التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6671 7082 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " . [انظر : 3601 - مسلم : 2886 - فتح: 13 \ 30 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به " . (وفي لفظ "من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به " ) .

الشرح :

زاد الإسماعيلي : "والنائم فيها خير من اليقظان ، واليقظان فيها خير من القاعد " ، ولمسلم " والنائم فيها خير من اليقظان " ، وفي حديث أبي [ ص: 320 ] بكرة "ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي إليها ، فإن أنزلت أو وقعت " ، وللبزار : "ستكون فتن ، ثم تكون فتن " بزيادة : "والمضطجع خير من القاعد فيها " قال : هذا الحديث لا نعلم (يروى ) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ، ولم يروه عن مسلم بن أبي بكرة إلا عثمان الشحام ، وقد روى عنه غير واحد ، ولم يسندوه عنه .

ولأبي داود : "المضطجع فيها خير من الجالس ، والجالس خير من القائم " . وعن ابن مسعود : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . فذكر بعض حديث أبي بكرة ، وعن خريم بن فاتك الأسدي (رفعه ) ، كما حدث ابن مسعود ، وعن أبي موسى "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ؛ القاعد فيها خير من القائم والماشي فيها خير من الساعي " . وعند ابن ماجه " والقائم فيها خير من الماشي " ، وللترمذي مثله بزيادة ما في الذي قبله من حديث سعد بن أبي وقاص . ثم قال : حسن .

وروينا من حديث إلى المخلص خرشة بن الحر المحاربي مرفوعا :

[ ص: 321 ] "ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من اليقظان ، والجالس خير من القائم ، والقائم خير من الساعي " ، ولابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن البيلماني عن عبد الله بن فروخ ، عن أنس مرفوعا : "تكون فتنة النائم فيها خير من القاعد " ، ثم قال : قال أبي : هذا خطأ .

فصل :

يريد القاعد عنها خير من القائم الذي لا يستشرفها . قال الداودي : والظاهر أنه إنما أراد أن يكون فيها قاعدا قال : والقائم خير من الماشي في أسبابه لا يردونها ، فربما وقع في شيء يكرهه أو يضره . قال : وقوله : "من تشرف لها " أي : دخل في شيء منها ، قال : وقوله : "تشرفه " معناه : من دخل في شيء منها ، وانتصب قبلته ، ويكون من أشرف لها ، الإشراف لها على حاله من خير أو شر . يقال : أشرف المريض إذا أشفى على الموت ويقال : هم على شرف من كذا . ويقال : استشرفته أي أهلكت ما أشرف منه وأصابته ؛ قال : وروي في حديث : "إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإنها أقرب إلى الله تعالى إذا كانت في قعر بيتها " .

وقوله : ("فمن وجد ملجأ أو معاذا " ) معناهما واحد ، ومعاذ بالفتح ، قال ابن التين : ورويناه بضمها .

فصل :

فإن قلت : ما معنى حديث الباب ، وهل المراد به كل فتنة بين [ ص: 322 ] المسلمين أو بعض الفتن دون بعض ؟ وعلى الأول ما تقول في الفتن الماضية وقد علمت أنه نهض فيها من أخيار الناس خلق كثير .

وإن قلت : الثاني ، فما المعني به ، وما الدليل على ذلك ؟ أجاب الطبري بأنه قد اختلف السلف في ذلك ؛ فقال بعضهم : المراد به جميع الفتن وعليه الاستسلام ولزوم البيوت ، وهي التي قال الشارع فيها : "القاعد فيها خير من القائم " ، وممن قعد فيها : حذيفة ومحمد بن مسلمة وأبو ذر وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو بكرة ، ومن التابعين : شريح والنخعي .

ثم ذكر حجتهم من طريق النظر وهو التأويل ، وإن كان خطأ كالمجتهد ، والواجب إذا اقتتل حزبان من المسلمين بهذه الصفة ترك المعاونة ولزوم البيت ، كما أمر الشارع أبا ذر ومحمد بن مسلمة وابن عمر وما عمل به من تقدم من الصحابة .

وقال آخرون : إذا كانت فتنة بين المسلمين فالواجب لزوم البيوت ، وترك معونة أحد الحزبين ، نعم يدفع وإن أتى على النفس فهو شهيد . روي ذلك عن عمران بن حصين وابن عمر وعبيدة السلماني .

وقال آخرون : كل فرقتين اقتتلا ، فإن كانتا مخطئتين فعلى المسلمين الأخذ على أيديهم والعقوبة وإن كانت أخطأت إحداهما فالواجب الأخذ على الأولى ومعونة الثانية ، روي ذلك عن علي وعمار وعائشة وطلحة ورواية عن ابن عمر ، وقتل أويس القرني مع علي في الرجالة كما قاله إبراهيم بن سعد ، وروى الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه أنه قال : ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت أني لم أقاتل [ ص: 323 ] هذه الفئة الباغية كما أمرني الله . وقال عبد الله بن عمرو : لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "أطع أباك " فأطعته . وقيل لإبراهيم النخعي : من كان أفضل علقمة أو الأسود ؟ فقال : علقمة ؛ لأنه شهد صفين وخضب سيفه بها . وقال : أبو إسحاق شهد مع علي عبيدة السلماني وعلقمة وأبو وائل وعمرو بن شرحبيل . وقال ابن إسحاق : خرج مع ابن الأشعث في الجماجم ثلاثة آلاف من التابعين ليس في الأرض مثلهم أبو البختري والشعبي وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن البصري .

وقال آخرون : كل قتال وقع بين المسلمين ولا إمام لجماعتهم يأخذ المظلوم من الظالم فذلك القتال هو الفتنة التي أمر الشارع بالاختفاء في البيوت فيها ، وكسر السيوف ، سواء أكانتا مخطئتين أو إحداهما . روي ذلك عن الأوزاعي .

قال الطبري : وأنا قائل بالصواب في ذلك وأجمع بين أمره بالبيوت وما عارضه من الأمر بقتال الناكثين والفاسقين والمارقين والأخذ على أيدي السفهاء والظالمين أن الفتنة أصلها البلاء والاختبار ، وكان حقا على المسلمين إقامة الحق ونصرة أهله وإنكار المنكر كما وصفهم الله تعالى بقوله : الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة الآية [النور : 41 ] . فمن أعان المحقة فهو المصيب .

ويستحيل عقلا اقتتالهم وكلاهما محق . والحالة التي وصف الشارع أن : "القاعد فيها خير من القائم " هي حالة البطلان منهما ، يعني : القاعد [ ص: 324 ] عنها خير من الناهض . وكذا إذا أشكل على الناظر خطأ إحداهما وإصابة الأخرى .

ويحتمل أن يكون مخرج الكلام من الشارع ذلك كان في خاص من الناس على ما روي عن عمار لأبي موسى - رضي الله عنهما - ، وتبطأ عن النهوض فيها ، ونهى عن السعي إليها ، وأمر بالجلوس عنها من جلة الصحابة كسعد وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود الأنصاري وابن عمر وأبي موسى وغيرهم يكثر إحصاؤهم .

روى أهل العراق عن علي وعبد الله أنه - عليه السلام - أمر عليا - رضي الله عنه - بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين . وعن أبي سعيد وغيره أنه - عليه السلام - قال : "لتقاتلن على تأويله كما قاتلت على تنزيله " .

وروى أهل الشام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاوية : أنه الذي يقاتل على الحق ، وأنه - عليه السلام - ذكر فتنة ، فمر به عثمان - رضي الله عنه -فقال : "هذا وأصحابه يومئذ على الحق " .

وكل راو منهم لرواية يدعي أنها الحق ، وأن تأويله أولى . وإذا كان الأمر كذلك ، علم أن القول في ذلك من غير وجه النص والاستخراج الذي لا يوجد في مثله إجماع من الأمة على معنى واحد .

ولذلك قيل في قتلى الفريقين ما قيل من رجاء الفريق الآخر (الإصابة ) وأمن على فريق الشبهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية