التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6566 [ ص: 77 ] 10 - باب

6967 - حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن هشام ، عن عروة ، عن زينب ابنة أم سلمة ، عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار" [انظر : 2458 - مسلم : 1713 - فتح: 12 \ 339 ]


ساق فيه حديث زينب ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي . . " ، الحديث .

احتج البخاري في هذا الباب على أبي حنيفة ، ورد قوله أن الجارية للغاصب إذا وجدها ربها . واعتل أبو حنيفة بأنه إذا أخذ قيمتها من الغاصب فلا حق له فيها ؛ لأنه لا يجمع الشيء وبدله في شيء واحد أبدا ، والصحيح ما ذهب إليه البخاري ، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور أن صاحبها مخير بين أن يرد القيمة ويأخذها ، وبين أن يمسك القيمة ويتركها ، وهذا إذا أخفاها ، وزعم أنها ماتت ، دون مالك ، فقال : إن وجدها ربها عند مشتريها من الغاصب لم تتغير فهو مخير بين أخذها أو قيمتها يوم الغصب أو الثمن الذي باعها (به ) الغاصب ، وإن وجدها عند الغاصب لم تتغير ، وهي أحسن مما كانت يوم غصبها ، ولم يكن جحدها الغاصب ، ولا حكم عليه بقيمتها فليس له إلا أخذها ولا يأخذ قيمتها . هذا قوله في "المدونة" وهو مشهور [ ص: 78 ] مذهبه ، وذكر في "الزاهي" عن بعض أصحاب مالك أنه ليس له أن يجيز بيع الغاصب -وهذا مثل مذهب الشافعي - وإن وجدها عند مشتريها وكانت من الوخش ولم تتغير لم يكن له إلا أخذها ، وإن كانت رائعة فأطلق الجواز في "المدونة" كما سلف .

وقال مطرف وابن الماجشون : هو مخير بين أخذها أو قيمتها إذا غاب عليها الغاصب ، والحجة لمن خالف أبا حنيفة بيان الشارع : أنه " لا يحل مال مسلم إلا عن طيب نفس منه " ، وأن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله ، لقوله - عليه السلام - : " فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " .

وقال أبو حنيفة : إن القيمة ثمن . ليس كذلك ؛ لأن القيمة إنما وجبت ؛ لأن الجارية متلفة لا يقدر عليها ، فلما ظهرت وجب له أخذها ؛ لأن أخذ القيمة ليس ببيع يبيع بائعه به ، وإنما أخذها ؛ لهلاكها ، فلما زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل الذي كان عليه وهو تسليم الجارية إلى صاحبها .

وقد فرق أهل العلم بين القيمة والثمن ، فجعلوا القيمة في الشيء المستهلك وفي البيع الفاسد ، وجعلوا الثمن في الشيء القائم ، والفرق بين البيع الفاسد والغصب أن البائع قد رضي بأخذ الثمن عوضا عن [ ص: 79 ] سلعته ، وأذن للمشتري في التصرف فيها ، وإنما جهل السنة في البيع ، فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت ، والغاصب غصب ما لم يأذن له فيه ربه ، وما له فيه رغبة ، فلا يحل تملكه للغاصب بوجه من الوجوه إلا أن يرضى المغصوب منه بأخذ قيمته .

وقد ناقض أبو حنيفة في هذه المسألة فقال : إن كان الغاصب حين ادعى رب الجارية قيمتها كذا وكذا جحد ما قال ، وقال : قيمتها كذا وكذا وحلف عليه ، ثم قدر على الجارية كان ربها بالخيار إن شاء سلمها بالقيمة وإن شاء أخذها ورد القيمة ؛ لأنه لم (يقف ) بالقيمة التي ادعاها ربها ، وهذا ترك منه لقوله : ولو كانت القيمة ثمنا ما كان لرب الجارية الخيار فيما معناه البيع ؛ لأن الرجل لو باع ما يساوي خمسين دينارا بعشرة دنانير كان (بيعه ) لازما ، ولم يجعل له رجوع ، ولا خيار .

فرع : إذا ادعى الغاصب هلاكها فأخذت القيمة ، ثم ظهرت عنده ، فإن علم أنه أخفاها ردها صاحبها على ما سلف إن شاء ، وإن لم يعلم لم يكن للمغصوب منه شيء إلا أن يكون أقر بأقل من الصفة فيغرم تمام قيمة الصفة .

قال أشهب : ويحلف أنه ما أخفاها وتبقى له إذا كانت على الصفة التي حلف عليها . وفي "المبسوط " : يرجع في الجارية ويرد القيمة التي أخذ إذا أقر بأقل من الصفة .

[ ص: 80 ] وقال بعض المتأخرين : سواء وجدها على الصفة أو غيرها يرجع إلى ربها ويحمل على أنه أخفاها ، قيل : وانظر لو قال : غصبت جارية سوداء للخدمة قيمتها عشرون ، فثبت أنها بيضاء قيمتها مائة ، هل هذا بخلاف جحده بنص الصفة ؟

فائدة : قوله : (" ألحن بحجته " ) أي : أفطن ، مأخوذ من لحن بالتحريك ، يقال : لحن بالكسر ، واللحن بالسكون : الخطأ ، يقال منه : لحن -بالفتح - أي : أخطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية