التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6570 6971 - حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، روى له مسلم ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " البكر تستأذن" . قلت : إن البكر تستحيي . قال : "إذنها صماتها " . وقال بعض الناس : إن هوي رجل جارية يتيمة أو بكرا ، فأبت فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه تزوجها ، فأدركت فرضيت اليتيمة ، [ ص: 82 ] فقبل القاضي شهادة الزور ، والزوج يعلم ببطلان ذلك ، حل له الوطء . [انظر : 5137 - مسلم : 1420 - فتح: 12 \ 340 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، السالف : " لا تنكح البكر حتى تستأذن ، ولا الثيب حتى تستأمر " . قيل : يا رسول الله ، كيف إذنها ؟ قال : "إذا سكتت " . وقال بعض الناس : إن لم تستأذن البكر ولم تزوج فاحتال رجل فأقام شاهدي زور أنه تزوجها برضاها ، فأثبت القاضي نكاحها والزوج يعلم أن الشهادة باطلة ، فلا بأس أن يطأها ، وهو تزويج صحيح .

ثم ساق حديث سفيان ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن القاسم ، أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار : عبد الرحمن ومجمع ابني جارية ، قالا : فلا تخشين ، فإن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك . قال سفيان : وأما عبد الرحمن فسمعته يقول ، عن أبيه : إن خنساء .

ثم ساق البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " . قالوا : كيف إذنها ؟ قال : "أن تسكت " . وقال بعض الناس : إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها ، فأثبت القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط ، فإنه يسعه هذا النكاح ، ولا بأس بالمقام له معها .

ثم ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - : " البكر تستأذن" قلت : إن البكر تستحيي . قال : "إذنها صماتها " . وقال بعض الناس : إن هوي رجل جارية يتيمة ثيبا أو بكرا فأبت فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه تزوجها ، فأدركت ورضيت اليتيمة ، فقبل القاضي شهادة الزور والزوج يعلم ببطلان ذلك ، حل له الوطء .

[ ص: 83 ] الشرح :

لا يحل هذا النكاح للزوج الذي أقام شاهدي زور على رضا المرأة أنه تزوجها عند أحد من العلماء ، وليس حكم القاضي بما ظهر له من عدالة الشاهدين في الظاهر محلا ما حرم الله ؛ لقوله - عليه السلام - : " فإنما أقطع له قطعة من النار " ولتحريم الله أكل أموال الناس بالباطل ، ولا فرق بين أكل المال الحرام ووطء الفرج الحرام في الإثم .

قال المهلب : واحتيال أبي حنيفة ساقط ؛ لأمر الشارع بالاستئذان والاستئمار عند النكاح ، ورد نكاح من تزوجت كارهة في حديث خنساء ، وقد قال تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232 ] ، فاشتراط الله رضاها في النكاح يوجب أنه متى عدم هذا الشرط فيه لم يحل ، وإنما قاس أبو حنيفة مسائل هذا الباب على القاضي إذا حكم بطلاقها بشاهدي زور وهو لا يعلم . أنه يجوز أن يتزوجها من لا يعلم بطلان هذا (الطلاق ) ، ولا تحرم عليه بالإجماع فكذا يجوز أن يتزوجها من علم ولا تحرم عليه .

وهذا خطأ في القياس ، وإنما حل تزويجها لمن لا يعلم باطن أمرها ؛ لأنه جهل ما دخل فيه ، وأما الزوج الذي أقام شاهدي الزور فهو عالم بالتحريم متعمد لركوب الإثم فكيف يقاس من جهل شيئا فأتاه بعذر يجهله على من تعمده وأقدم عليه وهو عالم باطنه .

ولا خلاف بين العلماء أنه من أقدم على ما لا يحل له فقد أقدم على الحرام البين الذي قاله فيه الشارع : " الحلال بين والحرام بين [ ص: 84 ] وبينهما أمور مشتبهات " ، وليس للشبهة فيه موضع ولا خلاف بين الأمة أن رجلا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته ، وحكم الحاكم بذلك لا يجوز له وطؤها ، فكذلك الذي شهد على نكاحها ، هما في التحريم سواء ، والمسألة التي في آخر الباب لا يقول بها أحد ، وهي خطأ كالمسألتين المتقدمتين .

ولا خلاف في الأموال أن الحاكم إذا حكم بها هو في الباطن على خلاف ما حكم به ، لم ينقل حكمه في الباطن ، وإنما ذلك عند أبي حنيفة في الطلاق والنكاح والنسب فإن شهدوا في أمة رجل أنها ابنة آخر ، وحكم بذلك ، ثبت النسب وحرمت عليه وورثت .

وذكر في "المعونة" عن أبي حنيفة : إذا شهدوا بزور على الطلاق تصير المرأة مطلقة بحكم الحاكم ، ويجوز لها أن تتزوج ، ولا يجوز لأحد شاهدي الزور أن يتزوجها ، وهو عند مالك زان ؛ لعلمه أنه لم يطلق ، وذكر مسألة النكاح المتقدمة ، وزاد عنه : إذا شهد له شاهد الزور على ذات محرم أنها زوجته أن الحكم لا ينفذ في الباطن ولا تكون زوجته ، وكذلك إذا أقدم شاهدا زور في دعوى قال : فيحكم الحاكم له ، فإنه لا ينفذ ، وفرقوا بين الموضعين فإن كل موضع جاز أن يكون للحاكم ولاية في ابتداء فعله ، نفذ حكمه فيه ظاهرا وباطنا ، وكل موضع لا ولاية له في ابتداء فعله لم ينفذ ظاهرا دون الباطن ، كان للحاكم ولاية في عقد النكاح ، وفي أن يطلق على غيره ، ولا ولاية له في تزويج ذوات المحارم ، ولا في نقل الأموال ، فكذلك لو ادعى رجل أنه قتل وليا له ، وأقام شاهدي زور فحكم [ ص: 85 ] الحاكم بالقود لم يكن لمن حكم له أن يقتل ؛ لأن الحاكم ليس له أن يقتدي القتل قال : ودليلنا قوله تعالى : والمحصنات من النساء [النساء : 24 ] الآية . فحرم المحصنة ، وهي التي لها زوج إلا إن ملك الكوافر بالسبي ، وعند المخالف : أن التي لها زوج تحل بحكم الحاكم بشهادة زور بطلاقها .

والحديث السالف : "إنما أنا بشر . . " إلى آخره ، صريح في أن حكمه بما ليس بجائز للمحكوم له لا يحل له ، وبالقياس على المال وغيره كما سلف ، ثم الحديث عام في قوله : "فلا يأخذ منه شيئا" سواء كانت زوجة أخيه أو ماله .

قال الشافعي : ولو كان حكم الحاكم يحل الأمور عما هي عليه ، لكان حكم الشارع أولى .

وكذا قال سحنون عند ابنه .

فصل :

قوله في حديث خنساء : ( فلا تخشين ) . صوابه : بكسر الياء وتشديد النون ؛ لأنه فعل مبني على النون المشددة ، وإن جعلته للمخاطبة فيكون غير مستقيم في الإعراب إذ لم تحذف النون منه في النهي .

[ ص: 86 ] فصل :

(قوله ) : ( فأدركت ) . أي : بلغت ، وقوله قبله : (وإن هوي ) . هو بكسر الواو على وزن فعل وعلم وحذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية