التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6643 7050 ، 7051 - حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنا فرطكم على الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم " .

قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم . قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه : قال : "إنهم مني ، فيقال إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي " . [انظر : 6583 ، 6584 - مسلم : 2290 - فتح: 13 \ 3 ]


ذكر أحمد في تفسيره -فيما عزاه إليه ابن الجوزي في "حدائقه " -

[ ص: 275 ] حدثنا أسود ، ثنا جرير : سمعت الحسن قال : قال الزبير بن العوام : نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلنا نقول : ما هذه الفتنة ، وما نشعر أنها تقع حيث وقعت ، وعنه أنه قال يوم الجمل لما لقي ما لقي : ما توهمت أن هذه الآية نزلت فينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - اليوم .

وقال الضحاك : هي في أصحاب محمد خاصة . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أمر الله المؤمنين أن لا يقروا منكرا بين ظهورهم وأنذرهم بالعذاب .

وقيل : إنها تعم الظالم وغيره . وقال المبرد : إنها نهي بعد نهي لأمر الفتنة ، والمعنى في النهي للظالمين أن لا تقربوا الظلم .

وحكى سيبويه : لا أرينك ها هنا . أي : لا تكن ها هنا ، فإنه من كان ها هنا رأيته . والشيخ أبو إسحاق يذهب إلى أن معناه الخبر ، وجاز دخول النون في الخبر ؛ لأن فيه قوة الجزء . وقال علي بن سليمان : هو دعاء .

ثم ساق البخاري في الباب ثلاثة أحاديث :

أحدها : حديث أسماء - رضي الله عنها - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : "أنا على حوضي أنتظر من يرد علي ، فيؤخذ بناس من دوني فأقول : أمتي . فيقال : إنك لا تدري ، مشوا على القهقرى " . قال ابن أبي مليكة : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن .

[ ص: 276 ] ثانيها : حديث أبي وائل ، عن عبد الله - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت لأتناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : يا رب ، أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

ثالثها : حديث أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعد - رضي الله عنه - : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "أنا فرطكم على الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ (بعده ) أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم " .

قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم . قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه : قال : "إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك . فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي " .

الشرح :

حوضه - صلى الله عليه وسلم - معروف ، وماؤه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، تربته المسك وجانباه قباب اللؤلؤ .

ومعنى ("أنتظر من يرد علي " ) . أي : من يحضرني ليشرب .

و ("القهقرى " ) مقصور ، قال الجوهري : القهقرى : الرجوع إلى الخلف فإذا قلت : رجعت القهقرى فكأنك قلت : رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم ؛ لأن القهقرى ضرب من الرجوع .

وقال الأزهري : معنى الحديث الارتداد عما كانوا عليه .

[ ص: 277 ] وقوله : ("أنا فرطكم " ) هو بفتح الراء ، أي : أتقدمكم ، وهو من يتقدم الوارد ، فيهيئ لهم الإرشاء والدلاء ، وعدد الحياض ، ويسقي لهم ، وهو فعل بمعنى فاعل ، كتبع بمعنى تابع ؛ يقال : رجل فرط ، ومنه الدعاء للطفل الميت : اجعله (لنا ) فرطا . أي : أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه .

وقوله : ("أهويت لأتناولهم " ) أي : أومأت .

وقوله : ("اختلجوا " ) . يقال : خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه ،

قال صاحب "العين " : خلجت الشيء واختلجته : جذبته .

ومعنى ("لم يظمأ " ) لم يعطش ، وسحقا : بعدا .

و ("السحيق " ) البعيد ، ومنه قوله تعالى : فسحقا لأصحاب السعير [الملك : 11 ] ومعنى ذلك : الدعاء على من غير وبدل ، كقوله : أبعده الله .

قال الداودي : وليس هذا بما يحتم به للمختلجين بدخول النار ؛ لأنه قد يحتمل أن يختلجوا وقتا فيلحقهم من هول ذلك (اليوم ) وشدته ما شاء الله ، ثم يتلاقاهم الله بما شاء من رحمته ، ولا يدل قوله : "سحقا سحقا " أنه لا يشفع لهم بعد ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد يلقي لهم ذلك في قلبه وقتا ليعاقبهم بما شاء إلى وقت يشاء ، ثم يعطف قلبه عليهم ؛ فيشفع لهم .

وقد جاء في الحديث : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . قلت :

[ ص: 278 ] ما عدا الشرك . وقد قال بعض السلف : فالذين يعرفهم ويحال بينه وبينهم إنهم هم المرتدون ، وقد أسلفناه عن الأزهري أيضا ، واستدل على ذلك بقوله : "يا رب أصحابي فيقال : ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى " . كما سلف في باب : الحوض ، في آخر الرقاق .

فصل :

كان سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من الفتن ومن شرها ، ويتخوف من وقوعها ؛ لأنها تذهب بالدين وتتلفه ، وفي الآية إرشاد إلى أن الفتنة إذا عمت هلك الكل ، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر ، وقد سألت زينب - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . عن هذا المعنى فقالت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث " . وسيأتي قريبا ، وهو بفتح الخاء المعجمة ثم باء موحدة ثم مثلثة ، ونهلك -بكسر اللام وحكي فتحها - وفسر العلماء الخبث بأولاد الزنا ، وزعم ابن قتيبة : أنه الفسوق والفجور ، والعرب تدعو الزنا خبثا وخبثة . وفي الحديث : أن رجلا وجد مع امرأة يخبث بها . أي : يزني . قال تعالى : الخبيثات للخبيثين [النور : 26 ] فإذا ظهرت المعاصي ولم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها ، فإن لم يفعلوا فقد تعرضوا للهلاك إلا أن الهلاك [ ص: 279 ] طهارة للمؤمنين ونقمة على الفاسقين ، وبهذا قال السلف . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ولا يستقر فيها .

واحتج بصنع أبي الدرداء إلى خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا وهو من الكبائر وأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها . فقال له أبو الدرداء : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا لا مثلا بمثل ؛ فقال معاوية : ما أرى بمثل هذا بأسا ؛ فقال أبو الدرداء : فمن يعذرني من معاوية ؟ أنا أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت فيها .

وأما أحاديث (هذا ) الباب في ذكر من يعرفهم من أمته ويحال بينهم وبينه لما أحدثوا بعده ، فذلك كل حدث في الدين لا يرضاه الله من خلاف جماعة المسلمين وجميع أهل البدع كلهم ، فهم مبدلون محدثون ، وكذلك أهل الظلم والجور وخلاف الحق وأهله ، كلهم محدث مبدل . ليس في الإسلام داخل في معنى هذا الحديث .

فصل :

في هذه الأحاديث الإيمان بحوضه - عليه السلام - على ما ذهب إليه أهل السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية