التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6658 7069 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ح . وحدثنا إسماعيل ، حدثني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن هند بنت الحارث الفراسية ، أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعا يقول : " سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات -يريد : أزواجه - لكى يصلين ؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " . [انظر : 115 - فتح: 13 \ 20 ]


ذكر فيه حديث الزبير بن عدي قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج ، فقال : "اصبروا ، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم " . سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم - .

وحديث هند بنت الحارث ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعا يقول : "سبحان الله! وماذا أنزل الله من الخزائن ؟ . . " . الحديث

وقد سلف في كتاب الصلاة في باب تحريضه على صلاة الليل .

وقوله : ("شر منه " ) كذا وقع في الأصول وهو الفصيح ، وأورده ابن التين بلفظ "أشر " وقال : كذا وقع على وزن أفعل . قال الجوهري : فلان [ ص: 305 ] شر الناس ، ولا يقال : أشر الناس إلا في لغة رديئة .

والخزائن جمع خزانة : وهو الموضع أو الوعاء الذي يخزن فيه الشيء ، سمي بذلك ، لأنه يستر المخزون فيه ، ومنه قيل للقلوب : خزائن ؛ لغوصها واستتارها .

وقوله في آخره : ("رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " ) أي : كاسية من النعم عارية من الشكر ، فهي عارية في الآخرة من الثواب . وقال الداودي : يعني أهل الزيف والسرف عارية يوم القيامة ، قال : ويحتمل أن يريد عارية في النار .

فصل :

حديث أنس من علامات النبوة ؛ لإخباره بتغير الزمان وفساد الأحوال ، وذكر غيب لا يعلم بالرأي ، وإنما يعلم بالوحي ، ودل حديث أم سلمة على الوجه الذي يكون به الفساد ، وهو ما يفتح الله عليهم من الخزائن ، وأن الفتن مقرونة بها ، ويشهد لصحة ذلك قول الله : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى [العلق : 6 - 7 ] فمن فتنة المال ألا ينفق في طاعة الله ، وأن يمنع حق الله ، ومن فتنته السرف في إنفاقه ، ألا ترى قوله : "رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " .

قال المهلب : فأخبر أن ما فتح من الخزائن فتنة الملابس ، فحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وغيرهن أن يفتتن في لباس رفيع الثياب التي

[ ص: 306 ] تفتن النفوس في الدنيا رقيقها وغليظها ، وحذرهن التعري يوم القيامة منها ومن العمل الصالح ، وحضهن بهذا القول أن يقدمن ما فتح الله عليهن من تلك الخزائن للآخرة ، وليوم يحشر الناس فيه عراة ، فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة والإنفاق في سبيل الله ، فمن أراد أن يسبق إلى الكسوة فليقدمها لآخرته ولا يذهب طيباته في الدنيا ، وليرفعها إلى يوم الحاجة .

فصل :

وقوله : ("من يوقظ صواحب الحجرات " ) ندب بعض خدمه لذلك كما قال يوم الخندق : "من يأتيني بخبر القوم " ؛ فلذلك قال : من سهل عليه في الليل أن يدور على أزواجه فيوقظهن للصلاة والاستعاذة بالله مما أراه من الفتن النازلة كي يوافقن الوقت المرجو فيه الإجابة ، فأخبرنا أن حين نزول البلاء (ينبغي ) الفزع إلى الصلاة والدعاء فيرجى كشفه ، لقوله تعالى فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم الآية [الأنعام : 43 ] .

فصل :

هذا كله والذي قبله في الباب الماضي من أعلام النبوة ، وقد رأينا هذه الأشراط عيانا ، وأدركناها فقد نقص العلم لا بل قد ذهب ، وظهر الجهل لا بل كثر وفشا ، وألقي الشح في القلوب ، وعمت الفتن ، وكثر القتل ، والنساء كاسيات عاريات .

التالي السابق


الخدمات العلمية