التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6614 [ ص: 200 ] 26 - باب: القيد في المنام

7017 - حدثنا عبد الله بن صباح ، حدثنا معتمر ، سمعت عوفا ، حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . " قال محمد : وأنا أقول هذه قال : وكان يقال : الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل . قال : وكان يكره الغل في النوم ، وكان يعجبهم القيد ، ويقال : القيد ثبات في الدين . وروى قتادة ويونس وهشام وأبو هلال ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأدرجه بعضهم كله في الحديث ، وحديث عوف أبين . وقال يونس : لا أحسبه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القيد . قال أبو عبد الله : لا تكون الأغلال إلا في الأعناق . [انظر : 6988 - مسلم : 2263 - فتح: 12 \ 404 ]


ذكر فيه حديث عوف ، عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب " قال محمد : وأنا أقول : هذه (الأمة ) . قال : وكان يقال : الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل . قال : وكان يكره الغل في النوم ، وكان يعجبهم القيد ، ويقال : القيد ثبات في الدين . رواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال -وهو محمد بن سليم الراسبي - ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدرجه بعضهم كله في الحديث ، وحديث عوف أبين .

[ ص: 201 ] وقال يونس : لا أحسبه إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيد . قال أبو عبد الله : لا تكون الأغلال إلا في الأعناق .

الشرح :

كأن المراد بقوله : ( وأدرجه بعضهم كله في الحديث ) أي : نسبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيوب بن أبي تميمة ، فإن مسلما أخرجه عن محمد بن أبي عمر : ثنا عبد الوهاب الثقفي ، عنه ، عن ابن سيرين كله . قال : ولا تحدث بها الناس . قال : وأحب القيد وأكره الغل ، والقيد ثبات في الدين ، فلا أدري أهو في الحديث أم قاله محمد بن سيرين ؟ ثم قال : وحدثنا محمد بن رافع : ثنا عبد الرزاق : أنا معمر ، عن أيوب بهذا الإسناد . وقال في الحديث : قال أبو هريرة : فيعجبني القيد وأكره الغل ، والقيد ثبات في الدين . وحدثني أبو الربيع ، ثنا حماد ، عن أيوب وهشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : إذا اقترب الزمان . . وساق الحديث ، ولم يذكر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأدرج في الحديث قوله : وأكره الغل . . إلى آخره ، ولم يذكر : " الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا " .

وأخرج الترمذي -وقال : حديث صحيح - من حديث سعيد ، عن قتادة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه : " الرؤيا ثلاث : رؤيا حق ، ورؤيا يحدث الرجل بها نفسه ، ورؤيا تحزين من الشيطان ، فمن رأى ما يكره فليقم فليصل " . وكان أبو هريرة يقول : يعجبني القيد وأكره الغل ، القيد [ ص: 202 ] ثبات في الدين ، وكان يقول : لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح .

وقال المهلب : وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " القيد ثبات في الدين " من رواية قتادة ويونس وغيرهم . وتفسير ذلك أنه يمنع الخطايا ويصد عنها . وروى ابن ماجه من حديث وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن ابن سيرين فذكر قصة القيد (مرفوعة ) . وروى الخطيب في كتابه "الفصل والوصل " من حديث علي بن عاصم ، عن خالد وهشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا : إذا اقترب الزمان . الحديث كله مرفوعا ، ومن حديث يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن محمد . وفيه : وكان يقول : " أكره الغل ، ويعجبني القيد ، القيد ثبات في الدين " . وكان يقول : "إذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فليقم فليصل " .

قال الخطيب : كذا روى يزيد ، قصر عن سياقة خالد وهشام عن محمد التي (بدأ بها ) . وروى عبد الوهاب عن أيوب ، عن محمد مثل رواية خالد وهشام ، وقال الخطيب : جاء في هذه الأحاديث التي ذكرناها جميع هذا المتن من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس هو كذلك ؛ لأن ذكر القيد والغل قول أبي هريرة أدرج في الحديث ، وبينه معمر في روايته عن أيوب عن محمد ، ورواه عوف بن أبي جميلة ، عن محمد فذكر أن أول المتن إلى قوله : "جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " مرفوعا ، وأما ما بعده فمن كلام ابن سيرين .

[ ص: 203 ] قلت : فهذا يري مخالفة مسلم ، وغيره البخاري في الذي ذكره . وكذا مخالفة الترمذي لما ذكره في القيد .

فصل :

قد ينصرف القيد على وجوه ؛ فمن رآه في رجله وهو مسافر أقام بذلك الموضع إلا أن يرى ذلك قد حل عنه ، وكذلك من رأى قيدا في رجله في مسجد أو في موضع ينسب إلى الخير فإنه دين ولزوم لطاعة ربه وعبادة له ، فإن رآه مريض أو مسجون أو (مكروه ) فهو طول بقائه فيه ، وكذلك إن رآه صاحب دنيا فهو طول بقائه فيها .

فصل :

وكره الغل ؛ لأن الله تعالى أخبر أنه من صفات أهل النار ، فقال : إذ الأغلال في أعناقهم الآية [غافر : 71 ] ، فقد يدل على الكفر وقد يكون الغل امرأة سوء ، تشين حليلها ، وأما غل اليدين (دون ) العنق فهو كفها عن الشر ، فإن كان مع القيد غل غلب المكروه ؛ لأنها صفة المدينين ، ويدل الغل على (الوالايات ) إذ كانت معه قرائن ، كما روي أن كل وال يحشر مغلولا حتى يطلقه عدله .

فصل :

معنى : (" اقترب الزمان " ) فيه أقوال : إذا دنا قيام الساعة ، قال ابن بطال : معناه -والله أعلم - : إذا اقتربت الساعة ، وقبض أكثر العلم ، ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة ، فكان الناس على فترة من [ ص: 204 ] الرسل يحتاجون إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين ، كما كانت الأمم قبلنا تذكر بالنبوة ، فلما كان نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - خاتم الرسل وما بعده من الزمان ما يشبه الفترة عوضوا بما منع من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من كذا الآتية بالتبشير والإنذار .

ثانيها : قاله أبو داود ، ومعناه تقارب (الزمان ) زمان الليل والنهار وقت استوائهما أيام الربيع ، وذلك عند اعتدال الليل وإدراك الثمار وبيعها ، والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير انفتاق الأنوار ، ووقت بيع الثمار وإدراكها ، وهما الوقتان اللذان يتقارب الزمان فيهما ، ويعتدل الليل والنهار .

قال ابن بطال : والأول هو الصواب الذي أراده الشارع ؛ لأنه قد روي مرفوعا عنه من طريق معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه : "في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا " .

ثالثها : تقصر الساعات والأيام والليالي ، ذكره الداودي في تفسير قوله - عليه السلام - : " يتقارب الزمان وينقص (العلم ) " .

[ ص: 205 ] فصل :

وأما قول ابن سيرين : ( أنا أقول : هذه الأمة ) فتأويله -والله أعلم - أنه لما كان عنده معنى قوله : "رؤيا المؤمن . . " إلى آخره ، ويراد به رؤيا الرجل الصالح ؛ (لقوله - عليه السلام - : " الرؤيا الحسنة يراها الرجل الصالح " ) . . الحديث ، وقال : " إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن " .

خشي ابن سيرين أن يتأول معناه أن عند تقارب الزمان لا تصدق إلا رؤيا الصالح المستكمل الإيمان خاصة ، فقال : (وأنا أقول : هذه الأمة ) ، أنه تصدق رؤيا هذه الأمة كلها ؛ صالحها وفاجرها ، فيكون صدق رؤياهم زاجرا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين ، وطمس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر .

وما ذكرته من قولهم : (الأمة ) بعد (هذا ) كذا في كتاب ابن بطال أصلا وشرحا ، والذي في الأصول حذف لفظ (الأمة ) كما سقته . وقد قال الخطيب : إن الإدراج إنما هو من قول محمد لا من قول غيره خلاف ما سلف عن الترمذي ، فكأن محمدا (قال ) لما انتهى الحديث المرفوع : وأنا أقول هذه المقالة . وهو أوضح مما ذكره ابن بطال .

فصل :

وقول البخاري : لا تكون الأغلال إلا في الأعناق ) كأنه أراد أصله ، فقد قال ابن سيده في "مجمله " وغيره : الغل جامعة توضع في العنق [ ص: 206 ] أو اليد ، والجمع : أغلال لا يكسر على غير ذلك . وفي "الجامع " : واليد مغلولة أي : مجعولة في الغل ، قال تعالى : غلت أيديهم [المائدة : 64 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية