التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6581 [ ص: 107 ] 91

كتاب التعبير

[ ص: 108 ] [ ص: 109 ] بسم الله الرحمن الرحيم

91 - كتاب التعبير ]

1 - باب أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة

6982 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب . وحدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، قال الزهري : فأخبرني عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق [ ص: 110 ] حتى بلغ ما لم يعلم " [العلق :1 - 5 ] فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : "زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : "يا خديجة ، ما لي ؟ " . وأخبرها الخبر وقال : "قد خشيت على نفسي" . فقالت له : كلا ، أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .

ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى - وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي - فقالت له خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أومخرجي هم ؟ " . فقال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقي منه نفسه ، تبدى له جبريل فقال : يا محمد ، إنك رسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك .
[انظر : 3 - مسلم : 160 - فتح: 12 \ 351 ]


قال ابن عباس : فالق الإصباح [الأنعام : 96 ] ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل .

[ ص: 111 ] ساق فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - السالف في أول "الصحيح" بطوله بزيادة سلف عليها التنبيه هناك ، وفي آخره : وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : فالق الإصباح [الأنعام : 96 ] ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل .

وقد أسلفناه هناك بفوائده فوق الستين فائدة ، وسلف هذا التعليق مسندا في التفسير ، وتقدم قول مجاهد من عند ابن أبي شيبة : وعلمتني من تأويل الأحاديث [يوسف : 101 ] ، قال : عبارة الأنبياء .

وفيه : أن المرء ينبه على فعل الخير بما فيه مشقة كما فتل النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الصلاة من يساره إلى يمينه ، وقد سلف معنى "غطني " . وعبارة الداودي : معنى غطني : صنع بي شيئا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية والحزن بضم الحاء وسكون الزاي ، وبفتحهما . وقال أبو عمرو : إذا جاء الحزن في موضع رفع أو جر ، ضمت ، تقرأ وابيضت عيناه من الحزن [يوسف : 84 ] بالضم لا يجوز الفتح ؛ لأنه في موضع جر ، وقال تعالى : تفيض من الدمع حزنا [التوبة : 92 ] بالفتح .

وقوله : مؤزرا ، سلف الكلام فيه ، ومما لم أذكره هناك ما قاله القزاز : أحسب أن الألف سقطت من أمام الواو إذ لا أصل لمؤزر بغير ألف في كلام العرب ، إنما هو من مؤازر من وازرته موازرة : إذا [ ص: 112 ] عاونته ، ومنه أخذ وزير الملك ، فعلى هذا يقرأ موزرا بغير همز ، وقيل : هو مأخوذ من الأزر : وهو القوة ، ومنه قوله تعالى : اشدد به أزري [طه : 31 ] أي : قوتي ، وقيل : ظهري . قال الجوهري : آزرت فلانا : عاونته ، والعامة تقول : وازرته .

وقوله : ( تبدى له جبريل ) . أي : ظهر ، غير مهموز ، وقوله : ( بذروة جبل ) هو بكسر الذال ، وقال ابن التين : رويناه بكسر الذال وضمها ، وهو في ضبط كتب اللغة بالكسر .

وقول ابن عباس : وضوء القمر بالليل . قال ابن التين : هو غير ظاهر ، ولعله محمول على أن الإصباح : الضياء ، فيكون معناه : ضياء الشمس بالنهار والقمر بالليل ، وإنما أراد البخاري هنا الاستدلال على تفسير : (جاء مثل (فلق ) الصبح ) ، والمعنى : أنها تأتي (بينة مثل ذلك ) في إنارته وإضاءته وصحته . وقال الحسن وعيسى : الأصباح : جمع صبح ، ومعنى فالق : شاق بمعنى : خالق .

وقوله : ( فيسكن لذلك جأشه ) قال صاحب "العين " : إنه النفس .

فصل :

قال المهلب : الرؤيا الصالحة الصادقة قد يراها المسلم والكافر والناس كلهم ، إلا أن ذلك يقع لهم في النادر والوقت دون الأوقات ، وخص سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعموم صدق رؤياه كلها ومنع الشيطان أن [ ص: 113 ] يتمثل في صورته ؛ لئلا يتسور بالكذب على لسانه في النوم ، والرؤيا جزء من أجزاء الوحي وكذا قال القاضي عياض عن بعض العلماء أنه قال : خص الله نبيه بأن رؤية الناس إياه صحيحة على -ما ذكرناه إلى قوله : في النوم - وكذلك استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة ، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ، ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا المتصور ، فحماه الله من الشيطان ونزغه وكيده ، وكذا حمى رؤياه لأنفسهم .

واتفق العلماء على جواز رؤية البارئ تعالى في المنام وصحتها ، ولو رآه إنسان على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام ؛ لأن (ذلك ) المرئي غير ذات الله تعالى ، ولا يجوز عليه التجسيم ، ولا اختلاف الأحوال ، بخلاف رؤية سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فإن قلت : فإن الشيطان قد تسور عليه في اليقظة ، وألقى في أمنيته - عليه السلام - ، قيل : ذلك التسور لم يستقم ، بل تلافاه الله -عز وجل - في الوقت بالنسخ وأحكم آياته ، وكانت فائدة تسوره إبقاء دليل التنزيه عليه ؛ لئلا يغلو مغلون فيه فيعبدونه من دون الله كما فعل بعيسى وعزير .

فإن قلت : كيف منع الشيطان أن يتمثل في صورته - عليه السلام - في المنام ، وأطلق له أن يتمثل ويدعي أنه البارئ تعالى ، والصور لا تجوز على البارئ ؟

قيل : سره أنه إنما منع أن يتصور في صورته - عليه السلام - الذي هو صورته في الحقيقة دلالة للعلم وعلامة على صحة الرؤية من ضعفها ، وأطلق له أن

[ ص: 114 ] يتصور على ما تصوره ، ولا يجوز عليه دلالة للعلم أيضا وسببا إليه ، لأنه قد تقرر في نفوس البشر أنه لا يجوز التجسيم على البارئ تعالى ، فجاز أن يجعل لنا هذا الوهم (في النوم ) دليل على علم ما لا سبيل إلى معرفته إلا بطريق التمثيل في البارئ تعالى مرة ، وفي سائر الأرباب والسلاطين مرة ؛ وكذلك قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني في "انتصاره " : إن رؤية البارئ تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب في أمثال لا تليق به تعالى في الحقيقة ، وتعالى سبحانه عنها ؛ دلالة للرأي على أنه أمر كان أو يكون كسائر المرئيات . وهذا كلام حسن ؛ لأنه لما كان خرق العادة دليلا على صحة العلم في اليقظة في الأنبياء بهديها (الحق ) ، جعل خروق العادة الجائزة على نبيه بتصور الشيطان على مثاله بالمنع من ذلك دليلا على صحة العلم .

فإن قلت : كيف يجب أن تكون الرؤيا إذا رأى فيها البارئ تعالى صادقة أبدا ، كما كانت الرؤيا التي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

فالجواب : أنه لما كان تعالى قد يعبر به في النوم على سائر السلاطين ؛ لأنه سلطانهم ويعبر به عن (الأولياء ) والسادة والمالك ، ووجدنا سائر السلاطين يجوز عليهم الصدق والكذب ، فأبقيت رؤياهم على العادة فيهم ، ووجدنا النبيين لا يجوز الكذب على أحد منهم ، ولا على شيء من حالهم ، فأبقيت (حال ) النبوة في النوم على ما هي عليه في اليقظة من الصدق برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا قام الدليل [ ص: 115 ] عند العابر على الرؤيا التي نرى فيها البارئ أنه البارئ لا يراد به غيره ، لم يجز في تلك الرؤيا التي قام فيها دليل الحق على الله كذبا أصلا لا في مقال ولا في فعال ، فتشابهت الرؤيا من حيث اتفقت في معنى الصدق ، واختلفت من حيث جاز غير ذلك ، وهذا ما لا ذهاب عنه .

فصل :

سيأتي أن الشيطان لا يتمثل به .

قال المازري : وفيه إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا ، وأنها تكون حقا ، وقد يراه الرائي على غير صفته المنقولة إلينا ، كما لو رآه شخص أبيض اللحية ، أو على خلاف لونه ، أو تراه رؤيتان في زمن واحد ، أحدهما : بالمشرق ، والآخر بالمغرب ، ويراه كل منهما معه في مكانه . وقال آخرون : الحديث محمول على ظاهره ، والمراد : أن من رآه فقد أدركه ، ولا مانع يمنع من ذلك ، ولا يحيله العقل حتى يضطر إلى صرف الكلام عن ظاهره ، وأما الاعتلال بأنه قد يرى على غير صفته المعروفة ، وفي مكانين مختلفين فإن ذلك غلط في صفاته ، وتخييل لها على غير ما هي عليه ، وقد نظن بعض الخيالات مرئيات ؛ لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة ، فتكون ذاته مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية ، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا (قرب ) المسافات ، ولا كون (المرئي ) مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها وإنما يشترط كونه موجودا ، والأخبار دالة على بقائه [ ص: 116 ] فيكون اختلاف الصفات المتخيلة يمر بها اختلاف الدلالات ، وقد ذكر الكرماني : أن من رآه شيخا فهو عام سلم ، أو شابا فهو عام حرب ، وذلك أحد أجوبتهم عنه لو رأى أنه (أمر ) بقتل من لا يحل قتله ، فإن ذلك من الصفات المتخيلة لا المرئية .

وجوابهم . الثاني يمنع وقوع مثل هذا ، ولا وجه عندي لمنعهم إياه مع قولهم في تخيل الصفات ، فهذا انفصال هؤلاء عما احتج به القاضي ، وللمسألة تعلق بغامض الكلام في الإدراكات وحقائق متعلقاتها ، وبسطه خارج عما نحن فيه .

فصل :

لا يفتك أن المنام جعله الله رحمة ليستريح بدنه من تعبه (ودونه ) ونصبه ، لما علم تعالى عجز الروح عن القيام بتدبير البدن دائما ، والنوم هو أبخرة تحيط بالروح القائم بالبدن فتحجبه عن التدبير ، وما هو في المثال كالملك إذا حجب نفسه عن تدبير مملكته ؛ ليستريح ويستريح أعوانه في وقت حجبه ، وفيه تسخن الباطن وإجادة الهضم ، وإذا أفرط فلا تكون الرأس بالاختلاط ترطب الجسوم أو ترخها وتطفئ الحر [ ص: 117 ] الذي فيها . كما ذكره ابن سينا في "أرجوزته" ومن الحكمة الإلهية جعله حين غيبة الروح المدبر ثلاثة أنفس ، وتسمى القوى قوة التخيل والفكر والذكر ، ومن حكمه أيضا أن اليقظة ما إن تمكن يعرف الإنسان كل ما يحدث في الوجود كل وقت إذ لو كان ذلك كذلك ؛ لتساوى الناس بالصالحين بخلاف النوم .

فصل :

والرؤيا قسمان : صحيح وفاسد ، فالأول : ما كان ضمن اللوح المحفوظ ، وهو الذي تترتب عليه الأحكام ، والثاني : لا حكم له ، وهو خمسة أقسام : حديث النفس : بأن يحدث في اليقظة نفسه بشيء فيراه في المنام ، أو من غلبة الدم ، أو من غلبة الصفراء ، أو غلبة البلغم ، أو السوداء .

(فصل ) :

قال المازري : قد أكثر الناس في حقيقة الرؤيا ، وقال فيها غير أهل الإسلام أقاويل كثيرة منكرة لما حاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعقل ، ولا يقوم عليها برهان ، وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت لذلك مقالاتهم ، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميعها إلى غليظ الأخلاط ، وهذا مذهب وإن جوزه العقل فإنه لم يقم عليه دليل ، ولا اطردت به عادة ، والقطع في موضع التجويز غلط وجهالة ، هذا لو نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتياد ، وأما إن أضافوا الفعل إليها فإنا نقطع بخطئهم ، وسيأتي بقية كلامه في باب الرؤيا الصالحة .

[ ص: 118 ] فصل :

ذكر الإمام أبو محمد عبد المعطي بن أبي الثناء محمود في كتابه "مقامات الإيمان والإحسان" أن النوم تارة يكون نوم غفلة ، وتارة يكون نوم جهل عن العلم ، وتارة يكون نوم فترة وشغل ، وتارة يكون نوم راحة .

فصل :

الرؤيا أيضا تنقسم على أنواع أربعة : محمودة ظاهرا وباطنا ، كمن يرى أنه كلم البارئ تعالى ، أو أحدا من الأنبياء في صفة حسنة وبكلام طيب ، وعكسه كمن يرى أن حية لدغته أو نارا أحرقته وشبهه ، ومحمودة ظاهرا لا باطنا كسماع الملاهي وشم الأزهار ، وعكسه كمن يرى أنه ينكح أمه أو يذبح ولده .

وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا : الرؤيا ثلاث : رؤيا (ترى ) من الله ، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه ، ورؤيا تحزن من الشيطان ، وسيأتي في باب القيد في المنام الخلف في وقفه وإرساله .

فصل :

الغالب في الرؤيا الجيدة تأخير تفسيرها بخلاف الرديئة وربما كانت له أو لغيره ، وربما لا تكون له ولا لمن رئيت له ، لكنها تكون لغيره من أقاربه أو معارفه ، وربما رأى في نومه أشياء ودلالتها على شيء واحد وبالعكس ، وربما كان للرائي وحده ، وربما كان لمن يحكم عليه .

[ ص: 119 ] فصل :

المنام أيضا يختلف باختلاف اللغات والأديان والأزمان والصنائع والعادات والمعايش والأمراض والموت والحياة .

فائدة :

قال ابن سيده : يقال : عبر الرؤيا يعبرها (عبرا وعبارة ، وعبرها : فسرها وأخبر بآخر ما يؤول إليه أمرها ، واستعبره إياها : سأله تعبيرها ) . وقال الأزهري عن أبي الهيثم : العابر الذي ينظر في الكتاب فيعبره ، أي : يعبر بعضه ببعض حتى يقع فهمه عليه ، ولذلك قيل : عبر الرؤيا وأعبر فلان كذا ، وقال غيره : أخذ هذا كله من العبر وهو جانب النهر ، وفلان في ذلك العبر . أي : في ذلك الجانب ، وعبرت النهر والطريق عبورا إذا قطعته من هذا الجانب إلى ذلك الجانب ، فقيل لعابر الرؤيا : (عابرا ) ؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا وأطرافها ، ويتدبر كل شيء منها ويمضي فكره فيها من أول رؤياه إلى آخرها .

وقال القزاز في"جامعه " : كأن عابر الرؤيا جاز المثل إلى التأويل ؛ لأن الرؤيا إنما هي مثل يضرب لصاحبها فإذا عبرها المعبر فقد جاز ذلك المثل إلى معناه . وقال قوم : إنما معناه : أنه يخرجها من حال النوم إلى ما يحب من اليقظة ، وقد عبرها فهو عابر وعبرها فهو (معبر ) .

[ ص: 120 ] وعند الهروي : العابر الناظر في الشيء . ومنه قول ابن سيرين : إني اعتبرت الحديث .

يريد : أنه اعتبر الرؤيا عن الحديث ويجعله اعتبارا كما يعتبر القرآن في تعبير الرؤيا يقال : هو عابر الرؤيا وعابر للرؤيا ، وعبرتها وعبرتها واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية