التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6669 7080 - حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير ، عن جده جرير قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع "استنصت الناس " . ثم قال : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" . [انظر : 121 - مسلم : 65 - فتح: 13 \ 26 ]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها : حديث شقيق قال : قال عبد الله - رضي الله عنه - : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .

ثانيها : حديث ابن عمر وابن عباس وجرير وأبي بكرة مرفوعا بمتن الباب ، لكن لفظ ابن عباس : "لا ترتدوا " بدل : "لا ترجعوا " قال جرير : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع "استنصت الناس " .

ثم قال : وقال : وحدثنا مسدد ، ثنا يحيى ، ثنا قرة بن (خالد ) ، ثنا ابن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة وعن رجل آخر أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة - أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال : "ألا تدرون أي يوم هذا ؟ . . " . الحديث ، وقد سلف .

وفيه : " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا . . "الحديث .

وفيه : " فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له " فكان كذلك ، قال : "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " . فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة . قال : أشرفوا على [ ص: 313 ] أبي بكرة . فقالوا : هذا أبو بكرة يراك . قال عبد الرحمن : فحدثتني أمي عن أبي بكرة أنه قال : لو دخلوا علي ما بهشت بقصبة .

الشرح :

الرجل الآخر هو حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري ، سماه أبو عامر ، عن قرة ، عن ابن سيرين ، ورواه مسلم ، عن أحمد بن خراش ، ومحمد بن عمرو بن جبلة ، عن أبي عامر .

وحميد بن عبد الرحمن هذا ، من أفراد مسلم .

وأبو بكرة اسمه نفيع أخو نافع وزياد ، أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة ، وقيل : أبوه مسروح ، وأن الحارث استلحقه ، وكان تدلى إلى رسول الله يوم الطائف ببكرة فقيل له : أبو بكرة ، فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والعتقاء من ثقيف والطلقاء من قريش .

وفي سند حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - واقد ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، وهو واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، اتفقا عليه ، وانفرد مسلم بواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي لا ثالث لهما .

وشيخ البخاري في حديث ابن عمر محمد بن إشكاب ، وهو أبو جعفر محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحارث وزغلان المعافري (النسائي ) الأصل البغدادي ، أخو أبي الحسن علي الأكبر ، وإشكاب

[ ص: 314 ] لقب لأبيهما الحسين ، روى عن محمد البخاري وأبو داود والنسائي ، ولد سنة إحدى وثمانين ومائة ، ومات سنة إحدى وستين ومائتين . وروى عن أخيه علي الكبير أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي : ثقة ، ومات في شوال سنة إحدى وستين ومائتين ، ومات في هذه السنة مسلم بن الحجاج في رجب منها ، ومات البخاري قبلهم ليلة السبت (يوم الفطر منه ) سنة ست وخمسين .

فصل :

هذا الباب في معنى الذي قبله ، فيه النهي عن قتل المؤمنين بعضهم بعضا ، وتفريق كلمتهم ، وتشتيت شملهم ، وليس معنى قوله : "لا ترجعوا بعدي كفارا " النهي عن ضد الإيمان ، وإنما المراد كفر حق المسلم على المسلم الذي أمر به من التناصر والتعاضد ، والكفر -في لسان العرب - التغطية ، وكذلك قوله : "قتاله كفر " يعني : بحقه وترك موالاته ونصره ؛ للإجماع على أن المعاصي لا يكفرون بارتكابها ، وقيل : المعنى : لا يكفر بعضكم فتستحلوا أن تقاتلوا ويضرب بعضكم رقاب بعض . وقيل : إنه أراد بالحديث أهل الردة . حكاهما الخطابي .

قال موسى بن هارون : هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر ، وقد سلف في باب الخطبة في أيام منى من كتاب الحج زيادة في معنى هذا الحديث ، فراجعه .

[ ص: 315 ] فصل :

قال المهلب : وابن الحضرمي رجل امتنع من الطاعة فأخرج إليه (جارية ) بن قدامة جيشا فظفر به في ناحية من العراق ، وكان أبو بكرة يسكنها ، فأمر (جارية ) بصلبه فصلب ، ثم ألقى النار إلى جذع الذي صلب فيه بعد أيام ، ثم أمر جارية من (حشمه ) أن يشرفوا على أبي بكرة ؛ ليختبروا إن كان يحارب فيعلم أنه على غير طاعة أو يستسلم فيعرف أنه على الطاعة ، فقال له (حشمه ) : هذا أبو بكرة يراك وما صنعت في ابن الحضرمي وما أنكر عليك بكلام ولا بسلاح ، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في علية له ؛ فقال : لو دخلوا علي داري ما بهشت ، فكيف أن أقاتلهم بسلاح ؛ لأني لا أرى الفتنة في الإسلام ، ولا التحرك فيها (يعني ) إحدى الطائفتين .

قال ابن عبد البر : أرسل معاوية عبد الله بن الحضرمي ليأخذها له من زياد ، وكان أميرا بها لعلي ، فكتب زياد إلى علي ، فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي ، فقتل غيلة ، فبعث علي بعده (جارية ) بن قدامة ، فأحرق على ابن الحضرمي الدار التي يسكنها ، وكان ينزل في بني تيم في دار ابن شبل .

[ ص: 316 ] فصل :

معنى : (ما بهشت بقصبة ) : ما مددت يدي إليها ، ولا تناولتها لأدافع بها . وعبارة صاحب "الواعي " : يريد ما بادرت ولا حننت . وقيل معناه : وما قاتلت . قاله عياض ، وهو بموحدة ثم شين معجمة ، وقال الطبري : معناه ما تناولتهم ولا مددت يدي إليهم بسوء ، يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وتناوله وأسرع إليه : بهش إلى كذا . سأل رجل ابن عباس عن حية قتلها ، فقال : هل بهشت إليك ؟ أي : أقبلت أو أسرعت إليك ، ويقال للرجل إذا أراد معروف الرجل أو أراد مكروهه وتعرض لخيره أو شره . بهش فلان إلى كذا وكذا ، وفي كتاب "الأفعال " : بهشت إلى فلان (خففت ) إليه ، ورجل بهش وباهش ، وفي "الموعب " : بهش بيده بهشا مثال ذبح تناول الشيء فنالته يده أو قصرت عنه . وبهش القوم بعضهم إلى بعض ، وهو من أدنى القتال . وقال ابن التين : أي : ما قمت إليه . قال الجوهري : بهش يبهش بهشا إذا ارتاح له وخف إليه ، وهو بفتح الهاء . قال ابن التين : ورويناه بكسرها ، قال : وقيل معناه : ما رميت بقصبة ، وقيل : ما تركت . وقال بعضهم : البهش : المسارعة إلى أخذ الشيء . قال : وقيل : ما تركت ،

[ ص: 317 ] وقال بعضهم لابن (حبناء ) :


سبقت الرجال الباهشين إلى العلا كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد



وهذا البيت عزاه الطبري للنابغة .

وقال الأزهري : هو للمغيرة بن حبناء وليس في ديوان المغيرة بن حبناء فكأن الصواب ما قاله الطبري ، ولفظه عنده (إلى الندى ) بدل (العلا فعالا ومجدا والفعال سباق ) .

وقوله : ("يضرب بعضكم رقاب بعض " ) من جزم الباء من "يضرب " أوله على الكفر الحقيقي الذي فيه ضرب الأعناق ، ومن رفعها فكأنه أراد الحال أو الاستئناف ، ولا يكون متعلقا بما قبله ، وقد أسلفنا حكاية قولين في قوله "كفارا " هل هو من لبس السلاح ؟ يقال : كفر فوق درعه إذا لبس فوقها ثوبا آخر ، أو يكفر الناس فيكفر كفعل الخوارج كما قال - عليه السلام - : "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " ، وقال الداودي : لا تستحلوا من المؤمنين ما تستحلون من الكفار فتكونوا كفارا ، ولا تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حراما ، فذلك كفر نعمة وقريب من الإثم في الكفر .

فصل :

قوله : ("أي يوم هذا ؟ " ) كان بمنى ، وكان هذا في خطبته كالوداع ؛ فسميت حجة الوداع لذلك .

[ ص: 318 ] وقوله : ("كحرمة يومكم . . " ) إلى آخره يعني : حرمة الظلم لأن الظلم في الحرم وإثمه أعظم من إثم الظلم في غيره .

وقوله : ("وأبشاركم " ) هو جمع بشر ، وهو ظاهر جلد الإنسان ، وأما البشر الذي هو الإنسان فلا يثنى ولا يجمع ؛ قال القزاز : وأجاز قوم تثنيته فقط ؛ لقوله تعالى أنؤمن لبشرين مثلنا [المؤمنون : 47 ] .

فصل :

قوله : (فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي ) بخط الدمياطي : (الوجه ) أحرق وأحرقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية