التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6540 6939 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن فلان قال : تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية ، فقال أبو عبد الرحمن لحبان : لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء - يعني : عليا - قال : ما هو لا أبا لك ؟ قال شيء سمعته يقوله . قال : ما هو ؟ قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزبير وأبا مرثد - وكلنا فارس - قال :" انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج - قال أبو سلمة : هكذا قال أبو عوانة : حاج - فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين ، فأتوني بها " . فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسير على بعير لها ، وكان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقلنا : أين الكتاب الذي معك ؟ قالت : ما معي كتاب . فأنخنا بها بعيرها ، فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا ، فقال صاحبي : ما نرى معها كتابا . قال : فقلت : لقد علمنا ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم حلف علي : والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك . فأهوت إلى حجزتها - وهي محتجزة بكساء - فأخرجت الصحيفة ، فأتوا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، دعني فأضرب عنقه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" يا حاطب ما حملك على ما صنعت ؟" . قال : يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ، ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي ، وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله . قال :" صدق ، لا تقولوا له إلا خيرا " . قال فعاد عمر فقال : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، دعني فلأضرب عنقه . قال :" أوليس من أهل بدر ؟ وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال : اعملوا ما

[ ص: 582 ] شئتم فقد أوجبت لكم الجنة " . فاغرورقت عيناه فقال : الله ورسوله أعلم .
[ انظر : 3007 - مسلم : 2494 - فتح 12 304 ] .


وقال الليث : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عروة بن الزبير ، أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري أخبراه ، أنهما سمعا عمر - رضي الله عنه - يقول : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث بطوله أسنده في فضائل القرآن ، فقال : ثنا سعيد بن عفير ، ثنا الليث ، فذكره ، وأخرجه في الإشخاص مختصرا من حديث مالك عن ابن شهاب ، به .

ومعنى ( لببته ) يراد به : جررته ، يقال : لببت الرجل ولببته : إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته ، وأخذت بلبب فلان : إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه نحره ، وفي آخر الحديث :" إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه " .

ثم ساق حديث علقمة ، عن عبد الله - رضي الله عنه - : لما نزلت هذه الآية : ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ الأنعام : 82 ] .

إلى آخره ، سلف قريبا ، وفي التفسير أيضا ، وشيخ البخاري فيه - في أحد طرقيه - يحيى بن موسى وهو أبو زكريا يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم الحداني البلخي الكوفي ، يقال له : يحيى بن موسى خت ، وقيل : خت لقب موسى السختياني ، مات سنة أربعين ، وقيل : سنة ست وأربعين ومائتين ، وهو من أفراد البخاري .

[ ص: 583 ] وحديث عتبان بن مالك ، وسلف في الصلاة .

وحديث حصين عن فلان قال : تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية - أي : بكسر الحاء المهملة ثم باء موحدة - ثم ساق حديث روضة خاخ أو حاج السالف في المغازي ، وفيه : فاغرورقت عيناه . أي : غرقتا بالدموع ، وهو افعوعلت من الغرق .

وقوله : ( عن فلان ) قال الجياني : هو سعد بن عبيدة السلمي ، وهو ختن أبي عبد الرحمن السلمي ، يكنى أبا حمزة ، كذا سمي بغير موضع من البخاري من حديث علي ، ولا خلاف بين العلماء أن كل متأول معذور بتأويله غير مأثوم ( فيه ) إذا كان تأويله ذلك سائغا في لسان العرب ، أو كان له وجه في العلم ، ألا ترى أنه - عليه السلام - لم يعنف عمر في تلبيبه لهشام وعذره في ذلك ؛ لصحة مراد عمر واجتهاده ، وفيه ما كان عليه عمر - رضي الله عنه - من الشدة في دين الله ، وكان هشام أيضا قريبا من ذلك ، كان عمر بعد ذلك إذا كره أمرا ( يقول ) : هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم . وكذا حديث ابن مسعود ، فإنه - عليه السلام - عذر أصحابه في تأويلهم الظلم في الآية بغير الشرك لجوازه في التأويل ، وكذا حديثابن الدخشن فإنهم ( اشتدوا ) على نفاقه بصحبته للمنافقين ونصيحته لهم ، فبين لهم الشارع صدقه ولم يعنفهم في تأويلهم . وكذا في حديث حاطب : عذره الشارع في تأويله وشهد بصدقه ، وقد سلف كثير من معاني هذا الحديث في الجهاد في باب : الجاسوس .

[ ص: 584 ] وقول أبي عبد الرحمن : لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء . يعني : عليا - رضي الله عنه - فإنه أراد قوله - عليه السلام - لأهل بدر :" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فكأنه أنس بهذا القول فاجترأ بذلك على الدماء ، ولا يجوز أن يظن بعلي - رضي الله عنه - ذلك دون الاعتماد على تأويل صحيح واجتهاد راجح ، وإن كان قوله - عليه السلام - :" لعل الله اطلع على أهل بدر " دليل ليس بحتم ، ولكنه على أغلب الأحوال ، وينبغي أن يحسن بالله الظن في أهل بدر وغيرهم من أهل الطاعات .

وقد اعترض بعض أهل البدع بهذا الحديث على قصة مسطح - رضي الله عنه - حين جلد في قذف عائشة ، وكان بدريا وقالوا : كان ينبغي أن لا يحد لحاطب ، والجواب أن المراد : غفر لهم عقاب الآخرة دون الدنيا ، وقد قام الإجماع على أن كل من ركب من أهل بدر ( ذنبا ) بينه وبين الله فيه حد ، أو بينه وبين الخلق من القذف أو الجراح أو القتل فإن عليه فيه الحد والقصاص ، وليس يدل عقوبة المعاصي في الدنيا وإقامة الحدود عليه على أنه معاقب في الآخرة ؛ لقوله - عليه السلام - في ماعز والعامدية : لقد تابا توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم لأن موضع الحدود أنها للردع والزجر وحقن الدماء وحفظ الحرمة وصيانة الأموال ، وليس في عقاب النار شيء من ذلك ، ولو أسقط الله عقاب

[ ص: 585 ] الدارين لكان جائزا ، فغفر لحاطب هفوته في الدنيا إذ رأى ذلك مصلحة لما غفر له عقاب الآخرة ، وقد يجعل الله لنبيه إسقاط بعض الحدود إذا رأى مصلحة .

وذكر الطبري أن في قوله :" اعملوا ما شئتم " فيه : دلالة بينة على خطأ ما قالته الخوارج والمعتزلة ؛ لأنه لا يجوز في العدل والحكمة الصفح لأهل الكبائر من المسلمين عن كبائرهم ؛ لأنه لم يكن مستنكرا عند الشارع في عدل الله أن يصفح عن بعض من سبقت له من الطاعة سابقة ، وسلفت له من الأعمال الصالحة سالفة عن جميع أعماله السيئة التي تحدث منه بعدها صغائر وكبائر فيتفضل بالعفو عنها إكراما له لما كان سلف منه قبل ذلك من الطاعة .

فصل :

( خاخ ) : موضع قريب من مكة ، وقد سلف الخلف فيه .

وقوله : ( أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء ) يعني : ضربت بيدها إلى معقد بطاقها من جسدها وهو موضع حجزة السراويل من الرجل ، وتقدم ما فيه من الغريب في الجهاد .

فصل :

وأما قوله - عليه السلام - في قصة مالك بن الدخشن :" ألا تقولوه ( أليس ) يقول : لا إله إلا الله " كذا في الأصول ، وأورده ابن بطال كذلك ، ثم قال : هكذا جاءت ، والصواب :" ألا تقولونه " بإثبات النون ، والمعنى : ألا تظنونه يقول ذلك ، وقد جاء القول بمعنى الظن كثيرا في اللغة

[ ص: 586 ] بشرط كونه في المخاطب ، وكونه مستقبلا ، أنشد سيبويه لعمر بن أبي ربيعة المخزومي :

أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول الدار تجمعنا

يعني : فمتى تظن الدار تجمعنا ، ويحتمل أن يكون قوله :" ألا تقولوه " خطابا للواحد وللجماعة فلا يجوز حذف النون إذ لا موجب لحذفها ، فإن كان خطابا للواحد وهو أظهر في سياق الحديث ، فهو على لغة من يشبع الضمة كما قال الشاعر :


من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور



وإنما أراد : فأنظر ، فأشبع ضمة الظاء فحدثت عنها واو .

فصل :

وقوله في حديث عمر : ( فكدت أساوره ) تقول العرب : ساورته من قولهم : سار الرجل يسور سورا : إذا ارتفع . ذكره ابن الأنباري ، عن ثعلب ، وقد تكون أساوره من البطش ؛ لأن السورة : البطش عن صاحب " العين " ، هذا ما في كتاب ابن بطال ، وفي كتاب ابن التين : أساوره أي : أواثبه ، يقال : إن لغضبه سورة وهو سوار أي : وثاب معربد ، وكذلك سار إليه : وثب ، ثم ذكر بيتا للأخطل في ذكره ، ثم ذكر ما ذكره ابن بطال فقال : وقيل : هو من قول العرب : سار يسور إذا ارتفع ذكره .

[ ص: 587 ] وقال الداودي : أي أهجم عليه ، واشتقاقه من التسور من أعلى الحائط ولا ينتظر أن يصل إلى الباب .

فصل :

وقوله : ( كذبت ) أي : في ظن عمر ، قيل : الخلاف الذي وقع بين عمر وهشام غير معلوم ، وقد أسلفنا معنى :" أنزل القرآن على سبعة أحرف " وما فيه من الخلاف ، منها : أنها لغات ، يعني : أن بعض الحروف أنزلت على ذلك ، ليس أن كل حرف أنزل على سبع لغات ، ولا أن حرفا منها أنزل على سبع لغات ، إنما يأتي في الحرف لغتان أو ثلاث ، وفيه نظر ؛ إذ لو كان كذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض ؛ لأنه من كانت لغته شيئا فدخل عليها لم ينكر عليه ، وفي فعل عمر - رضي الله عنه - في هذا الخبر رد على القائل : إنها سبع لغات ؛ لأن عمر قرشي عدوي ، وهشام قرشي أسدي ، ومحال أن ينكر عمر عليه لغته .

آخر كتاب المرتدين ولله الحمد

التالي السابق


الخدمات العلمية