التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
620 647 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه. ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة". [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 2 \ 131]


وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر.

قلت: قد روي ذلك عن حذيفة وسعيد بن جبير، وذكر الطحاوي [ ص: 422 ] عن الكوفيين ومالك: إن شاء صلى في مسجده وحده، وإن شاء أتى مسجدا آخر يطلب فيه الجماعة، إلا أن مالكا قال: إلا أن يكون في المسجد الحرام أو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يخرجوا منه ويصلوا فيه وحدانا؛ لأن هذين المسجدين الفذ أعظم أجرا ممن صلى في جماعة. وقال الحسن البصري: ما رأينا المهاجرين يبتغون المساجد.

قال الطحاوي: والحجة لمالك أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، والصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة أفضل من الصلاة في غيرها، فلذلك لا يتركهما ابتغاء الصلاة في غيرهما.

وفي "مختصر ابن شعبان" عن مالك: من صلى في جماعة فلا يعيد في جماعة إلا في مسجد مكة والمدينة. ثم قال البخاري: (وجاء أنس إلى مسجد قد صلي فيه فأذن وأقام وصلى جماعة). وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية، عن الجعد أبي عثمان، عنه. وعن هشيم، أنا يونس بن عبيد، حدثني أبو عثمان السكري فذكره.

واختلف العلماء في الجماعة بعد الجماعة في المسجد، فروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود في مسجد قد جمع فيه. وهو قول عطاء والحسن في رواية، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب؛ عملا [ ص: 423 ] بظاهر الحديث: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ"... الحديث.

وقد وقع ذلك في مسجده - صلى الله عليه وسلم - وقال: "أيكم يتصدق على هذا فيصلي معه"... الحديث، كما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وقال: إنه قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين.

وقالت طائفة: لا يجمع في مسجد جمع فيه مرتين، روي ذلك عن سالم والقاسم، وأبي قلابة، وهو قول مالك والليث، وابن المبارك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي قال بعضهم: إنما كره ذلك خشية افتراق الكلمة؛ فإن أهل البدع يتطرقون إلى مخالفة الجماعة وقال مالك والشافعي: إذا كان المسجد على طريق لا إمام له، ولا بأس أن يجمع فيه قوم بعد قوم. وحاصل مذهب الشافعي أنه لا يكره في المسجد المطروق، وكذا غيره إن بعد مكان الإمام ولم يخف فيه.

ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث.

أحدها: حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".

ثانيها: حديث أبي سعيد مثله.

ثالثها: حديث أبي هريرة: "صلاة الرجل في الجماعة تضغف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ [ ص: 424 ] فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه. ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة".

والكلام عليها من أوجه:

أحدها:

أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم أيضا، وعدد الترمذي رواته وقال: عامة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قالوا: بخمس وعشرين إلا ابن عمر، فإنه قال: بسبع وعشرين. وأما حديث أبي سعيد فهو ساقط في بعض النسخ، وهو ثابت في "الأطراف" لأبي مسعود وخلف دون الطرقي وهو من أفراد البخاري، وذكره أبو نعيم هنا بعد حديث ابن عمر، وذكره الإسماعيلي أول الباب قبله.

وأما حديث أبي هريرة فسلف في باب الصلاة في مساجد السوق، ويأتي في البيوع أيضا.

ثانيها:

الجماعة: اسم لعدد من الناس مجتمعون، ويقع على الذكور والإناث.

[ ص: 425 ] وقوله: تفضل صلاة الفذ: كذا هو في عدة نسخ من البخاري، وعزاه ابن الأثير إليه في "شرح المسند" بلفظ: "على صلاة الفذ"، ثم أولها بأن تفضل لما كانت بمعنى: زاد، وهو يتعدى بعلى، أعطاها معناها فعداها بها، وإلا فهي متعدية بنفسها.

قال: وأما الذي في مسلم: "أفضل من صلاة الفذ". فجاء بها بلفظة أفعل التي هي للتفضيل والتكثير في المعنى المشترك فيه، وهى أبلغ من تفضل؛ لأنها تدل على التفضيل دلالة هي أفصح من دلالة تفضل عليه.

والفضل: الزيادة، والفذ: المنفرد بالذال المعجمة، ومعناه: المصلي وحده، ولغة عبد القيس: الفنذ بالنون وهي غنة لا نون حقيقية. قال: وكذلك يقول أهل الشام.

والدرجة: المرتبة والمنزلة يريد أن صلاة الجمعة تزيد على ثواب صلاة الفذ بسبعة وعشرين ضعفا.

والظاهر أن كل درجة بمقدار صلاة الفذ، ولفظ التضعيف يشعر بذلك؛ لأن التضعيف إنما يكون بمثل الشيء المضاعف، وخص الدرجة في هذه الرواية دون الجزء والنصيب والحظ؛ لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، وأنها فوق تلك بكذا وكذا درجة؛ لأن الدرجة إلى جهة فوق.

ثالثها:

اختلف في الجمع بين رواية "سبع وعشرين درجة"، و"خمسة وعشرين ضعفا"، وفي أخرى: في الصحيح: "جزءا" بدل ضعفا [ ص: 426 ] على أوجه وصلتها في "شرح العمدة" إلى ثلاثة عشر وجها، ونذكر هنا منها ثلاثة:

أحدها: أنه لا منافاة بينهما؛ فذكر القليل لا ينفي الكثير، ومفهوم العدد مختلف فيه. قال ابن برهان: والشافعي والجمهور يقولون به.

ثانيها: أن يكون أولا أخبر بالقليل ثم أعلمه الله بزيادة الفضل، فأخبر بها، ولابد من معرفة التاريخ على هذا.

ثالثها: أنه يختلف باختلاف المصلين والصلاة، فيكون لبعضهم خمسا وعشرين، ولبعضهم سبعا وعشرين، بحسب كمال الصلاة من المحافظة على هيئتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وفضلهم، وشرف البقعة، ونحو ذلك. وغلط من قال: إن الدرجة أصغر من الجزء؛ فإن في الصحيح خمسا وعشرين درجة وسبعا وعشرين درجة، وأنه إذا جزئ درجات كان سبعا وعشرين، وقد تكلف جماعة تعليل هذه الدرجات كابن بطال، وابن التين وغيرهما، وما جاءوا بطائل. ولابن حبان فيه مصنف.

[ ص: 427 ] رابعها:

فيه دلالة على سنية الجماعة، وهو قول الأكثرين؛ لأن تفضيل فعل على آخر يشعر بتفضيلهما، وهي هنا مقتضية لذلك، وزيادة فضل الجماعة، وفيه رد على داود حيث قال: إنها شرط للصحة وهي رواية عن أحمد.

وبقية فوائده ومتعلقاته أوضحته في "شرح العمدة".

وأما حديث أبي سعيد فانفرد بإخراجه البخاري، وأما حديث أبي هريرة فسلف في باب الصلاة في مساجد السوق، وباب الحدث في المسجد، ويأتي أيضا في البيوع.

التالي السابق


الخدمات العلمية