التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6664 7075 - حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها -أو قال : فليقبض بكفه - أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء" . [انظر : 452 - مسلم : 2615 - فتح: 13 \ 24 ]


ساقه من حديث ابن عمر وأبي موسى - رضي الله عنهم - .

[ ص: 308 ] ثم ساق من حديث محمد -هو ابن سلام - إلى أبي هريرة مرفوعا قال : "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح ، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار " .

وحديث جابر : مر رجل بسهام في المسجد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمسك بنصالها " . قال : نعم .

وفي لفظ أن رجلا مر في المسجد بأسهم قد أبدى نصولها ، فأمر أن يأخذ بنصولها ، لا يخدش مسلما .

وحديث أبي موسى مرفوعا : "إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها -أو قال : فليقبض بكفه - أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء " .

الشرح :

معنى ("فليس منا " ) ، أي ليس من شريعتنا ، فليس متبعا لها ولا سالكا سبيلنا ؛ لقوله - عليه السلام - : "ليس منا من شق الجيوب " ونظائره ؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ولا يخذله ولا يسلمه ، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فمن خرج عليهم بالسيف بتأويل فاسد رآه فقد خالف ما سنه الشارع من نصرة المؤمنين وتعاون بعضهم لبعض ، وقيل : يعني إذا كان مستحلا ، ويحتمل أن يريد أنه ليس بكامل الإيمان ، والفقهاء يجمعون على أن الخوارج من جملة المؤمنين لاجتماعهم كلهم على أن الإيمان لا يزيله [ ص: 309 ] إلا الشرك بالله ورسوله والجحد لذلك ، وأن المعاصي غير الكفر لا يكفر مرتكبها ، وفي "مستدرك الحاكم " من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود "أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة ؟ "قال ابن مسعود : الله ورسوله أعلم ، قال : "فإن حكم الله فيهم ألا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم " . وعلته كوثر بن حكيم وهو ضعيف ، وفي رواية للبيهقي : "ولا يقسم فيئهم " ، وذكره ابن بطال عن كتاب "الكف عن أهل القبلة " لأسد بن موسى ، عن هشيم ، ثنا كوثر بن حكيم ، ثنا نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا به ، وبالزيادة الأخيرة . ثم قال : وبهذا عمل علي بن أبي طالب ورضيت الأمة أجمع بفعله هذا فيهم . وقال الحسن بن علي : لولا علي بن أبي طالب ما تعلم الناس كيف يقاتلون أهل القبلة ، فقاتلهم على ما كان عنده من العلم فيهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم ، فموارثتهم قائمة ، ولهم حكم الإسلام .

فصل :

ونهيه عن الإشارة بالسلاح ، وأمره بأن يمسك نصالها من باب الأدب وقطع الذرائع ألا يثير أحد به خوف ما يؤول منه ويخشى من نزغ الشيطان .

[ ص: 310 ] فصل :

وقوله : ("فيقع في حفرة من النار " ) أي : إن أنفذ الله عليه وعيده ، وهو مذهب أهل السنة .

وقوله : ("ينزع " ) بالعين المهملة ، وذكره ابن بطال بالمعجمة ، فقال : ومن رواه به ، فقال صاحب "العين " : نزغ بين القوم نزغا : حمل بعضهم على بعض لفساد ذات بينهم ، ومنه نزغ الشيطان . وقال صاحب "الأفعال " : نزغ بيد أو رمح : طعن ، ثم قال : ومن رواه بالمهملة فهو قريب من هذا المعنى . وقال صاحب "العين " : نزعت الشيء من الشيء نزعا : قلعته منه ، ونزع بالسهم : رمى به ، وعليه جرى ابن التين فقال : قوله : "لعل الشيطان ينزع في يده " أي : يقلعه من يده فيصيب به . وقيل : يشد يده فيصيبه ، والخدش أقل من الجراح .

وقوله : ("فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين " ) هو مثل قوله تعالى يبين الله لكم أن تضلوا [النساء : 176 ] قال الكسائي : المعنى : لئلا تضلوا ، ومثله الحديث "لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله تعالى إجابة " ، أي : لئلا يوافق ، وهذا القول عند البصريين خطأ ، لا يجيزون إضمار لا ، والمعنى عندهم : كراهة أن تضلوا ، ثم حذف ، مثل واسأل القرية [يوسف : 82 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية