التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6526 6925 - قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق . [ انظر : 1400 - مسلم : 20 - فتح 12 \ 275 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في المرتدين الذي سلف في الزكاة ، ولا شك من أبى قبول الفرائض حكمه مختلف فيه ، فمن أبى أداء الزكاة - وهو ما ذكر في حديث الباب - وهو مقر بوجوبها ، فإن كان بين ظهرانينا ولم يطلب حربا ولا امتنع بالسيف فإنها تؤخذ منه قهرا وتدفع للمساكين ولا يقتل .

واختلف في الإجزاء ، والمشهور عندنا أن الإمام إذا أخذها ونوى أجزأت ، وهو المعروف من مذهب مالك خلافا لابن الوراق البغدادي منهم ؛ لانتفاء النية منه والأعمال لا توجد إلا بها .

[ ص: 531 ] قال مالك في " الموطأ " : الأمر عندنا فيمن منع فريضة فلم يستطع أخذها منه كان حقا عليهم جهاده حتى يؤخذ منه ومعناه إذا أقر بوجوبها لا خلاف في ذلك ، وإنما قاتل الصديق مانعي الزكاة ؛ لأنهم امتنعوا بالسيف ونصبوا الحرب للأمة .

وأجمع العلماء أن من نصب الحرب في منع فريضة أو منع حقا يجب عليه لآدمي أنه يجب قتاله ، فإن أبى القتل على نفسه فدمه هدر .

وأما الصلاة فمذهب الجماعة أن من تركها جاحدا ( كان مرتدا ) فيستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وكذلك جحد سائر الفرائض .

واختلفوا فيمن تركها تكاسلا ، وقال : لست أفعلها . فمذهبنا إذا ترك صلاة واحدة حتى أخرجها عن وقتها - واعتبر الجمهور وأصحابه وقت الضرورة - فإنه يقتل بعد الاستتابة إذا [ أصر ] على الترك ، والصحيح عندنا أنه يقتل حدا لا كفرا .

ومذهب مالك أنه يقال له : صل ، ما دام الوقت باقيا ، فإن صلى ترك ، وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل ، ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

وقال بعضهم : يقتل لأن هذا حد لله تعالى يقام عليه لا تسقطه التوبة بفعل الصلاة ، وهو بذلك فاسق كالزاني والقاتل لا كافر وهو مذهبنا كما سلف .

[ ص: 532 ] وقال أبو حنيفة والثوري والمزني : لا يقتل بوجه ويخلى بينه وبين الله ، والمعروف من مذهب الكوفيين أن الإمام يعزره حتى يصلي ، وقال أحمد : تارك الصلاة مرتد كافر ، وماله فيء ، ويدفن في مقابر المشركين ، وسواء ترك الصلاة جاحدا لها أو تكاسلا . ووافق الجماعة في سائر الفرائض ، أما إذا تركها لا يكفر ، وقام الإجماع على أن تارك الصلاة يؤمر بفعلها ، والمرتد لا يؤمر بفعل الصلاة ، وإنما يؤمر بالإسلام ثم الصلاة ، واحتجوا بقوله - عليه السلام - :" خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، فمن جاء منهن فلم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " أخرجه مالك في " الموطأ " وأبو داود واللفظ له ، وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، وصححه أبو حاتم وابن حبان ، وقال ابن عبد البر : حديث صحيح ثابت .

فدل الحديث أنه ليس بكافر ؛ لأن الكافر لا يدخل الجنة ، قال ابن أبي زيد : وحجته أيضا إجماع الأمة على الصلاة عليه ووراثته بالإسلام ودفنه مع المسلمين ، وقد أسلفنا عن أحمد أنه لا يورث

[ ص: 533 ] ويدفن في مقابر المشركين ، وحجة الأول قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة الآية [ التوبة : 5 ] ، فأمر بقتلهم إلا أن يتوبوا ، والتوبة هي اعتقاد الإسلام الذي من جملته اعتقاد وجوب الصلاة وسائر العبادات ، ألا ترى قول الصديق : ( والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ) ، فلم ينكر ذلك عليه أحد ولا قالوا : لا تشبه الصلاة الزكاة .

( وفي أفراد مسلم من حديث جابر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ") . وذكره ابن بطال بلفظ :" ما بين الإيمان والكفر ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " ؛ وهذه الزيادة الأخيرة معروفة من حديث بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " أخرجه النسائي والترمذي وقال : حسن صحيح وابن حبان والحاكم ، وقال صحيح الإسناد ولا يعرف له علة ، قال : وله شاهد على شرطهما فذكره عن شقيق ، عن أبي هريرة قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة ، وروى هذا الترمذي عن شقيق ، وحديث عبادة يرد به على أحمد .

[ ص: 534 ] وقد ثبت أن الكافر يدخل النار لا محالة ، فلا يجوز أن يقال فيه مثل هذا ، فعلمنا أنه - عليه السلام - قصد من تركها متكاسلا لا جاحدا ، ولا حجة لأحمد في إباءة إبليس من السجود وصار بذلك كافرا ؛ لأنه عاند الله واستكبر ورد عليه أمره مجاهرا بالمعصية لله ، فهو أشد من الجاحد أو مثله ؛ لأنه جحدها واستيقنتها نفسه .

فرع :

روى ابن القاسم عن مالك : من قال لا أحج فلا يجبر على ذلك ، وليس كمن قال لا أتوضأ ولا أصلي ولا أصوم رمضان ، فإن هذا يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، كقوله : لا أصلي .

والفرق بين الحج وسائر الفرائض أن الحج لا يتعلق وجوبه بوقت معين ، وإنما هو على التراخي والإمهال إلى الاستطاعة ، وذلك موكول إلى دين المسلم وأمانته ، ولو لزم فيه الفور لقيده الله بوقت كما قيد الصلاة والصيام بأوقات .

ومما يدل على أن الحج ليس على الفور ، وغير لازم في الفروض المؤقتة ، ألا ترى أن المصلي لا تلزمه الصلاة عند الزوال ، وهو في سعة عن الفور إلى أن يفيء الفيء ذراعا وإلى أن يدرك ركعة من آخر وقتها ، ولم يكن بتأخيرها عن أول وقتها مضيعا ، كذلك فيما لم يوقت له وقت أولى بالإمهال والتراخي .

فصل :

سلف في الزكاة وجه استرقاق الصديق لورثتهم وسبيهم ، وحكم عمر - رضي الله عنه - برد سبيهم إلى عشائرهم ومذاهب العلماء في ذلك .

[ ص: 535 ] فصل :

( وقوله ) :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " يعني : وأن محمدا رسول الله .

قال الداودي : وكان الصحابة على رأي عمر فتكلم عمر على لسانهم ، ثم تكلموا .

وفيه : دليل أن الجذع من المعز يؤخذ في الزكاة ، وهو قول مالك .

وقال ابن حبيب : لا يؤخذ ، جعله كالأضحية .

ويحتمل أن يريد الصديق به التعليل ، خرج كلامه عليه لا أنها تؤخذ على الحقيقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية