التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6516 [ ص: 490 ] 30 - باب: إثم من قتل ( معاهدا ) بغير جرم

6914 - حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الحسن ، حدثنا مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " . [ انظر : 3166 - فتح 12 \ 259 ]


ذكر فيه حديث مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " . هذا الحديث سلف في أثناء الجزية والموادعة . وتكلمنا على إسناده ، وفيه دليل على أن المسلم إذا قتل الذمي لا يقتل به ؛ لأن الشارع إنما ذكر الوعيد للمسلم وعظم الإثم في الآخرة ، ولم يذكر بينهما قصاصا في الدنيا .

ومعنى " لم يرح " معناه على الوعيد وليس على الجبر والإلزام ، وإنما هذا لمن أراد الله تعالى إنفاذ الوعيد عليه . وزعم أبو عبيد أنه يقال : يرح ويرح أي بالضم من أرحت .

وقال أبو حنيفة : أرحت الرائحة أروحها ورحتها إذا وجدتها .

وعند الهروي روي بثلاثة أوجه : يرح يرح يرح يقال : رحت الشيء أراحه وروحته أريحه وأرحته الريحة إذا وجدت ريحه .

وقال ابن التين : روينا يرح بفتح الياء والراء .

وقال الجوهري : راح الشيء يراحه ويريحه ، أي : وجدت ريحه ،

[ ص: 491 ] قال : ومنه هذا الحديث ، جعله أبو عبيد من ( رحت ) الشيء أراحه ، وكان أبو عمرو يقول :" لم يرح " من راح الشيء يريحه ، والكسائي يقول :" لم يرح " يجعله من أرحت الشيء فأنا أريحه ، قال : والمعنى واحد ، وقال الأصمعي : لا أدري هو من رحت أو أرحت .

فصل :

جاء هنا :" من مسيرة أربعين عاما " . وقد روي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة : سمعت مجاهدا يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" من ادعى إلى غير أبيه لم يجد رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من ( قدر ) مسيرة سبعين عاما " وجاء في " الموطأ " :" كاسيات عاريات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام " .

ووجه الجمع أنه يحتمل أن يكون الأول أقصى أشد العمر في قول أكثر أهل العلم إذا ابن آدم زاد عمله واستحكمت بصيرته في الخشوع فيه ، والتذلل والندم على ما سلف له ، فكأنه وجد ريحها الذي يبعثه على الطاعة ، وتمكن من قلبه الأفعال الموصلة إلى الجنة ، فهذا وجد

[ ص: 492 ] ريحها على مسيرة أربعين عاما .

فأما الثانية : فإنها آخر المعترك وهي أعلى منزلة من الأربعين في الاستبصار يعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله ما لم يعرض له قبل ذلك ، وتزداد طاعته بالتوفيق ، فيجد ريحها على هذا النحو .

وأما الثالثة : فهي فترة ما بين نبي ونبي ، فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبلها ولم يضره طولها ، فوجد ريحها على ذلك . ذكره ابن بطال ، وقد أسلفناه أيضا في أثناء الجزية والموادعة .

وقال الداودي : يحتمل هذا الحديث ألا يجد ريحها في الموقف ، أي في بعض الأوقات ، ويحتمل أن يكون هذا جزاء إن جوزي ، وأن يكون في رجل بعينه ، ويكون من المعاريض لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [ النساء : 48 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية