التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6628 7034 - فقال ابن عباس : ذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ، ففظعتهما وكرهتهما ، فأذن لي فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان " . فقال عبيد الله : أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن ، والآخر مسيلمة . [انظر : 3621 - مسلم : 2274 - فتح: 12 \ 420 ]


ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي إسواران من ذهب ففظعتهما . . " الحديث بطوله .

وقد سلف مطولا في قصة العنسي الكذاب في آخر المغازي ، وفي علامات النبوة .

وابن نشيط في إسناده هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط ، أخو موسى بن عبيدة ، يقال : بينهما في الولادة ثمانون سنة ، وعبد الله هو الأكبر ، قتله الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة . ويقال فيهما : الربذي القرشي العامري مولاهم ، وينسبون إلى اليمن أيضا .

وقوله : ( ففظعتهما ) هو بكسر الظاء .

[ ص: 229 ] قال ابن التين : وكذا رويناه ، يقال : فظع الأمر فظاعة ، وأفظع اشتد . وفظعت بالأمر وأفظعني : اشتد علي . قال الداودي : وفيه دليل أن كل ما يراه الإنسان من حلية النساء شغل ، وزواله زوال ذلك الشغل .

وقوله : " إسواران " كذا وقع هنا بالألف ، وفيما سلف ، ويأتي بدونها ، وهو الأكثر عند أهل اللغة ، كما قاله ابن بطال . وقال ابن التين في باب : النفخ : قوله : " فوضع في يدي سوارين " . كذا عند الشيخ أبي الحسن ، وعند غيره : "إسواران " وهو الصواب ، وقد وقع في الشعر :


ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا



والكلاب : منصوب بـ (ولدت جرو كلب ) نصب تأكيد ، والتقدير : ولو ولدت قفيرة الكلاب ما جرو كلب . . إلى آخره .

وقيل : (الشبه السب ) .

قلت : والذي في الأصول "سواران " بحذف الألف هناك كما ستعلمه ، وإن كان ابن بطال ذكره بإثباتها .

قال أبو عبيدة : سوار المرأة وسوارها ، يعني : بالضم والكسر .

قال أبو علي الفارسي : وحكى قطرب إسوار ، وذكر أن أساور جمع إسوار على حذف الياء ؛ لأن جمع إسوار : أساوير .

فصل :

قال المهلب : وهذه الرؤيا ليست على وجهها ، وإنما هي على ضرب المثل ، وإنما أولها بالكذابين ؛ لأن الكذب إنما هو الإخبار عن [ ص: 230 ] الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه ، فلما رآهما في ذراعيه وليسا موضعا للسوارين ؛ لأنهما ليسا من حلية الرجال علم أنه سيقبض على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني : على أوامره ونواهيه - من يدعي ما ليس له كما وضعا ، حيث ليس لهما . وكونهما من ذهب والذهب منهي عنه في اليدين دليل على الكذب من وجوه : وضع الشيء في غير موضعه كما سلف ، وكون الذهب مستعملا في الرجال وهو منهي عنه ، ومنه يشتق الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه ولا يبقى ، ثم وكد له الأمر فأذن له في نفخهما فطارا عبارة أنهما لا يثبت لهما أمر ، وأن كلامه - عليه السلام - بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما الذي قاما فيه ، والنفخ دليل على الكلام وعلى إزالة الشيء المنفوخ فيه ، وإذهابه بغير كلفة شديدة ؛ لسهولة النفخ على النافخ ، وكذلك كان أذهب الله ذينك الكذابين بكلامه .

وقال الكرماني : من رأى أنه يطير بين السماء والأرض أو من مكان إلى مكان ، فإن كانت رؤياه أضغاث فإنه كثير التمني والفكر والاغترار بالأماني ، وإن كانت صحيحة وكان يطير في عرض السماء فإنه يسافر سفرا بعيدا وينال رفعة بقدر ما استعلي من الأرض في طيرانه ، فإن طار إلى السماء مستويا لا ينعوج ناله ضرر ، فإن وصل إلى السماء فبلغ الغاية فإن غاب فيها ولم يرجع مات ، وإن رجع إلى الأرض أفاق . وقال ابن أبي طالب العابر : وإن كان ذلك بجناح فقد يكون جناحه مالا ينهض به أو سلطانا يسافر تحت كنفه ، وإن كان بغير جناح دل على التعزيز فيما يدخل فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية