التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6672 [ ص: 325 ] 10 - باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما

7083 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا حماد ، عن رجل لم يسمه ، عن الحسن قال : خرجت بسلاحي ليالي الفتنة ، فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار " . قيل : فهذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : "إنه أراد قتل صاحبه " . قال حماد بن زيد : فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به ، فقالا : إنما روى هذا الحديث الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن أبي بكرة . حدثنا سليمان ، حدثنا حماد بهذا .

وقال مؤمل : حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد ، عن الحسن ، عن الأحنف عن أبي بكرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ورواه معمر ، عن أيوب . ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه ، عن أبي بكرة .

وقال غندر : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي بكرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولم يرفعه سفيان عن منصور . [انظر : 31 - مسلم : 2888 - فتح: 13 \ 31 ]


حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، حدثنا حماد ، عن رجل لم يسمه ، عن الحسن قال : خرجت بسلاحي ليالي الفتنة ، فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا (التقى ) المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار " . قيل : فهذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : "إنه أراد قتل صاحبه " . قال حماد بن زيد : فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به ، فقالا : إنما روى هذا الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن أبي بكرة . وحدثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بهذا .

[ ص: 326 ] وقال مؤمل : ثنا حماد بن زيد ، ثنا أيوب ويونس وهشام والعلاء ابن زياد ، عن الحسن ، عن الأحنف ، عن أبي بكرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورواه معمر ، عن أيوب . ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه ، عن أبي بكرة .

وقال غندر : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي بكرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولم يرفعه سفيان ، عن منصور .

الشرح :

يشبه أن يكون الرجل الذي لم يسمه حماد هو هشام بن حسان أبو عبد الله القردوسي . كما قال الإسماعيلي في "صحيحه " حدثنا الحسن ، ثنا محمد بن عبيد بن حسان ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا هشام ، عن الحسن ، فذكره توضحه رواية النسائي عن علي بن محمد ، عن خلف بن تميم ، عن زائدة ، عن هشام ، عن الحسن . . الحديث .

ورواه البخاري في الإيمان عن عبد الرحمن بن المبارك ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا أيوب ويونس ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، فيجوز أن يكون أحدهما وأن يكون ما ذكره البخاري بعد . والتعليق عن مؤمل أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى ؛ ثنا أبو موسى ، ثنا مؤمل بن إسماعيل فذكره ، قال : وحدثنا موسى ، ثنا يزيد بن (حيان ) ، ثنا مؤمل ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا أيوب ويونس . . إلى آخره . قال الدارقطني : رواه أيوب ويونس وهشام ومعلى عن الحسن ، عن الأحنف ، عن أبي [ ص: 327 ] بكرة . ورواه حماد بن زيد ، عن يونس وهشام فقال : عن الحسن ، عن الأحنف .

وقال أبو خلف : عبد الله بن عيسى ومحبوب بن الحسن ، عن موسى ، عن الحسن ، عن أبي بكرة . وقال : الثوري وزائدة ؛ عن هشام ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد ، وقد كان حماد إذا جمع بين أيوب وهشام ويونس في الإسناد على إسناد حديث أيوب ، فذكر فيه الأحنف ، وهما لم يذكراه . ورواه قتادة وجسر بن فرقد ومعروف الأعور ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، ولم يذكروا فيه الأحنف .

والصحيح حديث أيوب حدث به عنه حماد بن زيد ومعمر .

وقول البخاري : (ورواه معمر ، عن أيوب ) أخرجه الإسماعيلي ، عن ابن ياسين ، ثنا زهير بن محمد والرمادي قالا : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن الحسن .

وفي "مسند البزار " : حدثنا سلمة بن شيبة وأحمد بن منصور قالا : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بكرة يرفعه .

وحدثنا طالوت بن عبادة ، ثنا سويد بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن الحسن ، عنه مرفوعا بنحوه . وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا أبو بكرة ، وله عنه طرق .

قلت : قد أخرجه النسائي من حديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، [ ص: 328 ] عن يزيد بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري مرفوعا : "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما " الحديث ، وأخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف من حديث أنس مرفوعا : "ما من مسلمين التقيا بأسيافهما إلا كان القاتل والمقتول في النار " .

وقوله : (قال غندر . . ) إلى آخره . قال الإسماعيلي : أخبرنا بحديث غندر أبو يعلى ، ثنا أبو بكر -هو ابن أبي شيبة - ثنا غندر ، ولفظه عند ابن ماجه : "إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على أخيه بالسلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعا " .

وقوله : (ولم يرفعه سفيان ، عن منصور ) قال الإسماعيلي : أوقفه عنه الفريابي ويعلى بن زيد . ورفعه عنه مؤمل ، أخبرنا القاسم وأحمد بن محمد بن عبد الكريم ، عن منصور ، عن ربعي ، عن أبي بكرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا التقيا المسلمان بسيفيهما " الحديث . وفي الباب غير حديث أبي بكرة .

ففي الترمذي من حديث الحذاء ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه : "من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة " وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، مستغرب من حديث الحذاء ، وروى أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة نحوه ، ولم يرفعه ، وزاد فيه : "وإن كان لأبيه وأمه " .

[ ص: 329 ] وفي "علل ابن أبي حاتم " : سألت أبي عن حديث رواه حماد بن زيد ، عن يونس وأيوب ، عن محمد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إن الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى أخيه بحديدة " . فقال أبي : قد رواه حماد بن سلمة ، عن أيوب ويونس ، عن محمد ، عن أبي هريرة مرفوعا . قلت لأبي : فأيهما الصحيح الموقوف أو المسند ؟ قال : المسند أصح . وسألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة فذكره بلفظ : "وإن كان أخاه لأبيه وأمه " فقال أبي : هذا حديث لم يروه إلا ابن عون وهشام بن حسان ، عن محمد ، عن أبي هريرة رفعه . ولا أعلم أحدا رواه عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، وهو منكر بهذا الإسناد .

فصل :

ولهذا الحديث أيضا قعد من قعد من الصحابة عن الدخول في الفتنة ولزموا بيوتهم ، وفسر أهل العلم هذا الحديث فقالوا : إنه ليس على الحتم بأنهما في النار ، وإنما معناه أنهما يستحقانها إلا أن يشاء الله أن يغفر لهما ؛ لأنه - عليه السلام - سماهما مسلمين ، وإن قتل أحدهما صاحبه .

ومذهب جماعة أهل السنة إن شاء الله تعالى في وعيده لعصاة المؤمنين بالخيار بين العفو والعقوبة . وقد أسلفناه واضحا في كتاب الإيمان .

[ ص: 330 ] فصل :

وفيه أيضا دليل أنه إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، واختلفت طائفتان على التأويل في الدين ولم يتبين البغي من أحدهما أنه يجب (القعود ) عنهما وملازمة البيوت ، ولهذا تخلف محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وحذيفة وجماعة عن تلك المشاهد ؛ لأنه لم يتبين لهم ما قام فيه المقتتلون وأخذوا بقوله : "تكون فتن القاعد فيها خير من القائم " فأما إذا ظهر البغي في إحداهما لم يحل لمسلم أن يتخلف عن قتال الباغية ، لقوله تعالى : فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله لو أمسك المسلمون عن ذلك لبطلت فريضة من فرائض الله ، وهذا يدل أن قوله : "فالقاتل والمقتول في النار " ليس في أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنهم إنما قاتلوا على التأويل ، وكلاهما عندنا محمودة مجتهدة برة تقية ، وقد قعد عنها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يروا في ذلك بيانا ، وهم كانوا أولى بمعرفة الحق ، فكيف يحكم لأحد الفريقين على الآخر ، ألا ترى أنه - عليه السلام - شهد لعلي وطلحة والزبير بالشهادة ، فكيف يكون شهيدا من يحل دمه ، وكيف يحكم لأحد الفريقين على الآخر وكلاهما شهداء ؟! روى خالد بن خداش عن الدراوردي ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير على حراء ، فقال -عليه السلام - : "اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد " ، وكل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب على المسلم توقيرهم [ ص: 331 ] والإمساك عن ذكر زللهم ونشر محاسنهم ، وكل من ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور ، وإن كان بعضهم أفضل من بعض وأكثر سوابق .

فصل :

وقيل : معنى الحديث التحذير من الوقوع في الفتن التي لا يعلم حقيقة الظالم فيها من المظلوم ، فكان الصحابة في ذلك بين متأول يرى نفسه على حق ، وآخر يرى أنه أحق منه في تأويله ، وآخر كاف عن الدخول فيها .

فصل :

وقوله : ("كان حريصا على قتل صاحبه " ) جعله مأثوما بالحرص ، وهذا احتج به القاضي ابن الطيب ؛ لأنه يقول : من عزم على المعصية ووطن عليها مأثوم في اعتقاده وعزمه . والفقهاء على خلافه لا يرون عليه شيئا ، وتأولوا هذا الحديث على أن الإثم متعلق فيه بالفعل ؛ لأنه قال : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما " فتعلق بالفعل والمقاتلة ، وهو الذي وقع عليه اسم الحرص هنا .

واحتج الفقهاء بقوله - عليه السلام - : "من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " ، وانفصل عن ذلك على أنه لم يوطن نفسه على فعلها ، وإنما مر ذلك بتفكيره من غير استقرار . وهذا محمول عنه بقوله : "وما (حدثت ) به أنفسها " ، وأما ما نواه ووطن نفسه عليه فهو مؤاخذ به بدليل هذا الحديث ، وبقوله : "إنما الأعمال بالنيات " ، والنية [ ص: 332 ] عمل ، وبقوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه الآية [البقرة :284 ] ، وقوله : واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه وقوله : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم [البقرة : 235 ] وقوله في قوم صالح : ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون [النمل : 50 ] فأهلكهم بذلك .

واختلف قول مالك في الطلاق بالنية ، وإن أصبح ينوي الفطر ولم يأكل ، فشك ابن القاسم في الكفارة ، وقال أشهب : القضاء استحسان بلا كفارة .

فصل :

قوله : "فكلاهما في النار " (كلا ) عند البصريين في تأكيد (الأمرين ) نظير (كل ) في المجموع ، وهو اسم مفرد غير مبني .

وخالف فيه الفراء فقال : إنه مبني ، وهو مأخوذ من كل ، وخففت اللام وزيد الألف للتثنية ، وضعفه البصريون ؛ لأنه لو كان مبنيا لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر مع الاسم الظاهر في قولك : رأيت [ ص: 333 ] كلا الرجلين . ولأن معنى (كلا ) مخالف لمعنى (كل ) ؛ لأن (كلا ) للإحاطة وكلا يدل على شيء مخصوص .

التالي السابق


الخدمات العلمية