التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6648 [ ص: 281 ] 7057 - حدثنا محمد بن عرعرة ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن أسيد بن حضير ، أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، استعملت فلانا ولم تستعملني . قال : " إنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني " . [انظر : 3792 - مسلم : 1845 - فتح: 13 \ 5 ]


ثم ساق أربعة أحاديث :

أحدها : حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها " . قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : "أدوا إليهم حقهم ، واسألوا الله حقكم " .

ثانيها : حديث الجعد ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من كره من أميره شيئا فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية " .

وعن الجعد أبي عثمان ، حدثني أبو رجاء العطاردي : "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية " .

ثالثها : حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : بايعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله : "إلا أن تروا كفرا بواحا ، عندكم من الله فيه برهان " .

رابعها : حديث أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ، أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، استعملت فلانا ولم تستعملني . قال : "إنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني " .

[ ص: 282 ] الشرح :

أما حديث عبد الله بن زيد ؛ فقد سلف في التفسير ، فقال : "إنكم " . زاد الترمذي فيه : "حتى تلقوني على الحوض " . ثم قال : حسن صحيح ، (وخرج حديث ابن مسعود أيضا ثم قال : حسن صحيح ) ، ولابن ماجه بإسناد جيد من حديث الصنابحي "ألا إني فرطكم على الحوض فلا تقتتلن بعدي " .

وحديث أسيد -وهو بضم الهمزة ، وحضير : بضم أوله ثم ضاد مفتوحة - بن سماك بن عتيك أبو يحيى أو أبو حضير أو أبو عبيد الأنصاري . أخرجه مسلم في المغازي ، والترمذي هنا ، والنسائي هنا وفي القضاء أيضا .

وفي هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم ، والفقهاء يجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمة ما أقام الجماعات والجهاد ، فإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، ألا ترى قوله لأصحابه : "سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها " . فوصف أنه سيكون عليهم أمراء يأخذون الحقوف ويستأثرون بها ويؤثرون بها من لا تجب له الأثرة ، ولا يعدلون فيها وأمرهم بالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم

[ ص: 283 ] من الجور . وذكر علي بن معبد ، عن علي أنه قال : لا بد من إمامة برة أو فاجرة . قيل له : هذه البرة لا بد منه ، فما بال الفاجرة ؟ قال : يقام بها الحدود ، ويؤمن بها السبيل ، ويقسم بها الفيء ، ويجاهد بها العدو .

ألا ترى حديث ابن عباس وعبادة - رضي الله عنه - : "وأن لا ينازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا " يدل هذا كله على ترك الخروج على الأئمة وأن لا تشق عصا المسلمين ولا ينسب إليه سفك الدماء وهتك الحريم إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام ، فلا طاعة لمخلوق عليه ، وقد سلف هذا المعنى في الجهاد ويأتي في الأحكام أيضا .

فصل :

قال الداودي : قوله : ("سترون بعدي أثرة " ) يعني : للأنصار وصاهم أن يصبروا عندما ينقصون من حظهم في العطاء .

وقوله : ("أثرة " ) هو من الاستئثار بالشيء ، والاسم : الأثرة .

وقوله : ("أدوا إليهم حقهم " ) يعني : الزكوات والخروج في البعوث ، وغير ذلك من حقوقهم .

وقوله : ("وسلوا الله حقكم " ) قال الداودي : يقول : اسألوا الله أن يأخذ لكم حقكم ويقيض لكم من يؤديه إليكم . قال زيد : يسألون الله سرا ؛ لأنهم إن سألوه جهرا كان سبا للولاة ، (ويؤدي إلى الفتنة ) .

[ ص: 284 ] وقوله : ("من خرج من الجماعة شبرا " ) يعني : في الفتنة التي يكون فيها بعض المكروه . وقوله : ("مات ميتة جاهلية " ) أي : صار فعله فعل الجاهلية الذين يستحلون قتل بعضهم بعضا ، وميتة بكسر الميم كالجلسة والركبة .

فصل :

وقوله : (في منشطنا ) . أي : حين نشاطنا -هو بفتح الشين - لأن ماضيه نشط بكسرها .

وقوله : (ومكرهنا ) . أي : في الأشياء التي يكرهونها . قاله الداودي .

قال ابن التين : والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج فيكون مطابقا لقوله : منشطنا .

وقوله : (وأن لا ننازع الأمر أهله ) . أي : لا يخرج على المتولي .

فصل :

قال الداودي : الذي عليه العلماء في أمر أئمة الجور إن قدر على خلعه من غير فتنة تكون ولا ظلم فعلى الناس خلعه ، وإن لم يوصل إلى ذلك إلا بارتكاب محض الظلم فهو الذي أمروا فيه بالصبر . وقال أبو محمد عبد الجليل في "نكت التمهيد " : أجمعوا أنه لا يجوز ابتداء العقد لفاسق ولا لساقط العدالة ، فلو عقد للعدل ثم أحدث جورا أو غصبا للمال وانتهاك المحارم . ففي جواز الخروج عليه قولان :

قال الشيخ أبو الحسن : يجوز إذا أمن الناس .

وقال هو والقاضي : لا يجوز ولا يسوغ عزله وإن أمن الناس ؛ لأن الأحاديث في ذلك كثيرة ، فلا يجوز الخروج عليه بجور يحدثه ، إلا أن [ ص: 285 ] يكفر أو يدعو إلى بدعة وضلالة فيجوز حينئذ الخروج عليه لا غير ، ويدل على صحة هذا القول قوله : "إلا أن تروا كفرا بواحا أو صراحا ظاهرا " من قولهم : باح بسره . أي : أظهره ، وصرح به .

قال الخطابي : ("بواحا " ) يريد ظاهرا باديا ، ومنه قوله : باح بالشيء يبوح به بوحا وبؤوحا إذا أذاعه وأظهره ، ومن رواه (براحا ) فالبراح بالشيء مثل البواح أو قريبا منه ، وأصل البراح : الأرض (القفر ) التي لا أنيس بها ولا بناء فيها . وقال غيره : البراح البيان ، يقال : برح الخفاء . أي : ظهر . وفي حديث آخر : "استقيموا لقريش ما استقامت لكم " . أي : ما أطاعوا الله .

وقوله : ("عندكم من الله فيه برهان " ) . يريد نص آية أو توقيفا يحتمل التأويل مثل : قد جاءكم من ربكم وما دام فعلهم يحتمل وجها من التأويل فلا يجوز الخروج عليهم ، وقد مثل بعض أحبار المتأخرين من يقوم على السلطان بمن يبني قصرا ويهدم مصرا .

وقوله : (استعملت فلانا ولم تستعملني . قال : "فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني " ) . وقال الداودي : هو كلام نفي بعضه ، وهذا كلام ليس من الأول ، إلا أنه أخبر عن هذا الرجل ممن يرى الأثرة وأوصاهم بالصبر .

قلت : الظاهر أنه كلام وأنه جواب لما ذكر .

[ ص: 286 ] فصل :

الجعد السالف هو ابن دينار (العسكري ) البصري الصيرفي ، سمع أبا رجاء العطاردي عمران بن ملحان ، ويقال : إبراهيم وأنس بن مالك اتفقا عليه ، وعلى الجعد بن عبد الرحمن بن أوس ، ويقال في هذا : جعيد أيضا مصغرا . روى لابن عبد الرحمن مسلم حديثا واحدا عن محمد بن عباد ، عن حاتم ، عن الجعد ، عن السائب بن يزيد قال : ذهبت بي خالتي . وليس في الصحيحين جعد غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية