التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6636 7043 - حدثنا علي بن مسلم ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار -مولى ابن عمر - عن أبيه ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر" . [فتح: 12 \ 427 ]


ذكر فيه حديث سفيان ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال ) : " من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون -أو يفرون منه - صب في أذنه الآنك يوم القيامة ، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها ، وليس بنافخ " . قال سفيان : وصله لنا أيوب . وقال قتيبة : ثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قوله : من كذب في رؤياه . وقال شعبة ، عن [ ص: 244 ] أبي هاشم الرماني : سمعت عكرمة : قال أبو هريرة قوله : "من صور صورة ، ومن تحلم ، ومن استمع " . حدثنا إسحاق ، ثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : من استمع ، ومن تحلم ، ومن صور . نحوه . تابعه هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله .

ثم ساق عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه - عليه السلام - قال : "من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر " .

الشرح :

قوله : ( قال سفيان : وصله لنا أيوب ) سفيان هو ابن عيينة ، وقد وصله أيوب أيضا لعبد الوهاب الثقفي عند الترمذي وصححه ، ولعبد الوارث عند ابن ماجه . وإسحاق هو ابن شاهين ، قاله البرقاني فيما وجده في كتاب الإسماعيلي ، وأخرج النسائي التصوير من حديث عمرو بن علي (عن عفان ) ، عن همام ، عن قتادة ، عن عكرمة به مرفوعا .

وتعليق أبي هاشم أخرجه الإسماعيلي من حديث وهيب ، عن خالد في "صحيحه " من حديث شعبة ، عن أبي هاشم ، عن عكرمة . وحديث خالد الموقوف أخرجه الإسماعيلي من حديث وهيب ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من صور صورة . . " الحديث ، ومن حديث عبد الوهاب ، ثنا خالد عن عكرمة فذكره مرفوعا ، وأبو هاشم اسمه : يحيى بن دينار ، وهو [ ص: 245 ] واسطي أيضا ، كان ينزل قصر الرمان فنسب إليه ، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة .

(فصل ) :

الآنك -بضم النون - : الرصاص الأبيض أو الأسود أو الخالص منه ، ولم يجئ على أفعل واحد غير هذا ، فأما آشد فمختلف فيه هل هو واحد أو جمع ، وقيل : يحتمل أن يكون الآنك فاعلا وهو أيضا شاذ . وجزم ابن بطال : بأنه الرصاص المذاب . زاد بعض شيوخنا أنه بالمد ، وعبارة "الصحاح " : الآنك الأشرب ، وأفعل من أبنية الجمع ، ولم يجئ عليه واحد إلا آنك وآشد .

وقال ابن عزير : أشد جمع شد مثل فلس وأفلس ، قال : ويقال : هو اسم واحد لا جمع له ، مثل آنك وهو الرصاص والأشرب . وحكى ابن فارس عن معن أنه سمع أعرابيا يقول : هذا رصاص آنك . أي : خالص ، قال : ولم نجد في كلام العرب أفعل غير هذا الحرف . وحكى الخليل أنه لم يجد أفعل إلا جمع غير آشد . وقال الداودي : الآنك القزدير .

فصل :

وقوله : ("من أفرى الفرى " ) -هو بكسر الفاء - مقصور ، وهو الكذب ، يعني : أكذب الكذب ، والفرية : الكذبة العظيمة التي يتعجب منها وجمعها : مقصور مثل لحية ولحى .

[ ص: 246 ] فصل :

إن قلت : ما وجه خصوصية الكاذب في رؤياه بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعيرتين يوم القيامة ؟ وهل الكاذب في الرؤيا إلا كالكاذب في اليقظة ؟ وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدا ، أو قتلا أو مالا يؤخذ منه وليس ذلك في كذبه في منامه ؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره .

قيل له : اختلفت حالاهما في كذبهما ؛ فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين ؛ وذلك لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن " الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " على ما سلف ، لا يكون إلا وحيا من الله ، فكان معلوما بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم ير . والكاذب على الله أعظم فرية ، وأولى بعظيم العقوبة (من الكاذب ) على نفسه بما أتلف به حقا لغيره أو أوجبه عليه ، وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا الآية [الأنعام : 21 ] فأبان ذلك أن الكذب في الرؤيا ليس كاليقظة ؛ لأن أحدهما كذب على الله والآخر كذب على المخلوقين . فإن قلت : فما الحكمة في ذكر الشعير دون غيره من أنواع الحبوب ؟ قلت : سره لما كان المنام من الشعور وكذب فيه فناسب فيه ذكر الشعير دون غيره إعلاما له من لفظه .

فصل :

وفيه -كما قال المهلب - : حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف

[ ص: 247 ] ما لا يطاق ، وفي التنزيل ما (يزيده ) بيانا ، وهو قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون [القلم : 42 ] ولله أن يفعل في عباده ما شاء ، لا يسأل عنه ، ومنع من ذلك الفقهاء والمعتزلة احتجاجا بقوله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة : 286 ] قالوا : والآية والحديث وما أشبهه من أحكام الآخرة ، وليست دار تكليف ، وإنما هي دار مجازاة ؛ فلا حجة لهم فيه ؛ لأن الله قد أخبر في كتابه أنه لا يكلف نفسا من العبادات في الدنيا إلا وسعها ، ولو كلفهم ما لا يقدرون عليه في الدنيا لكان في ذلك كون خبر الصادق على خلاف ما أخبر به ، ولا يجوز النسخ في الأخبار ولا وقوعها على خلاف إخبار الله فلا تضاد إذا .

فصل :

وأما الاستماع إلى حديث من لا يريد استماعه فهو حرام عملا بالحديث ، وإن كان لا ضرر عليهم في استماعه إليهم ، وله فيه نفع عظيم دينا أو دنيا فلا ، وإن كره ذلك المتحدثون لكن المستمع لا يعلم هل له فيه نفع إلا بعد استماعه إليه ، وبعد دخوله فيما كره له الشارع فغير جائز له ذلك لنهيه - عليه السلام - نهيا عاما . أما من لا يعلم : هل يكرهون ذلك ؟ فالصواب -كما قال ابن جرير - المنع إلا بإذنهم له في ذلك للخبر الذي روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الدخول بين المتناجيين في كراهية ذلك إلا بإذنهم .

فصل :

والتصوير سلف في الزينة أنه حرام فيما له صورة ، وأرخص ابن [ ص: 248 ] عباس في تصوير الشجر ونحوها ، ومنهم من جعل خبر النمرقة السالف ناسخا لحديث النهي ؛ لأجل أنهم كانوا حديثي عهد بعبادة الصور ، ثم أبيح الرقم للحاجة إلى اتخاذ الثياب ، ولا يؤمن على الجاهل تعظيم ما يوطأ ويمتهن . وقال ابن الجلاب : لا بأس بذلك في الثياب والبسط . وفي "المعونة " : لا يجوز اتخاذ التماثيل في بناء أو لباس أو فراش إلا أن يكون رقما في مداس .

التالي السابق


الخدمات العلمية