التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6523 6921 - حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا سفيان ، عن منصور والأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رجل : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال :" من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " . [ مسلم : 120 - فتح 12 \ 265 ]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها :

حديث علقمة ، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : لما نزلت هذه الآية : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ الأنعام : 82 ] شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال - عليه السلام - :" إنه ليس بذاك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان : إن الشرك لظلم عظيم ؟ [ لقمان : 13 ]" .

وقد سلف في الإيمان والتفسير وأحاديث الأنبياء وغير ذلك .

[ ص: 503 ] ثانيها :

حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أكبر الكبائر الاشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور - ثلاثا - وقول الزور " . فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت . وقد سلف أيضا .

ثالثها :

حديث عبد الله بن عمرو قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال :" الإشراك بالله " . قال : ثم ماذا ؟ قال :" ثم عقوق الوالدين " . قال : ثم ماذا ؟ قال :" اليمين الغموس " . قلت : وما اليمين الغموس ؟ قال :" الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم بيمين هو فيها كاذب " . وقد سلف قريبا .

رابعها :

حديث أبي وائل ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رجل : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال :" من أحسن في الاسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الاسلام أخذ بالأول والآخر " .

( الشرح ) :

الآية الأولى دالة على عظم الشرك ، ولا شك أنه لا إثم أعظم منه ، ولا عقوبة أشد من عقوبته في الدنيا والآخرة ؛ لأن الخلود الأبدي لا يكون في ذنب غير الشرك بالله ، ولا يحبط الإيمان غيره ؛ لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] وإنما سمى الله - عز وجل - الشرك ظلما ؛ لأن الظلم أصله وضع الشيء في

[ ص: 504 ] غير موضعه ؛ لأنه كان يجب عليه الاعتراف بالعبودية والإقرار بالربوبية حين أخرجه من العدم إلى الوجود وخلقه من قبل ولم يك شيئا ، ومن عليه بالإسلام والصحة والرزق إلى سائر نعمه التي لا تحصى ، فظلم نفسه ونسب النعمة إلى غير منعمها ؛ لأن الله هو الرزاق والمحيي والمميت ، فحصل الإشراك .

وذكر بعض المفسرين في قوله تعالى : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة [ لقمان : 20 ] أن رجلا من العباد عد نفسه في اليوم والليلة فبلغ أربعة عشر ألف نفس ، فكم يرى لله تعالى على عباده من النعم في غير النفس مما يعلم ومما لا يعلم ولا يهتدى إليه ، وقد أخبر الرب - جل جلاله - أن من بدل نعمة الله كفرا فهو صالي إلى جهنم ، وقال تعالى : وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار [ إبراهيم : 28 ، 29 ] .

فصل :

وأما الآية الثانية فهي مما خوطب به ، والمراد غيره ، ومعناها : إذا اتصل بالموت ؛ بدليل قوله تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر الآية [ البقرة : 217 ] .

وقيل : بنفس الردة تحبط أعماله ، وفائدة الخلاف في إعادة الحج الذي حجه قبلها ، واختلف في عود ملكه إذا أسلم ، وفي عود أم ولده وزوجته ، وفي إرثه من مات في حال ردته ، وفي أفعاله ونكاحه إذا تزوج كتابية ، وحكم ما عقده على نفسه من يمين بطلاق وغيره ، وحد قاذفه ، وفي بطلان إحصانه ، والأصح عندنا أن ملكه موقوف ، فإذا عاد إلى الإسلام استمر وإلا فلا .

[ ص: 505 ] فصل :

ومعنى حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - :" من أحسن في الإسلام " بالتمادي عليه ومحافظته والقيام بشروطه " لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية " ذكره المهلب . وقام الإجماع على أن الإسلام يجب ما قبله .

قال : ومعنى قوله :" ومن أساء في الإسلام " أي : في عقده والتوحيد بالكفر بالله ، فهذا يؤاخذ بكل كفر سلف له في الجاهلية والإسلام ، ولا تكون الإساءة إلا الكفر ؛ لإجماع الأمة أن المؤمنين لا يؤاخذون بما عملوا في الجاهلية .

وقال الخطابي : ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة من أن الإسلام يجب ما قبله ، بقوله : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] وتأويله إذا أسلم مرة لم يؤاخذ بما كان سلف من كفره ، ولم يعاقب عليه ، فإن كان أساء في الإسلام غاية الإساءة ، وارتكب أكبر المعاصي ما دام تائبا على الإسلام ، وإنما يؤاخذ بما جاءه من المعصية في الإسلام ، ويغفر ما كان منه في الكفر ، ويبكت به ، يقال : أليس قد فعلت كيت وكيت وأنت كافر ، هل منعك إسلامك معاودة مثله إذا أسلمت ، ثم يعاقب عقوبة مسلم ، ولا يخلد في النار .

وقال أبو عبد الملك : إن من أسلم إسلاما صحيحا لا نفاق فيه ولا شك لم يؤاخذ للآية السالفة .

ومعنى " من أساء في الإسلام " أي أسلم رياء وسمعة فهو منافق يؤاخذ بالأول والآخر .

[ ص: 506 ] وقال الداودي : معنى " من أحسن في الإسلام " : مات عليه .

قال تعالى إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ومن أساء مات على غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية