التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6584 6985 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، حدثني ابن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها وليحدث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان ، فليستعذ من شرها ، ولا يذكرها لأحد ، فإنها لا تضره" . [فتح: 12 \ 369 ]


ذكر فيه حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان " .

وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها وليحدث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان ، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد ، فإنها لا تضره " .

الشرح :

الحلم بضم الحاء واللام ، قال ابن التين : كذا قرأناه .

وفي ضبط "الصحاح" بسكون اللام وهو ما يراه النائم ، وقال بعض العلماء : هو الأمر الفظيع زاد في الباب بعده : "فإذا حلم أحدكم فليستعذ منه " . وفي باب : الحلم من الشيطان (بعد ذلك ) : "فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فإنه لن يضره " .

[ ص: 128 ] وحلم بفتح الحاء واللام كضرب يقول : حلمت بكذا ، وحلمته . قال ابن السيد في "مثلثه " : ويجمع أحلاما لا غير .

وقال ابن سيده : الحلم والحلم : الرؤيا ، وقد حلم في نومه يحلم حلما واحتلم وانحلم ، وتحلم الحلم : استعمله ، وحلم به وعنه ، وتحلم عنه : رأى له رؤيا أو رآه في النوم ، وهو الحلم والاحتلام ، والاسم الحلم .

وقال ابن خالويه : وقولهم أحلام نائم هي ثياب غلاظ . وقال الزمخشري : الحالم : النائم يرى في منامه شيئا ، فإذا لم ير شيئا فليس بحالم قال : والعامة تقول : حلمت في النوم . وهي لغة لقيس على ما ذكره أبو زيد .

وقال الزجاج : الحلم بالضم ليس بمصدر وإنما هو اسم .

وحكى ابن التياني في "الموعب" عن الأصمعي : في المصدر حلما وحلما مثل فرط وطيب .

وقال الزبيدي في "نوادره " : يقال : قد حلم الرجل في نومه ، فهو يحلم حلما بالضم ، وبعض العرب تخفف فتقول حلما وهم تميم ، والحلم بالكسر : الأناة ، يقال منه : حلم بضم اللام .

فصل :

فإن قلت : ما معنى الحديث وقد تقرر أنه لا خالق للخير والشر إلا الله ، وأن كل شيء بقدره وخلقه ، فالجواب : أنه - عليه السلام - سمى رؤيا من خلص من الأضغاث وكان صادقا تأويله موافقا لما في اللوح المحفوظ فحسنت إضافته إلى الله ، وسمى الرؤيا الكاذبة التي هي من [ ص: 129 ] خبر الأضغاث حلما وأضافها إلى الشيطان ، إذ كانت مخلوقة على شاكلته وطبعه ؛ ليعلم الناس مكائده فلا يحزنون لها ولا يتعذبون بها ، وإنما سميت ضغثا ؛ لأن فيها أشياء متضادة ، والدليل على أنه لا يضاف إلى الله إلا الشيء الطيب الطاهر قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان [الحجر : 42 ] أي : أوليائي ، فأضافهم إلى نفسه ؛ لأنهم أولياؤه ، ومعلوم أن غير أوليائه عباد الله أيضا . وقال تعالى : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي [الحجر : 29 ] ، وطهر بيتي للطائفين [الحج : 26 ] ، وقال تعالى : والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت [البقرة : 257 ] فأضافهم إلى ما هم أهله ، وإن كان الكل خلقه وعبيده ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها [هود : 56 ] وإن كان المحزن من الأحلام مضافا إلى الشيطان في الأغلب ، وقد يكون المحزن في النادر من الله ، لكن الحكمة بالغة وهو أن ينذر بوقوع المحزن من الأحلام بالصبر ، لوقوع ذلك الشيء ، لئلا يقع على غرة فيقتل ، فإذا وقع على مقدمة وتوطين نفس كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة ، وقال : " فإنها لا تضره " يعني (بها ) ما كان من قبل الشيطان جعل الله سبحانه الاستعاذة منها ما يدفع به أذاها ، ألا ترى قول أبي ( قتادة ) كما يأتي : إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل ، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئا . وروى قتادة ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعا في هذا الحديث : "فمن رأى منكم ما يكره فليقم ويصل" وقد أسلفنا ذلك في الباب قبله وأخرجه مسلم

[ ص: 130 ] من حديث أيوب عن ابن سيرين به ، وقال : " وليصل ولا يحدث بها الناس " وفي أوله : " الرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية