التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6515 [ ص: 475 ] 29 – باب: العجماء جبار

وقال ابن سيرين : كانوا لا يضمنون من النفحة ، ويضمنون من رد العنان . وقال حماد : لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة . وقال شريح : لا تضمن ما عاقبت أن يضربها فتضرب برجلها . وقال الحكم وحماد : إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة فتخر ، لا شيء عليه . وقال الشعبي : إذا ساق دابة فأتعبها فهو ضامن لما أصابت ، وإن كان خلفها مترسلا لم يضمن .

6913 - حدثنا مسلم ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" العجماء عقلها جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " . [ انظر : 1499 - مسلم : 1710 - فتح 12 \ 256 ]


ثم ساق الحديث بسند آخر غير ما سلف من حديث شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" العجماء عقلها جبار ، والمعدن جبار ، والبئر جبار ، وفي الركاز الخمس " . وقد سلف شرحه في الزكاة واضحا .

وأما أثر ابن سيرين فأخرجه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، ثنا سفيان ، ( عن عاصم ، عنه . وأثر حماد أخرجه أيضا عن غندر ، عن شعبة ) قال : سألت الحكم وحمادا عن رجل واقف على دابة ، فضربت برجلها . فقال حماد : لا يضمن . وقال الحكم : يضمن وأثر شريح أخرجه أيضا عن أبي خالد ، عن الأشعث ، عن ابن سيرين ، عنه . وأثر الشعبي أخرجه أيضا

[ ص: 476 ] ( عن هشيم ) ، عن إسماعيل بن سالم ، عنه به . قال : وثنا أبو خالد الأحمر ، عن أشعث ، عنه بلفظ : صاحب الدابة ضامن لما أصابت الدابة بيدها أو برجلها حتى ينزل عنها .

وفي " علل أبي حاتم " : سألت أبي عن حديث رواه بقية ، عن عيسى بن عبد الله ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير مرفوعا :" من ربط دابته على الطريق فما أصابت الدابة برجلها فهو له ضامن " فقال : هذا حديث باطل ، إنما يرويه إسماعيل عن الشعبي ، عن شريح . هذا الكلام من قبله ، وعيسى لم يدرك ابن أبي خالد وهو ذاهب الحديث مجهول ، روى عنه الوليد بن مسلم وبقية .

فصل :

روى أبو داود من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا :" والنار جبار " قال الدارقطني : عن معمر ، لا أراها إلا وهما .

وقال أحمد : ليس بشيء ، لم يكن في الكتب وهو باطل ، وليس بصحيح ، قال : وأهل اليمن يكتبون النار : النير ، ويكتبون البئر مثل ذلك ، وإنما لقن عبد الرازق " والنار جبار " وغيره أيضا .

[ ص: 477 ] وقال يحيى بن معين كما نقله ابن عبد البر في " استذكاره " : أصله البئر ، ولكن معمرا صحفه . قال ابن عبد البر : لم يأت يحيى على هذا بدليل ، وليس هكذا ترد الأحاديث الثقات .

وقد ذكر وكيع عن عبد العزيز بن حصين ، عن يحيى بن يحيى الغساني أن عمر بن عبد العزيز قضى أن النار جبار .

فصل :

روى الدارقطني من حديث سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا :" والرجل جبار " .

قال ابن حزم : قال قوم : سفيان ضعيف في الزهري ، ولا ندري ما وجه هذا ، سفيان ثقة ومن ادعى عليه خطأ فليبينه وإلا فروايته حجة ، وهذا إسناد مستقيم لاتصال الثقات فيه .

وقال الدارقطني : لا يتابع سفيان على قوله :" الرجل " وهو وهم ، لأن الثقات الذين قد بينا أحاديثهم منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والزبيدي وعقيل والليث بن سعد ، خالفوه لم يذكروا ذلك . وكذلك رواه عن أبي هريرة أبو صالح السمان والأعرج ( ومحمد بن زياد ) ومحمد بن سيرين وغيرهم عنه ، لم يذكروا فيه " الرجل " : وهو المحفوظ عن أبي هريرة والصواب .

[ ص: 478 ] قلت : وقد ذكره بعد من حديث آدم ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة مرفوعا :" الدابة جرحها جبار ، والرجل جبار " الحديث . ثم قال : لم يروه عن شعبة غيره ، قوله " الرجل جبار " وفي موضع آخر : كذا قال :" الرجل جبار " ولم يتابعه أحد عن شعبة .

وقال الشافعي : لا يصح " الرجل جبار " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الحفاظ لم يحفظوا ، وقال : هكذا مر أنه غلط . وقال في موضع آخر : إنه خطأ .

وقال ابن عبد البر : إنه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث .

قلت : وأخرجه الدارقطني من طريق آخر عن عبد الله مرفوعا :" العجماء جرحها جبار والبئر جبار " قال " كل جبار " . أخرجه مرة من حديث محمد بن طلحة ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن هزيل ، عن عبد الله - أظنه مرفوعا - فذكره . ومرة من حديث أحمد بن عبيد بن إسحاق ثنا أبي ، عن قيس ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن هزيل ، عن عبد الله ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشك . ورواه عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي قيس ، عن هزيل مرسلا .

[ ص: 479 ] قال ابن القصار : فإن صح فمعناه : الرجل جبار بهذا الحديث ، وتكون اليد جبارا قياسا على الرجل إذا كان ذلك بغير سبب ولا صنعه ، وقال - عليه السلام - :" العجماء جبار " ولم يخص يدا من رجل ، فهو على العموم .

قال الشافعي : ومن اعتل أنه لا يرى رجلها فهو إذا كان سائقها لا يرى يدها ، فينبغي أن يلزمه في القياس أن يضمن عن الرجل ولا يضمن عن اليد .

فصل :

ولحديث الباب طريق آخر من حديث علي . ( قال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث ) رواه مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :" المعدن جبار " الحديث . فقالا : هو خطأ ، وهو عن الشعبي ، عن جابر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الصحيح .

وطريق آخر أخرجه ابن أبي عاصم من حديث سالم ، عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة أنه - عليه السلام - قال :" العجماء جرحها جبار " .

ومن طريق آخر أخرجه ابن ماجه من طريق خالد بن مخلد ، ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" العجماء جرحها جبار ، والمعدن جبار " .

[ ص: 480 ] وطريق آخر أخرجه ابن ماجه أيضا من حديث موسى بن عقبة ثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت قال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المعدن جبار والبئر جبار .

فصل :

نقلنا في الزكاة إجماع العلماء على أن جناية البهائم نهارا لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد ، فإن كان معها أحد فجمهور العلماء على الضمان ، وكذا قال ابن المنذر : أجمع العلماء أنه ليس على صاحب الدابة المنفلتة ضمان فيما أصابت .

وكذا قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهارا ، أو جرحت جرحا لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر ، ولا دية فيه على أحد ولا أرش .

واختلفوا في المواشي يهملها صاحبها ولا يمسكها ليلا ، فتخرج فتفسد زرعا أو كرما ، أو غير ذلك من ثمار الحوائط والأجنة وخضرها على ما في حديث ابن شهاب ، عن حرام بن محيصة - يعني : الذي أسلفته هناك - ولا خلاف بينهم أن ما أفسدت المواشي وجنته نهارا من غير سبب آدمي أنه هدر من الزرع وغيره ؛ إلا ما روي عن مالك وبعض أصحابه في الدابة الضارية المعتادة الفساد ، وأما السائق لها أو الراكب أو القائد فإنهم عند جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين ضامنون لما جنت ( الدابة ) من أجلهم وبسببهم .

[ ص: 481 ] وخالف أهل الظاهر كما سلف ، وأنه لا يضمن إلا الفاعل القاصد .

قال أبو عمر : ولا خلاف علمته أن ما جنت يد الإنسان خطأ من الأموال أن يضمنه في ماله ، فإن كان دما فعلى العاقلة ( تسليما ) للسنة المجمع عليها . وفي معنى ما أجمعوا يبطل قول أهل الظاهر .

وروي عن عمر أنه ضمن الذي أجرى فرسه عقل ما أصاب الفرس ، وعن شريح أنه كان يضمن الفارس ما أوطأته دابته بيد أو رجل ، ويبرئ من النفحة .

قال إسماعيل القاضي : وقاله النخعي والحسن ؛ وذلك لأن الراكب كان سببه .

وقال الشافعي : إذا كان الرجل راكبا فما أصابت بيدها أو رجلها أو فمها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن ؛ لأن عليه منعها في تلك الحال ، قال : وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا ، وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى .

قال الشافعي : وكذلك الإبل المقطرة بالبعير ولا قائد لها ، ولا يجوز في هذا إلا في ضامن كل ما أصابت الدابة تحت الراكب أو لا يضمن إلا ما حملها عليه . لا يصح إلا أحد هذين القولين ، فأما من ضمن من يدها ولم يضمن من رجلها فهو تحكم . ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن ، ولو أوقفها في ملكه لم يضمن . فإن كان في بيته كلب عقور فدخل إنسان فقتله لم يكن عليه شيء . قال المزني : سواء عندي أذن لذلك الإنسان أن يدخل أو لم يأذن .

[ ص: 482 ] وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا ضمان على أصحاب البهائم فيما تفسد وتجني في الليل والنهار ، إلا أن يكون راكبا أو سائقا أو قائدا أو مرسلا .

وقول الليث والأوزاعي في هذا الباب كله كقول مالك : لا يضمن ما أصابته الدابة برجلها من غير صنعه ، ويضمن ما أصابت بيدها أو مقدمها إذا كان راكبا عليها أو سائقا أو قائدا .

قال ابن عبد البر : من فرق بين الرجل والقدم في راكب الدابة أو سائقها أو قائدها فحجته أنه يمكنه التحفظ من جناية فمها ويدها إذا كان راكبا أو قائدا ، ولا يمكنه ذلك من رجلها ، ومن حجته أيضا ما تقدم من أن " الرجل جبار " . أي : على ما في إسناده .

قال : ولا أعلم خلافا عن مالك وأصحابه وسائر فقهاء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق ، من وقف دابته في موضع ليس له ( أن يوقفها فيه ، ولا يجوز له ذلك من ضيق أو غير ذلك بما ليس له أن يفعله فجنت جناية أنه ضامنها ، فإن وقفها في موضع يعرف الناس أن مثله توقف الدواب فيه مثل دابته . قال ابن حبيب : نحو دار نفسه أو باب المسجد أو دار العالم أو القاضي وشبهه ، فلا ضمان عليه فيما جنت .

قال ابن حزم : واختلف في معنى قوله :" والرجل جبار " فقالت طائفة : معناه : ما أصابت الدابة برجلها ، وهذا أسلفته ، وقال آخرون :

[ ص: 483 ] هو ما أصيب بالرجل من غير قصد في الطواف وغيره ، وحكي ذلك عن بعض السلف . وروى ابن عيينة ، عن أبي فروة ، عن عروة بن الحارث ، عن الشعبي قال : الرجل جبار .

فصل :

معنى قوله :" البئر جبار " أنه لا ضمان على رب البئر وحافرها إذا سقط فيها إنسان أو دابة أو غير ذلك ، فتلف أو عطب . هذا إذا كان حافر البئر قد حفرها في موضع يجوز له أن يحفرها فيه ، مثل أن يحفرها بفنائه أو في ملكه أو داره أو في صحراء الماشية ، أو طريق واسع محتمل ، ونحو ذلك ، وهو قول مالك والشافعي وداود وأصحابهم ، وقول الليث بن سعد .

وقال ابن القاسم عن مالك : إن حفر في داره بئرا لسارق يرصده ليقع فيه أو وضع له حبالات أو شيئا يتلف به السارق ، فدخل السارق فعطب فهو ضامن ، ووجه ذلك أنه لم يحفرها لمنفعة ، وإنما حفرها قصدا ليعطب غيره فصار جانيا .

وقال الليث والشافعي : لا ضمان عليه في مثل هذا .

وحكي عن العراقيين من أصحاب مالك أنه يقتل بالسارق ، [ و ] إن وقع فيه ( غيره ) ، كانت الدية على عاقلته . وقالوا : ضبط مذهب مالك أن إنسانا لو طرح قشورا في الطريق فقصد الهلاك والإتلاف فمات فيه أحد فعليه القود .

[ ص: 484 ] وإنما قال مالك في حافر البئر في الطريق أو يربط دابته فيما لا يجوز له أنه ضامن ؛ لأنه لم يفعله لقتل أحد . وفي رواية ابن وهب عن مالك فيمن برد قصبا أو عيدانا يجعلها على بابه لتدخل في رجل الداخل سارق أو غيره أنه يضمن ، وإنما جعل فيه الدية ؛ لأنه جعله في ملكه . وقال الشافعي وأبو حنيفة وصاحباه : له أن يحدث في الطريق ما لا يضر به ، قالوا : وهو ضامن لما أصابه .

قال ابن عبد البر : وقوله - عليه السلام - :" البئر جبار " يدفع الضمان عن ربها في كل ما يسقط فيها بغير صنع آدمي .

وقال أبو عبيد : وقوله :" البئر جبار " هي البئر العادية القديمة التي لا يعرف لها حافر ولا مالك ، تكون في البوادي يقع فيها شيء ، فذلك هدر إذا حفرها في ملكه أو حيث يجوز له حفرها فيه ؛ لأنه صنع من ذلك ما يجوز له فعله .

قال مالك : والذي يجوز له من ذلك البئر يحفرها للمطر ، والدابة ينزل عنها الرجل لحاجة فيقفها على الطريق ، فليس على أحد في هذا غرم ، وإنما يضمن ( إذا فعل ) من ذلك ما لا يجوز له أن يصنعه على الطريق ، فما أصابت من جرح أو غيره ، وكان عقله دون ثلث الدية فهو في ماله ، وما بلغ الثلث فصاعدا فهو على العاقلة ، وبهذا كله قال الشافعي وأبو ثور ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه فقالوا : من حفر بئرا في موضع يجوز له ذلك فيه ، أو وقف فيه دابة ،

[ ص: 485 ] فليس يبرئه من الضمان ما أجاز إحداثه ، كراكب الدابة يضمن ما عطب منها وإن كان له أن يركبها أو يسير عليها . وهذا خلاف للحديث ، ولا قياس مع النصوص .

وقال الداودي : معنى الحديث أن من حفر بئرا أو نزل ليصلحه فسقط عليه شيء من غير فعل أحد لم يكن فيه شيء .

فصل :

قال أبو عبيد : وأما قوله :" والمعدن جبار " فهي المعادن التي يخرج منها الذهب والفضة ، فيجيء قوم يحفرونها بشيء مسمى لهم ، وربما انهارت عليهم المعدن فقتلهم ، فنقول : دماؤهم هدر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء .

فصل :

قال أبو عبيد : والعجماء : هي الدابة ، وإنما سميت عجماء لأنها لا تتكلم ، وكذلك كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم وأعجمي . زاد غيره : وإن كان من العرب ، ورجل أعجمي منسوب إلى العجم ، وإن كان فصيحا ، ورجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب ، ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا .

والجبار : الهدر الذي لا دية فيه ، وإنما جعلت هدرا إذا كانت منفلتة ليس لها قائد ولا راكب . وقد سلف نقل ابن المنذر الإجماع فيه .

[ ص: 486 ] وما ذكره البخاري عن حماد وشريح والشعبي أنهم كانوا لا يضمنون النفحة إلا أن تنخس الدابة . فعليه أكثر العلماء ؛ لأن ما فعلته من أذى ذلك فهي جناية راكبها أو ( سائقها ) ؛ لأنه الذي ولد لها ذلك .

قال مالك : فإن رمحت من غير أن يفعل بها شيئا ترمح له ، فلا ضمان عليه . وهو قول الكوفيين والشافعي .

وأما قول ابن سيرين : كانوا لا يضمنون النفحة ويضمنون من رد العنان . فالنفحة : ما أصابت برجلها أو ذنبها فقالوا : لا ضمان وإن كان بسببه ، وبين ما أصابت بيدها أو مقدمها فقالوا : عليه الضمان .

ولم يفرق مالك والشافعي بين الكل في وجوب الضمان على الراكب والقائد والسائق إذا كان ذلك من نخسه أو كبحه ، وذكر الداودي أن قول ابن سيرين مثل قول مالك ، وليس الأمر كذلك . إلا أن يكون رأى في ذلك شيئا ، فليس هو المعروف عنده .

خاتمة :

حاصل ما للعلماء فيما تفسده البهائم إذا انفلتت ليلا أو نهارا ، ثلاثة مذاهب : الضمان مطلقا ، وهو مذهب الليث .

وعدمه مطلقا ، إلا أن يكون له فعل فيها ، وهو مذهب الكوفيين .

ثالثها : التفصيل بين ما أفسدته نهارا فلا ضمان ، إلا أن يكون صاحبها معها ويقدر على منعها ، وبين ما أفسدته ليلا فضمانه على أرباب المواشي ، قاله مالك والشافعي .

[ ص: 487 ] حجة المانع إطلاق حديث الباب ، حيث لم يفرق بين جنايتها ليلا أو نهارا .

( حجة الثالث حديث حزام السالف وهو نص أنه لا ضمان بالنهار ، ووجهه أنه لما كان لأرباب الماشية تسريحها نهارا ) وكان على أرباب الثمار حفظها نهارا ، فإن فرطوا في الحفظ لم يتعلق لهم على أرباب المواشي ضمان .

ولما كان على أرباب المواشي حفظها ليلا دون أصحاب الزروع ، وفرط أهل المواشي في ترك الحفظ لزمهم الضمان ، وعلى هذا جرت العادة ورتبه الشارع . وفيه جمع بين الحديثين ، فهو أولى الأقوال بالصواب ، إذ ليس أحدهما أولى ( بالاستعمال ) من الآخر ، فتعين ما ذكرناه .

فالعجماء جبار نهارا لا ليلا ؛ لحديث حرام في ( ناقة ) البراء ، وأما قول الليث فمخالف لهما .

فرع :

المعدن من العدون وهو : الإقامة ، ومنه جنات عدن . فالمعدن يقام عليه ليلا ونهارا ، وهو عروق في الأرض يستخرج منها الذهب والفضة . وفيه الربع ، خلافا لأبي حنيفة ، حيث قال : الخمس

[ ص: 488 ] كالركاز ، فإن وجد فيه ( بدرة ) .

فقال مالك في رواية ابن القاسم : فيها الخمس . وهو ما ذكرناه في كتاب الزكاة . وقال في رواية ابن نافع : فيها الزكاة . وقد أسلفنا هناك الفرق بينه وبين الركاز ، وحد مالك الركاز .

وروى ابن القاسم عنه أن الركاز ما وجد في الأرض من قطع الذهب والفضة مخلصا لا يحتاج في تصفيته إلى عمل كان من دفن الجاهلية أم لا ، أو بما تنبته الأرض ، أو مما دفن في الأرض مخلصا غير الورق والذهب ، كالثياب وغيرها .

ومعنى رواية ابن نافع أنه ما وضع في الأرض ، وأن ما وجد فيها من ( . . .) ولم يتقدم ملك فهو معدن ، وبه قال الشافعي .

قال محمد : الركاز ما دفن في الأرض من الذهب والورق خاصة ، وقاله مالك مرة : أن ركاز النحاس والحديد والحرير والطيب واللؤلؤ ، وقاله ابن القاسم أيضا مرة .

وقال الجوهري : إنه دفين الجاهلية ، كأنه ركز في الأرض ركزا ، أي : غرز .

وقال صاحب " العين " : الركاز : لما وضع في الأرض ، ولما يخرج من المعدن من قطع ذهب وورق ، وأما تراب المعدن فلا نعلم أحدا من أهل اللغة سماه ركازا ، كما ذكره ابن التين وقال : إنه يرد على أبي

[ ص: 489 ] حنيفة ؛ لأنه يقول : الركاز : اسم لما يخرج من المعدن لما يوضع في الأرض من المال المدفون .

وقال الداودي : اختلف قول مالك فيما يلقيه البحر من عنبر أو جوهر ، فقال : فيه الخمس . وقال : لا شيء فيه ، وهذه قولة لم تعرف لمالك ، وإنما قال فيه الخمس عمر بن عبد العزيز وأبو يوسف وإسحاق والزهري .

( وقال الزهري ) : إن وجد عنبرة على ضفة بحر خمست ، وإن غاص فيها لم تخمس ، ولا شيء فيها . وقد أوضحنا الكلام على ذلك في الزكاة فراجعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية