبد ، ولو حمل الصبي على دابة يستقيها أو يمسكها فوطئت الدابة رجلا فقتلته . فقال مالك في " المدونة " : الدية على عاقلة الصبي ولا ترجع على عاقلة الرجل ، وهو قول الثوري .

فإن استعان حرا بالغا متطوعا أو بإجارة ، فأصابه شيء ، فلا ضمان عليه عند جميعهم . إن كان ذلك العمل لا غرر فيه ، وإنما يضمن من جنى أو تعدى .

واختلف إذا استعمل عبدا بالغا في شيء فعطب . فقال ابن القاسم : إن استعمل عبدا في بئر يحفرها ولم يؤذن له في الإجارة ، فهو ضامن إن عطب . وكذلك إن بعثه بكتاب إلى سفر .

وروى ابن وهب عن مالك : سواء أذن له سيده في الإجارة أم لا ، لا ضمان عليه ، فيما أصابه إلا أن يستعمله في غرر كثير ؛ لأنه لم يؤذن له

[ ص: 473 ] في الغرر .

وهذه الرواية أحسن من قول ابن القاسم ( وغيره ) .

فإن قلت : ما وجه قوله : ( ما قال لي لشيء ) . . إلى آخره . وظاهره يدل أنه تكرير يدخل فيه القسم الأول .

قيل : إنما أراد أنه لم يلمه في القسم الأول على شيء فعله وإن كان ناقصا عن إرادته ، ولا لامه في القسم الآخر على شيء ترك فعله خشية الخطأ فيه ، فتركه أنس من أجل ذلك ، فلم يلمه على تركه إذا كان يتجوزه منه لو فعله ، وإن كان ناقصا عن إرادته .

وإلى هذا أشار بقوله : ( هذا هكذا ) ؛ لأنه كما يجوز عنه ما فعله ناقصا عن إرادته ، فله أن يتجوز عنه ما لم يفعله خشية مواقعة الخطأ فيه لو فعله ناقصا ؛ لشرف خلقه وحلمه .

فصل :

وقوله في أنس :" غلام كيس " . الكيس خلاف الحمق . والرجل كيس مكيس ، أي : ظريف قال :

أما تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مكيسا



( وقيل : الكيس : العاقل ، والمعنى متقارب ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية