التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6582 [ ص: 121 ] 2 - باب: رؤيا الصالحين

وقوله -عز وجل - : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآية [الفتح : 27 ] .

6983 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " . [6994 - مسلم : 2264 - فتح: 12 \ 361 ]


ذكر فيه حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام -قال : " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " .

وأخرجه النسائي وابن ماجه ، والمراد عامة رؤيا الصالحين كما نبه عليه المهلب وهي التي يرجى صدقها ؛ لأنه قد يجوز على الصالحين الأضغاث في رؤياهم ؛ لكن لما كان الأغلب عليهم الخير والصدق ، وقلة تحكم الشيطان عليهم في النوم أيضا ، لما جعل الله فيهم من الصلاح ، وبقي سائر الناس غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم في النوم مثل تحكمه عليهم في اليقظة في أغلب أمورهم ، وإن كان قد يجوز منهم الصدق في اليقظة فكذلك يكون في رؤياهم صدق أيضا .

وذكر الكرماني المعبر : كان بنو إسرائيل يمسون وليس فيهم نبي ، ويصبحون وفيهم عدة أنبياء بما يوحى إليهم في منامهم .

[ ص: 122 ] فصل :

قال أبو إسحاق الزجاج : تأويل قوله : " جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " . أن الأنبياء يخبرون بما سيكون ، والرؤيا تدل على ما سيكون .

قلت : ولذلك قال - عليه السلام - : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " .

وقال الخطابي : كان بعض العلماء يقول في تأويله قولا لا يكاد يتحقق من طريق البرهان ، وذلك أنه - عليه السلام - من أول ما بدئ به الوحي إلى أن توفي ثلاث وعشرون سنة أقام بمكة ثلاث عشرة ، وبالمدينة عشرا ، وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر ، وهي نصف سنة فصارت هذه المدة جزءا من ستة وأربعين جزءا من أجزاء النبوة . قال الخطابي : وإن كان هذا وجها قد يحتمل قسمة الحساب والعدد ، فأول ما يجب من الشروط فيه أن يثبت ما قاله من ذلك خبرا ورواية ، ولم نسمع ذلك ، وهو ظن وحسبان ولإن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة على ما ذهب إليه من هذه القسمة ، لكان يجب أن يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته وأن تلتقط فتلفق وتزاد أصل الحساب ، وإذا صرنا إلى ذلك بطلت هذه القسمة وسقط هذا الحساب (من أصله ) ، وقد ثبت عنه - عليه السلام - في عدة أحاديث من روايات كثيرة أنه كان يرى الرؤيا المختلفة في أمور الشريعة ومهمات أسباب الدين فيقصها على أصحابه ، وكان يقول إذا أصبح : " من رأى منكم رؤيا " فيقصونها [ ص: 123 ] عليه . وقال لهم : " أريت ليلة القدر فأنسيتها " . وقال في يوم أحد : " رأيت في سيفي ثلمة " إلى آخره ، وقال : " رأيت كأني أنزع على قليب بدلو " فذكره إلى آخره ، وحديث رؤيا الشجرة ، ورؤيا عمر وعبد الله بن زيد في منامهما ، فكان ذلك بمنزلة الوحي ، ولذلك صار شريعة بعد الهجرة ، وأعلى منها ما نطق به الكتاب : لقد صدق الله رسوله الرؤيا [الفتح : 27 ] وقوله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس الآية [الإسراء : 60 ] ، فدل ذلك وغيره على ضعف هذا التأويل ، ونرى أعداد الركعات وأيام الصوم ورمي الجمار محصورة في حساب معلوم ، ولا نعلم سر حصرها ، وهذا كقوله في حديث آخر : " إن الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة " .

وتفصيل هذا العدد وحصر النبوة فيه متعذر لا يمكن الوقوف عليها ، وإنما فيه أن هاتين الخصلتين من الأنبياء ، فكذلك الأمر في الرؤيا أنها جزء من كذا . قال : ومعنى الحديث تحقيق أمر الرؤيا ، وأنها مما كان الأنبياء عليهم السلام يثبتونه ، وأنها كانت جزءا من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم .

[ ص: 124 ] وقال بعضهم معناه : أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة ؛ لأنها جزء باق (منها ) . وسيأتي بعد أبسط من هذا .

فصل :

قال الداودي : وفي الخبر دليل أن رؤيا الأنبياء كالوحي في اليقظة ليست جزءا من هذا العدد ، وقد تصدق رؤيا الكافر قال تعالى : إني أرى سبع بقرات سمان [يوسف : 43 ] ، وقال الفتيان : أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا [يوسف : 36 ] .

فصل :

قوله في الباب بعده : إذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان ، يريد : أنها تنسب إلى الشيطان ؛ لأنها من هواه كقوله تعالى : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف : 63 ] والكل من عند الله هو الفاعل ، وفي آخره : " فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره " . ذكر بعد في باب الحلم من الشيطان : " فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره " ، وفي لفظ : " فلينفث عن يساره ثلاثا " ، وفي مسلم : " فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ وليتحول عن جنبه الذي كان عليه " ، وفي أخرى : " فليقم فليصل " . وسيأتي في البخاري أيضا ، وفي أخرى ذكرها الداودي : "يقرأ آية الكرسي " ، فجعل الله تعالى في التعوذ والبصاق سببا لدفع مكرهها ، كما جعل في الدعاء والرقى سببا لدفع مكروه الداء ، والتحول كأنه من باب التفاؤل من باب تغيير الحال .

فصل :

الآية التي صدر البخاري بها الباب ، قال مجاهد : رأى - عليه السلام - كأنه [ ص: 125 ] دخل مكة هو وأصحابه محلقين رءوسهم ومقصرين ، فاستبطأ الرؤيا ثم دخلوا بعد ذلك .

وفي قوله : " إن شاء الله " أقوال :

هل هو مما خوطب العباد أن يقولوا مثل : ولا تقولن لشيء الآية [الكهف : 23 ] أو الاستثناء لمن مات منهم أو قتل ، أو المعنى : إن شئت آمنين و (حليم ) ، أو هو حكاية لما قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنى : فجعل من دون ذلك فتحا قريبا . قال مجاهد : رجعوا من الحديبية ثم فتح الله عليهم خيبر ، وكانت الحديبية سنة ست فخرج معتمرا في ذي القعدة منها ، وبلغه في طريقه أن قريشا جمعت له وحلفت ألا يدخلها عليهم ، فقال - عليه السلام - : " ويح قريش ما خرجت لقتالهم ولكن معتمرا " .

فائدة :

في الترمذي " أصدق الرؤيا بالأسحار " ، وفي مسلم : " إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " . فقال أبو داود : المراد بالاقتراب : اقتراب الليل والنهار واستوائهما . وقال الخطابي : (معناه ) قرب زمان الساعة ودنوه ، والمعبرون [ ص: 126 ] يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار .

قال النووي : وقول أبي داود أشهر (عند أهل الرؤيا ) ، وجاء في حديث ما يؤيد الآخر . وفي الترمذي صحيحا : " لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " ، وفي حديث آخر : " لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي " قالوا : ولا يستحب أن (ينسب ) لك في تفسيرها إلا بما تحب ، وإن لم يكن عالما بالعبارة ، لا أنه يصرف تأويلها عما جعلها الله عليه ، (وأما ذو الرأي فمعناه : ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقتها ) أو بأقرب ما يعلم منها ، ولعله أن يكون في تفسيره موعظة لما هو عليه أو يكون فيها بشرا فيشكر الله عليها .

[ ص: 127 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية