التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6530 [ ص: 540 ] 5 – باب:

6929 - حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : حدثني شقيق قال : قال عبد الله : كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . [ انظر : 3477 - مسلم : 1792 - فتح 12 \ 282 ]


حدثنا عمر بن حفص ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ثنا شقيق قال : قال عبد الله - رضي الله عنه - : كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه ، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : ( اللهم ) اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

وابن بطال وابن التين أدخلاه في الباب قبله ، وقالا : حديث ابن مسعود في الذين أدموا نبيهم وضربوه كانوا كفارا ، والأنبياء - عليهم أفضل الصلاة والسلام - شأنهم الصبر على الأذى وكذلك أمروا ، قال تعالى لنبيه : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ الأحقاف : 35 ] فلا حجة للكوفيين فيه .

وذكر القرطبي أنه - عليه السلام - هو الحاكي وهو المحكي عنه وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قصة أحد ، ولم يعين له ذلك الشيء ، فلما وقع له ذلك تعين أنه المعني بذلك .

وقد سلف طرق منه في ذكر بني إسرائيل أخبرنا المسند المعمر أبو المحاسن يوسف الدلاصي ، أنا ابن تامتيت ، أنا ابن الصائغ ، عن

[ ص: 541 ] القاضي عياض قال : لا نعلم خلافا في استباحة ( دم ) من ( سب ) بين علماء الأمصار وسلف الأمة ، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره . وأشار ابن حزم إلى الخلاف في تكفير المستخف به ، والمعروف ما قدمناه . قال ابن سحنون : أجمع العلماء أن شاتمه والمنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله تعالى ، وحكمه عند الأمة القتل ، ومن شك في كفره وعذابه كفر . واحتج إبراهيم بن ( الحسين ) الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبكم .

قلت : قتله له كان على غير هذا ، كما ذكر الواقدي وسيف ( . .) والحاكم . وقال الخطابي : لا أعلم أحدا من السلف اختلف في وجوب قتله إذا كان مسلما .

روى ابن وهب عن مالك : من قال : إن رداءه - ويروى : زره - وسخ ، وأراد به عيبه ، قتل .

وقال بعض علمائنا : أجمع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة ، وأفتى

[ ص: 542 ] القابسي فيمن قال في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمال يتيم أبي طالب بقتله .

وأفتى ابن أبي زيد بقتل رجل سمع قوما يتذاكرون صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية ، فقال لهم : تريدون تعرفون صفة محمد ( هو في ) صفة هذا المار في خلقته ولحيته .

وقال أحمد بن أبي سليمان : من قال : إنه - عليه السلام - كان أسود يقتل .

وقال في رجل قيل له : لا وحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فعل الله برسول الله كذا ( وذكر ) كلاما قبيحا فقيل له : يا عدو الله ما تقول ؟ فقال : أشد من كلامه الأول ثم قال : إنما أردت برسول الله العقرب .

فقال ابن أبي سليمان للذي سأله أتشهد عليه وأنا شريكك ؟ يريد في قتله وثواب ذلك . وقال ابن عتاب : الكتاب والسنة موحيان بأن من قصده بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا فقتله واجب .

قال أبو الفضل وكذلك أقول : حكم من غمصه أو عيره برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر ، وما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه أو أذى من عدو أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه فحكم هذا كله لمن قصد به النقيصة القتل ، والحجة في ذلك قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله [ الأحزاب : 57 ] وقال في قاتل المؤمن مثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل ، قال تعالى : ملعونين [ ص: 543 ] أينما ثقفوا [ الأحزاب : 61 ] وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم : ذلك لهم خزي في الدنيا [ المائدة : 33 ] وقد يقع القتل بمعنى اللعن ، قال تعالى : قتل الخراصون [ الذاريات : 10 ] ، و قاتلهم الله أنى يؤفكون [ المنافقون : 4 ] ، أي : لعنهم الله . وقال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك [ النساء : 65 ] وقال تعالى : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] إلى قوله : أن تحبط أعمالكم [ الحجرات : 2 ] ولا يحبط العمل إلا الكفر والكافر يقتل .

وقال تعالى : وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله [ المجادلة : 8 ] ثم قال : حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير [ المجادلة : 8 ] وقال : الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن [ التوبة : 61 ] ثم قال : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [ التوبة : 61 ] وقال : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [ التوبة : 65 ] إلى قوله : قد كفرتم بعد إيمانكم [ التوبة : 66 ] قال أهل التفسير : كفرتم بقولكم في رسول الله .

وأما الآثار فذكر الدارقطني من حديث عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة ، وقد خرجه ابن حبان وغيره : ثنا عبد الله بن موسى بن جعفر ، عن علي بن موسى ، عن أبيه عن جده ، عن محمد بن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه أن رسول الله قال :" من سب نبيا فاقتلوه ، ومن سب أصحابي فاضربوه " . وأخرجه الطبراني في " أصغر معاجمه " بلفظ " من سب الأنبياء [ قتل ] ومن سب أصحابي جلد " وفيه عبيد الله العمري

[ ص: 544 ] ضعفه النسائي جدا ، وقال : كذاب ، وفي الصحيح :" من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله ؟" كما سلف ، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة بخلاف غيره من المشركين وعلل بالأذى ، فدل أن قتله إياه كان لغير الإشراك بل الأذى ، وكذلك قتل أبي رافع . قال البراء كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعين عليه . وفي حديث آخر أن رجلا كان يسبه فقال :" من يكفيني عدوي ؟" فقال خالد : أنا فبعثه إليه فقتله .

قال ابن حزم : وهو حديث صحيح مسند رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بلقين ، قال ابن المديني : وهو اسمه ، وبه يعرف .

وذكر عبد الرزاق أنه - عليه السلام - سبه رجل فقال :" من يكفيني عدوي ؟" فقال الزبير : أنا ، فقتله . وفي " صحيح مسلم " أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لعلي :" اذهب فاضرب عنقه " ، فوجده مجبوبا .

وفيه بيان واضح كما قال ابن حزم : أن من آذاه وجب قتله .

وروى البزار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عقبة بن أبي معيط نادى يا معاشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا ؟ فقال له - عليه السلام -" بكفرك وافترائك على رسول الله " .

وروى أن امرأة كانت تسبه فقال :" من يكفيني عدوتي ؟" فخرج إليها خالد فقتلها .

[ ص: 545 ] وروي أن رجلا كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث عليا والزبير إليه ليقتلاه ، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا فقتلته فلم يشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر أن امرأة هناك في الردة غنت بسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقطع يدها ونزع ثنيتها ، فبلغ ذلك أبا بكر فقال له : لولا فعلت هذا لأمرتك بقتلها ؛ لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هجت امرأة من خطمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " من لي بها ؟" فقال رجل من قومها : أنا يا رسول الله فنهض فقتلها وأخبره ، فقال :" لا ينتطح فيها عنزان " . وعن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيزجرها فلا ( تنزجر ) فلما كانت ذات ليلة فقتلها وأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأهدر دمها ، أخرجه أبو داود والنسائي .

وفي حديث أبي برزة الأسلمي : كنت يوما جالسا عند أبي بكر فغضب على رجل من المسلمين ، وحكى القاضي إسماعيل وغيره من الأئمة في هذا الحديث أنه سب أبا بكر ، ورواه النسائي وأبو داود من حديث يزيد بن رافع ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبي برزة : أتيت أبا بكر - رضي الله عنه - وقد أغلظ لرجل فرده عليه قال : فقلت يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه فقال : اجلس فليس ذاك إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولابن حزم : فقال أبو بكر :

[ ص: 546 ] ليس هذا إلا لمن شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخرجه الحاكم في " مستدركه " أيضا ، قال القاضي أبو بكر محمد بن نصر : ولم يخالف عليه أحد ، واستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أغضبه أو آذاه أو سبه ، ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة وقد استشاره في قتل رجل سب عمر ، فكتب إليه عمر أنه لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحدا من الناس إلا رجلا سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن سبه فقد حل دمه ، زاد ابن حزم : والذي نفسي بيده لو قتلته لأقتلنك به ، ولو قطعته لقطعتك به ، ولو جلدته أقدته منك ، وإذا جاءك كتابي فسبه كالذي سبني واعف عنه .

وقال مالك : من شتم الأنبياء قتل . فإن قلت : لما لم يقتل اليهودي الذي قال له : السام عليك ، وهذا دعاء عليه ، قلت : سلف الجواب عنه من كلام الطحاوي .

وقال عياض : قيل له هذا كان أول الإسلام ، والشارع كان في أوله يتألف على الإسلام الناس ، ويميل قلوبهم إليه ، ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم ويدارئهم ، ويقول ( لأصحابه :" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " ويقول ) :" يسروا ولا تعسروا " .

[ ص: 547 ] فلما استقر الإسلام وأظهره الله على الدين كله قتل من قدر عليه ، حتى ألقوا بأيديهم ولقوه مسلمين وبواطن المنافقين مستترة وحكمه على الظاهر ، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل ( منهم ) خفية أو مع أمثاله وينكرونها ويحلفون عليها حتى فاء كثير منهم باطنا . وذكر ابن حزم أن قول القائل : فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى ، كان في خيبر وهو كان قبل أن يأمر الله تعالى نبيه بقتل المرتدين ، وكذا حديث النبي الذي أدماه قومه .

وقوله :" لا يعلمون " يعني : بنبوته ، وقال بعض أئمتنا : ولعله لم يثبت عنده - عليه السلام - من أقوالهم ما رفع إليه ، وإنما نقله الواحد من لم يصل ( رتبة ) الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة ، والدماء لا تستباح إلا بعدلين ، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في ( السام ) وإنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه ، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة - رضي الله عنها - ، ولو كان صرح بذلك لم تنفرد بعلمه ، ولهذا نبه الشارع على فعلهم وقلة صدقهم في سلامهم وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ، أو لعله رأى أنه ليس بصريح سب

[ ص: 548 ] ولا دعاء إلا بما لا بد له منه من الموت الذي لا بد من لحاقه لجميع البشر ، وقيل : بل المراد : يسأمون دينكم ، والسأم والسآمة : الملال ، وهذا دعاء على سآمة الدين ليس بصريح سب كما ترجمه البخاري .

وقال بعض علمائنا : ليس هذا بتعريض بالسب إنما هو تعريض بالأذى ، وقد تقدم أن الإيذاء والسب في حقه - عليه السلام - سواء .

قال أبو محمد بن نصر : ولم يذكر في هذا الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب ، ولا يترك موجب الأدلة للأمر المحتمل ، والأولى من ذلك كله والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف لعلهم يؤمنون ، ولذلك ترجم البخاري بعد هذا على حديث القسمة المتقدم في الغزوات باب ؛ من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه . فإن قلت : قد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - : ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء يؤتى إليه قط إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله .

فاعلم أن هذا لا يقتضي أنه لا ينتقم ممن سبه أو آذاه أو كذبه ، فإن هذه من حرمات الله التي انتقم لها ، وإنما يكون ما لا ينتقم له منه فيما لا يتعلق بسوء أدب مما لم يقصد فاعله أذاه ، لكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء والجهل أو جبل عليه البشر من الغفلة كجبذ الأعرابي ، وكرفع صوت الآخر عنده ، وكما كان من تظاهر زوجيه عليه ، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه ، أو يكون هذا مما آذاه به كافر ، رجا بعد ذلك إسلامه ، كعفوه عن اليهودي الذي سحره - قلت :

[ ص: 549 ] لكنه لم يسلم - وعن الأعرابي الذي أراد قتله ، وعن اليهودية التي سمته .

وذكر ابن حزم : أن اليهودية واليهودي والسحر كان يتعين قبل نزول سورة براءة ، فهو منسوخ ولا يحل العمل بمنسوخ البتة .

قال عياض : وأما من قال شيئا من ذلك غير قاصد السب والإيذاء ولا معتقده ، ولكنه تكلم بذلك جهلا أو لضجر أو سكر اضطره إليه أو قلة ضبط لسانه وعجرفة وتهور في كلامه ، فحكمه حكم الوجه الأول القتل دون تلعثم إذ لا يعذر أحد في الكفر لجهالة ولا لشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، قال محمد بن سحنون : المأسور يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيدي العدو يقتل إلا أنه يعلم تبصره أو إكراهه ، وعن ابن أبي زيد : لا يعذر بدعوى زلل اللسان في مثل هذا .

وأفتى القابسي فيمن شتم الشارع في سكره بأنه يقتل ؛ لأنه يظن به أن يعتقد هذا ويفعله في صحوه ، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف والقتل وسائر الحدود ؛ لأنه أدخله على نفسه ؛ لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر منه ، فهو كالعامد لما يكون بسببه ، ولهذا ألزمناه الطلاق والعتاق والقصاص والحدود .

وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه رجل فقيل له : صل على محمد النبي ، فقال : لا صلى الله على من صلى عليه ، فقيل لسحنون : هو كمن

[ ص: 550 ] شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه ، قال : لا ، إذا كان على وصف من الغضب ؛ لأنه لم يكن مضمرا الشتم .

وقال= أصبغ وأبو إسحاق البرقي : لا يقتل ؛ لأنه إنما شتم الناس ، وهذا نحو قول سحنون ؛ لأنه لم يعذره بالغضب في شتمه - عليه السلام - ، ولكنه لما احتمل الكلام عنده ولم يكن معه قرينة تدل على ( شتمه الشارع ولا الملائكة ولا ثم مقدمة يحمل عليها كلامه ، بل القرينة تدل على ) أن مراده الناس غير هؤلاء ، وذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل . وعبارة ابن حزم : أصحابنا توقفوا في كفر من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين .

وقالت طائفة : إنه ليس كفرا ، روينا عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : لا أوتى برجل قذف داود بالزنا إلا جلدته حدين .

فصل :

ومن سب أحدا من الصحابة جلد ، وإن سب عائشة - رضي الله عنها - قتل ، كما ذكره في " الزاهي " عن مالك قال : لقوله تعالى : يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا [ النور : 17 ] فمن عاد لمثله كفر ، ومن كفر قتل ، ( قال ) : وفي سب أمهات المؤمنين غير عائشة قولان : أحدهما : يقتل ؛ لأنه سب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبه الحليلة . والثاني : أنها كالصحابي يحد

[ ص: 551 ] حد المفتري . قال : ومن قال لواحد منهم هو ابن زانية وأمه مسلمة حد عند بعض أصحابنا حدين ، حدا له بسبه أمه ، وحدا لها لإيمانها .

وقيل : من سب عائشة - رضي الله عنها - بما في القرآن براءتها منه فهو كفر ، وإن سبها بخلافه فلا .

فصل :

وقوله - عليه السلام - لعائشة - رضي الله عنها - :" إن الله رفيق يحب الرفق " قال الشيخ أبو الحسن بن القابسي : لم يقع في كل حديث ، ويجب إثبات هذا الاسم لهذا الحديث لصحته ؛ إذ الأسماء لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة والإجماع .

واختلف الأصوليون هل تدخل الأسماء قياسا مثل سيد وعارف ؟

فصل :

رده - عليه السلام - على اليهود :" وعليكم " رواه أنس - رضي الله عنه - بالواو ورواية عائشة :" بل عليكم " ، وفي رواية ابن عمر :" عليك " ، وفي لفظ :" عليكم " بغير واو .

وقال ابن أبي حبيب : لم يقل وعليك ؛ لأنه إذا قلتها حققت على نفسك ما قال ، ثم أشركته معك فيه ، ولكن عليك كأنه رد عليه .

والقاضي أبو محمد يقول : الراد : وعليكم بالواو .

وقال الشيخ أبو محمد في " رسالته " : ومن قال عليك السلام بكسر السين : وهي الحجارة فقد قيل ذلك .

وذكر عن ابن طاوس : يرد عليهم : علاك السام ، أي : ارتفع عليك ، والسام : الموت .

[ ص: 552 ] واختلف هل يرد عليهم السلام ؟ فأباه أكثر العلماء وسمح فيه بعضهم .

واختلف هل يبدءون ؟ فمنعه الأكثر وأجازه بعضهم إذا كنت مفتقرا إليه لحاجة ، وقد سلف كل ذلك في موضعه واضحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية