التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6651 7060 - حدثنا أبو نعيم ، حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري .

وحدثني محمود ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال : أشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أطم من آطام المدينة ، فقال : "هل ترون ما أرى ؟ " . قالوا : لا . قال : " فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر " . [انظر : 1878 - مسلم : 2885 - فتح: 13 \ 11 ]


ذكر فيه حديث الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش أنها قالت : استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - محمرا وجهه يقول : "لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " . وعقد سفيان تسعين أو مائة . فقيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : "نعم ، إذا كثر الخبث " .

وحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال : أشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أطم من آطام المدينة ، فقال : "هل ترون ما أرى ؟ " . قالوا : لا . قال : "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع (القطر ) " .

[ ص: 291 ] الشرح :

أما حديث زينب بنت جحش فقد اجتمع فيه ثلاثة من الصحابيات بعضهن عن بعض ، وزاد مسلم رابعة فإنه أخرجه من حديث زينب بنت أم سلمة ، عن حبيبة ، عن أم حبيبة ، عن زينب ؛ وهو يؤذن بانقطاع في طريق البخاري ، واجتماع أربع من الصحابة كثير . أخرج الحافظ عبد الغني حديث السائب بن يزيد ، عن حويطب بن عبد العزى ، عن عبد الله بن السعدي ، عن عمر مرفوعا في العمالة ، وحديث نعيم بن همار ، عن المقدام بن معدي كرب ، عن أبي أيوب الأنصاري ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، وأفرده (الرهاوي ) عبد القادر بالتأليف ، فذكر حديث - المسور بن مخرمة ، عن أسامة ، عن امرأة حمزة بن عبد المطلب ، عن حمزة - حديث الكوثر ، وحديث أنس - رضي الله عنه - ، عن عمر ، عن أبي بكر ، عن أبي هريرة حديث التمر ، وحديث جابر ؛ عن زيد بن أرقم ، عن أبي سعيد ، عن قتادة بن النعمان وغير ذلك ، وقد أسلفنا أكثر من ذلك .

وقال الإسماعيلي : روى حديث زينب ، عن ابن عيينة جماعة منهم : أبو خيثمة وإسحاق بن أبي إسرائيل ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ونصر بن علي ومحمد بن الصباح وإبراهيم الجوهري وسعيد الأموي وهارون بن عبد الله وعبد الله بن عمر وغيرهم ؛ كلهم قال : (عن ) [ ص: 292 ] الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن حبيبة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، ورواه الفريابي ، عن قتيبة كذلك قال : وقال أبو موسى قال لي الأسود بن عامر : كيف تحفظ هذا عن ابن عيينة ؛ فأخبرته فقال : لكنه لم يعطنا هكذا : حدثنا عن الزهري ، عن عروة ، عن أربع نسوة كلهن قد أدركن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهن عن بعض ، ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان بمثله ، وعند الرهاوي : رواه عن الزهري فأسقط زينب بنت جحش ، ورواه معمر عنه فلم يذكر حبيبة ولا أمها .

وأما حديث أسامة فأخرجه هنا من طريق ابن عيينة ومعمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عنه ، وذكره في الحج من طريق سفيان به . ثم قال : تابعه معمر وسليمان بن كثير ، عن الزهري ، وقد علمت متابعة معمر هنا .

فصل :

وهذه الأحاديث كلها بما أنذر الشارع بها أمته وعرفهم قرب الساعة ؛ لكي يتوبوا قبل أن يهجم عليهم وقت غلق باب التوبة حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج من آخر الأشراط ، فإذا فتح من ردمهم في وقته - عليه السلام - مثل عقد التسعين أو مائة ، فلا يزال الفتح يستدير ويتسع على مر الأوقات .

[ ص: 293 ] وهذا الحديث في معنى قوله - عليه السلام - : "بعثت أنا والساعة كهاتين " . وأشار بإصبعه السبابة والتي تليها .

وقد روى النضر بن شميل ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -رفعه : "ويل للعرب من شر قد اقترب موتوا إن استطعتم " . وهذا غاية في التحذير من الفتن ، والخوض فيها حين يجعل الموت خيرا من مباشرتها ، وكذلك أخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال بيوتهم ؛ ليتوقفوا ولا يخوضوا فيها ويتأهبوا لنزولها بالصبر ، ويسألوا الله العصمة منها والنجاة من شرها ، وقد سلف في أول كتاب الفتن ، كيف يهلك الصالحون ؛ وقد سلف تفسير الخبر هناك .

فصل :

قوله : (وعقد سفيان تسعين أو مائة ) كذا هنا ، وفي رواية : ( وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها ) ، وفي لفظ : (عقد سفيان بيده عشرة ) . وفي حديث أبي هريرة : (وعقد وهيب بيده تسعين ) . وفيها مخالفة ؛ لأن عقد التسعين أضيق من العشرة .

قال عياض : لعله متقدم فزاد هذا الفتح بيده في القدر . قال : أو يكون المراد التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد . وقال الداودي في رواية سفيان : يعني جعل طرف السبابة من وسط الإبهام ، وليس كما ذكر ، وقد علم من مقالة أهل العلم بالحساب أن صفة عقد التسعين أن يثني السبابة حتى يعود طرفها عند أصلها من الكف ويغلق عليه الإبهام .

[ ص: 294 ] فصل :

قوله : (محمرا وجهه ) أي : لشدة الهول .

وقوله : ("ويل للعرب " ) . أي : أهل دين الإسلام ، وهم يومئذ أكثر أهل الإسلام ، وويل مثل ويح إلا أنها تقال لمن وقع في هلكة يستحقها ، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، ويجوز نصبه على إضمار فعل ورفعه ، والردم صنعه ذو القرنين بين السدين ، ويقال : إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى يقاربوا أن ينفذوه ، فإذا أمسوا قالوا : غدا نعود إليه فنتمه فيعيده الله كما كان ، ثم كذلك إلى أن يشاء الله أن ينفذوه فيستثنون فيبقى كما هو فيصبحون فيفتحونه ويخرجون كما قال تعالى : من كل حدب ينسلون [الأنبياء : 96 ] . أي : يسرعون من كل شرق ؛ لكثرتهم ، وإن النحيف منا يحمل تسعة منهم . ويقال : إنهم يمرون ببحيرة طبرية أول زمرة تشرب ماؤها ، والثانية يلحس حمأها ، والثالثة يقولون كان هاهنا ماء .

فصل :

والأطم : الحصون لأهل المدينة ، وآطام جمعه وتثقل أطم وتخفف ، الواحدة أطمة ، وجمعها أطم ، مثل عنق وجمع : أطم : آطام ، مثل جبل وجبال ، وجمع آطام : أطم ، ككتاب وكتب ، وجمع : أطم : آطام كعنق وأعناق ، وقد يظهر من الحديث أن أطما واحد .

[ ص: 295 ] فصل :

ينعطف على الباب قبله قوله : "أغيلمة " بضم الهمزة ثم غين معجمة مفتوحة ، قال الجوهري : جمع غلام غلمة ، واستغنوا بغلمة عن أغلمة ، وتصغير غلمة : أغيلمة على غير تكثير ، كأنهم صغروا غلمة وإن كانوا لم يقولوه كما قالوا : أصيبية في تصغير صبية . وقال بعضهم : (نقول ) غليمة على القياس .

وقال الداودي : أغيلمة . بفتح الألف وكسر الغين . قال : وغلمة -بكسر الغين - جمع غلام ، وغلمة جمع غلام . قال : وروي بإسناد صالح أنه - عليه السلام - رأى في المنام غلمانا من قريش ينزون [على ] منبره نزو القردة . قالت عائشة - رضي الله عنها - : فما استجمع بعدها ضاحكا حتى لقي الله تعالى .

قال : وروي بإسناد جيد أن مروان دخل على عمرو بن عثمان يعوده بالمدينة وهو مريض ، فأبطأ عنده ، وكانت ابنة معاوية عنده فاسترابت إبطاءه ، فوقفت إلى الباب من حيث لا يدري ، وإذا هو يقول له : لم تركت هذا الأمر لمعاوية ؟ وإنما وصل إليه من قبل أبيك ونحن أكثر منهم عددا ، فلان نظير فلان ، وفلان نظير فلان ، حتى أتى على عدد بني حرب ، ثم قال : [فقناهم ] بفلان وفلان ؛ فلما أفاق عمرو خرج [ ص: 296 ] معتمرا ، فركبت بنت معاوية إلى أبيها إلى الشام ، فذكرت ذلك له ، فكتب إلى مروان : إنك جعلت بعدنا عد الحصى ، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إذا بلغ الأمر آل أبي العاصي ثلاثين رجلا أخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا " فكتب إليه مروان : حدثنا أبو عشرة وأخو عشرة (وعم عشرة ) يعني : قد جاوز ما نقول ، وروي مثل قول معاوية عن علي - رضي الله عنه - مرفوعا ، ودغلا -بغين معجمة - أي : أدخلوا فيه ما يفسده ويخالفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية