التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6550 6950 - حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هاجر إبراهيم بسارة ، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك -أو جبار من الجبابرة - فأرسل إليه أن أرسل إلي بها . فأرسل بها ، فقام إليها ، فقامت توضأ وتصلي فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله " . [انظر : 2217 - مسلم : 2371 - فتح: 12 \ 321 ]


وقال الليث : حدثني نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته ، أن عبدا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى افتضها ، فجلده عمر الحد ونفاه ، ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها . قال الزهري في الأمة البكر يفترعها الحر : يقيم ذلك الحكم من الأمة العذراء بقدر قيمتها ، ويجلد ، وليس في الأمة الثيب في قضاء الأئمة غرم ، ولكن عليه الحد .

ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة سارة مع الجبار وقد سلف .

[ ص: 42 ] (الشرح ) :

أما أثر عمر فأخرجه ابن أبي شيبة ، عن حفص ، عن عبد الله ، عن ابن عمر : أن عمر أتي بإماء من إماء الإمارة استكرههن غلمان من غلمان الإمارة ، فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء ، قال : وحدثنا ابن نمير ، عن عبد الله ، عن نافع أن رجلا أصاب أهل بيت فاستكره منهم امرأة فرفع ذلك إلى أبي بكر فضربه ونفاه ولم يضرب المرأة .

قال : وحدثنا معمر بن سليمان الرقي ، عن حجاج ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه قال : استكرهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ عنها الحد .

وأما أثر الزهري حيث فرق بين البكر والثيب ، فهو قول مالك كما نقله عنه المهلب .

وقد اختلف قول مالك في وطء الأمة الثيب في الإكراه ، فقال في "المدونة" : إنه لا شيء عليه في وطئها غير الحد .

وروى أشهب وابن نافع عنه في (الجارية ) الزائغة تتعلق برجل تدعي أنه اغتصبها نفسها أتصدق عليه بما بلغت من فضيحة نفسها بغير يمين عليها ؟ قال : ما سمعت أن عليها في ذلك يمينا وتصدق عليه ، ويكون عليه غرم ما نقصها الواطئ ، وهذه خلاف رواية ابن القاسم .

[ ص: 43 ] فصل :

وأما حديث إبراهيم وسارة فإنما شابه الترجمة من وجه خلو الكافر بسارة ؛ وإن كان لم يصل إلى شيء منها ، ولما لم يكن عليها ملامة في الخلوة ، فكذلك لا يكون على المستكرهة ملامة ولا قيما هو في الخلوة . و (الحكم ) هنا هو الحاكم بين الاثنين القاضي بما يوجب الافتراع .

فصل :

قوله تعالى : فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم [النور : 33 ] هو متعلق بقوله : وأنكحوا الأيامى منكم إلى إن أردن تحصنا [النور : 32 - 33 ] والغرض هنا : أجرهن بما كسبن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم [النور : 33 ] يعني : الفتيات المكرهات .

وقال مجاهد : فإن الله للمكرهات بعد إكراههن غفور رحيم . وبهذا المعنى حكم عمر في الوليدة التي استكرهها العبد فلم يحدها . والعلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكرهة ، واختلفوا في وجوب الصداق لها ، فقال عطاء والزهري : نعم ، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

وقال الشعبي : إذا أقيم الحد (عليها ) فلا صداق ، وهو قول الكوفيين .

[ ص: 44 ] فصل :

واختلف العلماء فيمن أكره من الرجال على الزنا ، فقال مالك : عليه الحد ؛ لأنه لم ينتشر إلا بلذة ، وهو قول أبي ثور .

قال مالك : وسواء أكرهه سلطان أو غيره .

وقال أبو حنيفة : إن أكرهه غير سلطان حد وإن أكرهه سلطان فالقياس أن يحد ، ولكني أستحسن ألا يحد .

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي : لا يحد في الوجهين جميعا . ولم يراعوا الانتشار ، واحتج أصحاب مالك في وجوب الحد فقالوا : الانتشار ينافي الخوف ، ألا ترى أن ذلك لا يحصل إلا بوجود الشهوة والطمأنينة وسكون النفس ؛ لأن من قدم ليضرب عنقه لا يحصل منه ذلك ، بل ربما ذهب حسه وذهب عقله . واحتج من لم يوجبه بأنه إذا علم أنه يتخلص من القتل بذلك جاز أن ينتشر وإن كان مكرها .

وقالوا لأصحاب مالك : هذا يلزمكم في طلاق المكره وأنتم لا توقعونه ، وفيما أكره على الفطر فأجابوا بأن طلاقه لا علامة لنا في اختياره ، والإكراه ظاهر والمكره على الفطر عليه القضاء ، وليس كالمتعمد إذ لا أمارة تدل على اختيار الفطر ، والصورة واحدة .

فائدة تتعلق بقصة سارة :

روي أن الله تعالى كشف لإبراهيم حتى كأنه ينظر إلى سارة مع الملك لتطمئن بذلك نفسه .

[ ص: 45 ] أخرى : قوله : (" فغط حتى ركض برجله " ) هو بالغين المعجمة ، أي : ضيق عليه .

وقال الداودي : معناه : خنق حتى نخر ، ورويناه هنا بالمهملة ، ويحتمل أن يكون من العطعطة ، وهي حكاية صوت .

قال الشيباني : المعطوط : المقلوب ، ذكره الجوهري في باب العين المهملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية