التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6529 6928 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ومالك بن أنس قالا : حدثنا عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون : سام عليك . فقل : عليك " . [ انظر : 6257 - مسلم : 2164 - فتح 12 \ 280 ]


ذكر فيه حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : مر يهودي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : السام عليك . فقال - عليه السلام - :" وعليك " . ثم قال :" أتدرون ماذا قال ؟ قال : السام عليك " . قالوا : يا رسول الله ، ألا نقتله ؟ قال :" لا ، إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " .

ثم ذكر حديث عائشة - رضي الله عنها - وابن عمر بمثله .

[ ص: 537 ] وقد سلف الكلام عليه ( في السلام ) مع الكلام على السام ، والمقصود هنا ما عقد له البخاري الباب وهي مسألة السباب .

وقد اختلف العلماء فيمن سبه ، فروى ابن القاسم عن مالك أن من سبه من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم ، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ، وهو قول الليث وأحمد وإسحاق ، وحكاه ابن المنذر عن الشافعي ، وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ومالك فيمن سبه قالا : هي ردة يستتاب منها ، فإن تاب نكل ، وإن لم يتب قتل .

وقال الكوفيون : من سبه أو عابه فإن كان ذميا عزر ولم يقتل ، وهو قول الثوري ، وقال أبو حنيفة : إن كان مسلما صار مرتدا بذلك ، واحتج الكوفيون بما ذكر البخاري في الباب .

قال الطحاوي : وقول اليهودي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السام عليك ، لو كان مثل هذا الدعاء من مسلم لصار به مرتدا يقتل ، ولم يقتله الشارع بذلك ؛ لأن ما هم عليه من الشرك أعظم من سبه ، وحجة من رأى القتل على الذمي بسبه أنه قد نقض العهد الذي حقن دمه إذ لم يعاهده على سبه ، فلما تعدى عهده إلى حال كفره يقتل إلا أن يسلم ؛ لأن القتل إنما كان وجب عليه من أجل نقضه العهد الذي هو من حقوق الله تعالى ، فإن أسلم ارتفع المعنى الذي من أجله وجب قتله .

[ ص: 538 ] وقال ابن سحنون : وقولهم إن من دينهم سبه يقال لهم : وكذا من دينهم قتلنا وأخذ أموالنا ، فلو قتل واحدا منا قتلناه ؛ لأنا لم نعطهم العهد على ذلك ، فكذا سبه إذا أظهره فإن قيل : فهو إذا أسلم بعد سبه تركتموه ، وإذا أسلم وقد قتل مسلما قتلتموه . قيل : لأن هذا من حقوق العباد لا يزول بإسلامه ، وذلك من حقوق الله تعالى يزول بالتوبة من دينه إلى ديننا .

قلت : الآخر حق آدمي أيضا ، وحجة أخرى : وهو أنه - عليه السلام - قال :" من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله ؟" وقتله محمد بن مسلمة . والسب من أعظم الأذى وكذلك قتل - عليه السلام - ابن خطل يوم الفتح والقينتين كانتا تغنيان بسبه ولم تنفع ابن خطل استعاذته بالكعبة .

وقال محمد بن سحنون : وفرقنا بين من سبه من المسلمين وبين من سبه من الكفار فقتلنا المسلم ولم تقبل توبته ؛ لأنه لم ينتقل من في دينه إلى غيره ، إنما فعل شيئا حده عندنا القتل ولا عفو فيه لأحد ، فكان كالزنديق الذي لا تقبل توبته ؛ لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر ، والكتابي كان على الكفر ، فلما انتقل إلى الإسلام بعد أن سب غفر له ما قد سلف ، كما قال تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] وقياس الكوفيين أن المسلم إذا سبه على المرتد خطأ ؛ لأن المرتد كان مظهرا لدينه فتصح استتابته ، والمسلم لا يجوز له إظهار سبه ، وإنما يكون مستترا به ، فكيف تصح له توبة .

[ ص: 539 ] وفرق في " المعونة " بأن الكافر يعلم منه اعتقاد ذلك ، وإنما يقتل على إظهاره ، والمسلم يعلم منه اعتقاد تعظيمه فسبه إياه دلالة على ردته ، قال : ووجه قوله في الكافر إذا أسلم فإنه يقتل اعتبارا بالمسلم ، ووجه المنع الآية .

وقال ابن القاسم عن مالك : وكذا إن شتم نبيا من الأنبياء أو انتقصه قتل ولم يستتب كما لو شتم نبينا أو انتقصه ، قال تعالى : لا نفرق بين أحد من رسله [ البقرة : 285 ] وكذلك حكم الذمي إذا شتم أحدا منهم يقتل إلا أن يسلم ، وهذا كله قول مالك وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ ، قال أهل هذه المقالة : وإنما ترك الشارع قتل اليهودي القائل : السام عليك كما ترك قتل المنافقين وهو يعلم نفاقهم ، وقيل : إنما دعوا واستووا ، ولو سبوا لقتلوا ، ولا حجة للكوفيين في أحاديث الباب .

وذكر البخاري بعده :

التالي السابق


الخدمات العلمية