التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
49 49 - أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس قال: أخبرني عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: " إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان، وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس". [2023، 6049 - فتح: 1 \ 113]


المراد بالحبط: نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر، فإن الإنسان لا يكفر ويخرج عن الملة إلا بما يعتقده أو يفعله عالما بأنه يوجب الكفر.

[ ص: 155 ] وأما حديث: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" المراد به: الرياء لا الكفر، كما نبه عليه ابن بطال.

قال البخاري رحمه الله:

وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.

ويذكر عن الحسن ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقوله تعالى: ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون .

حدثنا محمد بن عرعرة، ثنا شعبة، عن زبيد قال: سألت أبا وائل

عن المرجئة، فقال: حدثني عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".

حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس قال: أخبرني عبادة بن الصامت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس".

[ ص: 156 ] الكلام على ذلك من وجوه:

الأول: في تخريج هذه الآثار التي ذكرها البخاري معلقة.

أما أثر إبراهيم فأخرجه أبو القاسم اللكائي في "سننه" بإسناد جيد عن القاسم بن جعفر. (أنا) محمد بن أحمد بن حماد، ثنا العباس بن عبد الله، ثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن أبي حيان، عن إبراهيم به.

وأما أثر ابن أبي مليكة فأخرجه (...). وأما أثر الحسن فأخرجه الفريابي عن قتيبة، ثنا جعفر بن سليمان، عن المعلى بن زياد: سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق.

قال: وحدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد، ثنا مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن الحسن: والله ما أصبح ولا أمسى مؤمن إلا وهو يخاف النفاق على نفسه.

وثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد أن الحسن كان يقول: إن القوم لما رأوا هذا النفاق يغول الإيمان لم يكن لهم هم غير النفاق.

[ ص: 157 ] وحدثنا هشام بن عمار، ثنا أسد بن موسى، عن أبي الأشهب، عن الحسن: لما ذكر أن النفاق يغول الإيمان لم يكن شيء أخوف عندهم منه.

وثنا هشام، ثنا أسد بن موسى، ثنا محمد بن سليمان قال: سأل أبان الحسن فقال: تخاف النفاق؟ (قال): وما يؤمنني وقد خافه عمر بن الخطاب.

وثنا (شيبان، ثنا أبو الأشهب)، عن طريف قال: قلت للحسن: إن ناسا يزعمون ألا نفاق أو لا يخافون (النفاق) شك أبو الأشهب فقال: والله لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا.

الوجه الثاني:

الحديث الأول أخرجه البخاري هنا كما ترى، وأخرجه مسلم هنا أيضا عن محمد بن بكار وعون بن سلام قالا: ثنا محمد بن طلحة، وثنا محمد بن المثنى، (ثنا غندر )، ثنا شعبة، وثنا ابن المثنى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، كلهم عن زبيد، عن أبي وائل.

[ ص: 158 ] والحديث الثاني أخرجه البخاري هنا عن قتيبة كما سقناه وفي الصوم عن أبي موسى، عن خالد بن الحارث، وفي الأدب عن مسدد، عن بشر بن المفضل ثلاثتهم عن حميد به.

الوجه الثالث: في التعريف برواتهما:

وقد سلف منهم التعريف بعبد الله، وهو ابن مسعود، وعبادة وأنس وشعبة وإسماعيل بن جعفر وقتيبة.

وأما أبو وائل الراوي عن عبد الله فهو شقيق بن سلمة الأسدي، أسد خزيمة، كوفي تابعي، أدرك زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، قال: أدركت سبع سنين من سني الجاهلية.

وقال: كنت قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عشر سنين أرعى إبلا لأهلي.

وسمع عمر بن الخطاب وعثمان وعليا وابن مسعود وعمارا وغيرهم من الصحابة والتابعين، وعنه خلق من التابعين وغيرهم.

وأجمعوا على جلالته وصلاحه وورعه وتوثيقه، وهو من أجل أصحاب ابن مسعود، وكان ابن مسعود يثني عليه، مات سنة اثنتين وثمانين على المحفوظ، وقال الواقدي وأبو نعيم: في خلافة عمر بن عبد العزيز. وفي "الكمال" أنه توفي سنة سبع وتسعين -وعلى سبع علامة إصلاح- وقال النووي في (شرحه) في القطعة التي (له) على هذا الكتاب: مات سنة مائة.

[ ص: 159 ] وقيل: سنة تسع وتسعين، وهو ماش على قول الواقدي وأبي نعيم السالفين، فإن عمر بن عبد العزيز مات سنة إحدى ومائة في رجب.

وقيل: سنة اثنتين ومائة، وكانت خلافته سنتين ونصفا. وقيل: سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما.

وأما زبيد الراوي عنه فهو -بزاي مضمومة ثم باء موحدة ثم مثناة تحت- بن الحارث بن عبد الكريم أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله اليامي بمثناة تحت، جد القبيلة، بطن من همدان- ويقال: الأيامي الكوفي، روى عن أبي وائل وجمع من التابعين، وعنه: الأعمش وغيره من التابعين، وجلالته متفق عليها، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.

فائدة:

في الصحيحين زبيد بضم الزاي ثم موحدة إلا هذا، كما سلف التنبيه عليه في الفصول السالفة.

وأما زبيد بن الصلت: فليس له ذكر فيهما، ذاك في "الموطأ".

وأما محمد (خ. م. د) بن عرعرة الراوي عن شعبة فهو بفتح العينين المهملتين، وبالراء المكررة الأولى ساكنة، وهو أبو إبراهيم، ويقال: أبو عبد الله محمد بن عرعرة بن البرند -بموحدة ثم راء مكسورتين، ويقال بفتحهما، والأول أصح وأشهر، ثم نون ثم دال مهملة- [ ص: 160 ] (ابن النعمان) القرشي السامي -بالسين المهملة- (ولد) سامة بن لؤي بن غالب البصري، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين عن خمس وسبعين سنة.

قال شيخنا قطب الدين في "شرحه": انفرد به البخاري عن مسلم .

قلت: لا، فقد روى له معه، وكذا أبو داود . كما نبه عليه الحافظ جمال الدين المزي في "تهذيبه".

وأما حميد الراوي عن أنس فهو أبو عبيدة حميد بن أبي حميد تير -ويقال: تيرويه، بكسر المثناة فوق. ويقال: غير ذلك- الخزاعي البصري مولى طلحة الطلحات، سمع أنسا وغيره من التابعين، وعنه يحيى الأنصاري وغيره من الأعلام.

وحميد هذا هو الطويل (تمييزا له)، قيل: كان قصيرا طويل اليدين، فقيل له ذلك. وقال الأصمعي: لم يكن بذاك الطويل لكن كان في جيرانه رجل يقال له: حميد القصير. فقيل: حميد الطويل تمييزا له.

وقال البخاري عن الأصمعي: رأيته ولم يكن بطويل، ولكن كان طويل اليدين. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة عن خمس وسبعين سنة.

وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة أربعين.

[ ص: 161 ] فصل:

وقع في أوائل الباب ذكر إبراهيم التيمي وعبد الله بن أبي مليكة والحسن. أما إبراهيم فهو ابن يزيد بن شريك التيمي -تيم الرباب- الكوفي أبو أسماء. روى عن أنس وغيره، وعنه الثوري وغيره، قتله الحجاج بن يوسف، وقيل: مات في سجنه لما طلب الإمام إبراهيم النخعي فوقع الرسول به فأخذه وحبسه، فقيل له: ليس إياك أراد، فقال: أكره أن أدفع عن نفسي، وأكون سببا لحبس رجل مسلم بريء الساحة فصبر في السجن حتى مات.

وثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة : ثقة مرجئ قتله الحجاج.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ومن غرائبه ما رواه الأعمش عنه: إني لأمكث ثلاثين يوما لا آكل. مات سنة اثنتين وتسعين ولم يبلغ أربعين سنة.

فائدة:

تيم الرباب: بكسر الراء، قال الحازمي: وهو تيم بن عبد مناة بن ود بن طابخة، وقال معمر بن المثنى: هو ثور وعدي وعكل ومزينة بنو عبد مناة وضبة بن ود، قيل: سموا به، لأنهم غمسوا أيديهم في رب وتحالفوا عليه.

قال الحازمي: هذا قول ابن الكلبي، وقال غيره: سموا به; لأنهم ترببوا، أي: تحالفوا على بني سعد بن زيد مناة.

[ ص: 162 ] وأما ابن أبي مليكة فهو عبد الله بن (عبيد الله) بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن (عمر) بن كعب بن تيم بن مرة القرشي، كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا. جلالته متفق عليها. سمع العبادلة، ومات سنة سبع عشرة ومائة. وأما الحسن فهو البصري، وقد تقدم حاله.

الوجه الرابع:

فيما فيه من المبهمات: الرجلان المذكوران في قوله: (فتلاحى رجلان). مكثت مدة فلم أعثر على من سماهما إلى أن رأيت ابن دحية في كتابه "العلم المشهور". قال: هما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد.

قلت: وحديثهما ذكره البخاري في الخصومات وغيره كما ستعلمه.

الوجه الخامس: في ألفاظه ومعانيه:

معنى قول إبراهيم التيمي أنه خشي أن يكون قصر في العمل، وكذا ينبغي أن تغلب الخشية المؤمن، كما قال الحسن: ما خافه إلا مؤمن.

وقد ذم الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في عمله. فقال: لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن [ ص: 163 ] تقولوا ما لا تفعلون [الصف:2 - 3]. وهذا على المختار في ضبط قوله: (مكذبا) أنه بكسر الذال، وقد ضبط بفتحها. ومعناه: خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفا قولي ويقول: لو كنت صادقا ما فعلت هذا الفعل.

ومعنى قول ابن أبي مليكة عن الصحابة: (أنهم) خافوا أن يكونوا في جملة من داهن ونافق. قال ابن بطال: وإنما خافوا; لأنهم طالت أعمارهم حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا أو نافقوا.

وروي عن عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة [المؤمنون: 60] فقال: "هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويفرقون أن لا تقبل منهم".

وقال بعض السلف في قوله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون [الزمر: 47] أعمال كانوا يحسبونها (حسنات) بدلت سيئات وقوله: (ما منهم من يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل) هو على ما تقدم أن الإيمان يزيد وينقص، (فإن) إيمان جبريل وميكائيل أكمل من إيمان آحاد الناس خلافا للمرجئة.

وقول الحسن: (ما خافه إلا مؤمن). يعني: الله تعالى، وقد قال تعالى: وإياي فارهبون [البقرة: 40] وقال: ولمن خاف مقام ربه [ ص: 164 ] جنتان [الرحمن: 46] وقال: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [الأعراف: 99] ونظائره كثيرة. والسب في اللغة: الشتم والتكلم في العرض بما يعيبه. والفسق: الخروج لغة، وشرعا: الخروج عن الطاعة.

وقوله: ("وقتاله كفر") لا بد من تأويله فإن قتاله بغير حق لا يخرجه عن الملة عند أهل الحق ولا يكفر به، وفيه أقوال:

أصحها: أن المراد به (كفران) الحقوق، فإن للمسلم حقوقا على أخيه كما تظاهرت به الأحاديث الصحيحة منها: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" الحديث. فإذا قاتله فقد كفر تلك الحقوق.

ثانيها: أن المراد به: من استحله (من غير) موجب ولا تأويل.

أشار إليه الخطابي وهو محتمل على بعد، والأصح الأول وبه يحصل الزجر عن انتهاك حرمات المسلمين فهو أكثر فائدة.

ثالثها: أنه شابه فعل الكفار.

رابعها: أن المراد بالمقاتلة: المشادة والتناول باليد والتطاول عليه.

قال ابن بطال: العرب تسمي المشادة: المقاتلة. كما قال - صلى الله عليه وسلم - في المار [ ص: 165 ] بين يدي المصلي: "فليقاتله" أي: فليدفعه بالقوة ولم يرد قتله.

وإيراد البخاري حديث التلاحي في الباب رمز إلى هذا المعنى، وقد ترجم عليه في كتاب: الفتن، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".

وقد سلف أيضا باب: كفر دون كفر وذكر كفران العشير، ثم هذا كله فيمق لا تأويل (له) (أما) المتأول فلا يكفر ولا يفسق كالبغاة والخارجين على الإمام بتأويل وغيرهم، وقال عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فلم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم - لما كان فعل حاطب يشبه فعل المنافقين، وكما قال معاذ للمنصرف من الصلاة: نافقت. وأشباه ذلك.

والمرجئة -بضم الميم، وجيم ثم همزة- مشتقة من الإرجاء، وهو التأخير، ومنه قوله تعالى: أرجه وأخاه [الأعراف: 111] أي: أخره، والمرجئ من أخر العمل عن الإيمان، وقيل: من الرجاء: لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقيل: من الإرجاء، بمعنى: تأخير حكم الكبيرة، فلا يقضى بها بحكم في الدنيا، وهم أضداد الخوارج والمعتزلة.

[ ص: 166 ] فالخوارج تكفر بالذنب، والمعتزلة يفسقون به وكلهم يوجب الخلود في النار. والمرجئة تقول: لا يضر الذنب مع الإيمان، وغلاتهم تقول: يكفي التصديق بالقلب وحده ولا يضر عدم غيره.

ومنهم من يقول: لا بد مع ذلك من الإقرار باللسان حكاه القاضي، ومنهم من وافق القدرية كالخالدي، ومنهم من لم يوافقهم وهم خمس فرق كفر بعضهم (بعضا)، وهؤلاء هم مراد البخاري في الرد عليهم.

وقوله: (فتلاحى رجلان). أي: تخاصما وتنازعا. والملاحاة: المخاصمة والمنازعة والسباب، والاسم اللحاء مكسور ممدود. وجاء في رواية لمسلم : "يحتقان معهما الشيطان فنسيتها" أي: يطلب كل منهما حقه ويدعي أنه محق في دعواه.

ومعنى "رفعت": رفع بيانها، وإلا فهي باقية إلى يوم القيامة بدليل قوله: "التمسوها".

وقوله: ("التمسوها في السبع والتسع") كذا هو في أكثر النسخ بتقديم السبع على التسع وفي بعضها تقديم التسع.

[ ص: 167 ] الوجه السادس: في أحكامه:

الأول: مقصود البخاري بهذا الباب الرد على المرجئة في قولهم الباطل: إن الله تعالى لا يعذب على شيء من المعاصي من قال: لا إله إلا الله، ولا يحبط شيء من أعمالهم بشيء من الذنوب، وإن إيمان العاصي والمطيع سواء.

فذكر في صدر الباب أقوال أئمة التابعين وما نقلوه عن الصحابة، وهو كالمشير إلى أنه لا خلاف بينهم في هذا، وأنهم مع اجتهادهم وفضلهم المعروف خافوا أن لا ينجوا من العذاب، وبهذا المعنى استدل أبو وائل لما سأله عن المرجئة: أمصيبون أم مخطئون في قولهم: إن سباب المسلم وقتاله وغير ذلك لا يضر إيمانهم؟ فروى حديث: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" وأراد أبو وائل الإنكار عليهم وإبطال قولهم المخالف لصريح الحديث.

الثاني: أدخل البخاري حديث عبادة في هذا الباب-والله أعلم-; لأن رفع ليلة القدر كان بسبب تلاحيهما ورفعهما الصوت بحضرة الشارع، ففيه ذم الملاحاة ونقص صاحبها.

الثالث: حرمة سب المسلم، وهو حرام بغير حق بالإجماع وفاعله فاسق.

الرابع: ذم المخاصمة والمنازعة وأنها سبب العقوبة للعامة بذنب الخاصة، فإن الأمة حرمت إعلام هذه الليلة بسبب التلاحي بحضرته الشريفة. لكن في قوله: "وعسى أن يكون خيرا" بعض التأنيس لهم.

[ ص: 168 ] الخامس: اختلفت الأحاديث في سبب النسيان، ففي حديث عبادة هذا أن سببه التلاحي، وفي "صحيح مسلم " في حديث أبي هريرة : "فجاء رجلان يحتقان". كما سلف، فيحتمل أن السبب المجموع. وسيأتي الكلام في ليلة القدر في كتاب: الاعتكاف، حيث ذكره البخاري إن شاء الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية