التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6558 6959 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس أنه قال استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه ، توفيت قبل أن تقضيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقضه عنها " . [مسلم : 1638 ]

وقال بعض الناس : إذا بلغت الإبل عشرين ، ففيها أربع شياه ، فإن وهبها قبل الحول أو باعها ، فرارا واحتيالا لإسقاط الزكاة ، فلا شيء عليه ، وكذلك إن أتلفها فمات فلا شيء في ماله . [انظر : 2761 - فتح: 12 \ 330 ]


ثم ساقه من حديث أنس - رضي الله عنه - وقد سلف في الزكاة .

ثم ساق حديث طلحة بن عبيد الله إلى قوله : "أفلح إن صدق" وقد سلف . وقال بعض الناس : في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال فيها ، فرارا من الزكاة فلا شيء عليه .

ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : " يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع . . " الحديث . وقال بعض الناس في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة فباعها بإبل مثلها ، أو بغنم ، أو ببقر ، أو بدراهم ؛ فرارا من الصدقة بيوم احتيالا : فلا شيء عليه ، وهو يقول : إن زكى إبله قبل الحول بيوم أو (شبهه ) أجزأ عنه .

ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : استفتى سعد بن عبادة الأنصاري - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقضه عنها " . وقال بعض الناس : إذا بلغت [ ص: 63 ] الإبل عشرين ففيها أربع شياه فإن وهبها قبل الحول أو باعها ؛ فرارا أو احتيالا لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه ، وكذلك إذا أتلفها فماتت ، فلا شيء عليه في ماله .

الشرح :

حاصل ما حكاه البخاري عن أبي حنيفة -وهو المراد ببعض الناس - ثلاثة أقوال في الفرار من الزكاة ، وذلك أن أبا حنيفة قال : إن نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم ، لم تضره النية ؛ لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ، ولا يتوجه إليه معنى قوله - عليه السلام - : "خشية الصدقة" إلا حينئذ .

وقد قام الإجماع على جواز التصرف في حلول الحول بالبيع والهبة والذبح ، إذا لم ينو الفرار من الزكاة ، وقام الإجماع أيضا على أنه إذا حال الحول ، وأطل الساعي أنه لا يحل التحيل للنقصان في أن يفرق بين مجتمع أو يجمع بين متفرق . وقال مالك : إذا فرق من ماله شيئا ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه ، لزمته الزكاة حين الحول آخذا بقوله : "خشية الصدقة " .

وقصد البخاري في الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه ؛ لأنه - عليه السلام - لما منع من الجمع والتفريق خشية الصدقة فهم منه هذا المعنى ، وفهم من قوله : "أفلح إن صدق" أنه من رام أن ينقص شيئا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم له بذلك عذر عند الله .

[ ص: 64 ] [فما ] أجاز الفقهاء من تصرف صاحب المال قرب حلول الحول فلم يريدوا به الفرار من الزكاة ، ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط والله حسيبه وهو كمن فر من صيام رمضان بسفر ؛ رغبة عن الفرض فالوعيد [إليه ] متوجه ، ألا ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة في حديث أبي هريرة في الباب وغيره من الأحاديث السالفة في الزكاة ، فهذا يدل أن الفرار منها لا يحل ، وهو مطالب بذلك في الآخرة ، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في النذر حجة أيضا في ذلك ؛ لأنه إذا أمره بقضاء النذر عن أمه حين فاتها القضاء ، دل ذلك على أن الفرائض المهروب عنها أوكد من النذر .

وأما إذا بيعت الغنم بغنم ، فإن مالكا وأكثر العلماء يقولون : إن الثانية على حول الأولى ؛ لأن الجنس واحد والنصاب واحد والمأخوذ واحد . قال الشافعي في أحد قوليه : يستأنف بالثانية حولا وليس بشيء .

وأما إن باع غنما ببقر أو بإبل ، فأكثر العلماء على الاستئناف بما يأخذ حولا ؛ لأنه باع دنانير بدراهم ؛ لأن النصاب في الإبل والبقر مخالف للغنم وكذلك المأخوذ .

[ ص: 65 ] وقال في كتاب ابن سحنون فيمن باع غنما يستأنف في الثانية جزما ، وفي "كتاب محمد " : من باع غنما بإبل أو بقر ، فإنهما على حول الأولى نصابا ، وإن كانت دونه استأنف جزما ، وقال ابن سلمة : يبني على حول الأولى أقل من نصاب . ومن الناس من يقول : إذا ملك الماشية ستة أشهر ثم باعها بدراهم (زكى الدراهم ) لتمام ستة أشهر من يوم باعها . هذا قول أحمد وأهل الظاهر .

وما ألزمه من التناقض في قوله : بإجازة تقديم الزكاة قبل الحول بسنة فليس بمتناقض ؛ لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام الحول ، ويجعل من قدمها كمن قدم دينا مؤجلا قبل أن يجب عليه ، وإن تم الحول وليس بيده نصاب من تلك الماشية (رجع ) على الإمام ، يؤديها إليه من الصدقة كما أدى الشارع الجمل الرباعي الخيار إلى من هذه حاله .

ومذهبنا : أن الحيلة في الفرار من الزكاة مكروهة كراهية تنزيه . وأما الغزالي فقال في "بسيطه " : إنها تحريم . واختلف المالكية متى يحمل من جمع أو فرق على التهمة ، فقال ابن القاسم : إذا فعلا ذلك قبل الحول بشهرين أو أقل فهم خلطاء .

[ ص: 66 ] وقال ابن حبيب : أدنى ذلك الشهر وما قاربه لا يجوز لهما فيه فرقة ولا اجتماع . وقال محمد : إن اجتمعا أو افترقا قبل الشهر فجائز ما لم يضرب حدا . وقال القاضي عبد الوهاب : إذا لم يقصد الفرار زكاها الساعي على ما وجدها عليه ، ويقبل قول ربها إلا أن تظهر أمارة تقوي التهمة .

تنبيه : وقع في ابن التين أن البخاري إنما أتى بقوله : مانع الزكاة ؛ ليدل أن الفرار من الزكاة لا يحل ، فهو مطالب بذلك في الآخرة ، وهذا لم يرو في البخاري فاعلمه .

فرع : باع غنما بعين بعد أن زكى الغنم ، ففي "المدونة" يزكي ثمنها من يوم زكاة الغنم ، وقال محمد بن عبد الحكم : يستأنف بالغنم حولا . قال ابن سلمة : يزكي الغنم على حول العين بالعين من جنسه أو من غير جنسه .

[ ص: 67 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية