التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6673 [ ص: 334 ] 11 - باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ؟

7084 - حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني ، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : "نعم " . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : "نعم ، وفيه دخن " . قلت : وما دخنه ؟ قال : " قوم يهدون بغير هدي ، تعرف منهم وتنكر" . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : "نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها" . قلت : يا رسول الله ، صفهم لنا . قال : "هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : "فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" . [انظر : 3606 - مسلم : 1847 - فتح: 13 \ 35 ]


ذكر فيه حديث حذيفة - رضي الله عنه - : كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر . . الحديث .

كما سلف في باب علامات النبوة .

وهو علم من أعلام نبوته ، وذلك أنه - عليه السلام - أخبر حذيفة بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من أنبيائه الذين هم صفوة خلقه ، وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوبلزوم جماعة المسلمين ، وترك القيام على أئمة الحق ، ألا ترى أنه - عليه السلام - وصف (أئمة ) أزمان الشر فقال : "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " .

[ ص: 335 ] فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته ؛ لأنهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال ، ولم يقل : فيهم من تعرف منهم وتنكر ، كما قال في الأولين ، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم ، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم .

فصل :

اختلف أهل العلم في معنى أمره - عليه السلام - بلزوم الجماعة ، ونهيه عن الفرقة ، وصفة الجماعة التي أمر بلزومها -كما حكاه الطبري - فقال بعضهم : هو أمر إيجاب ، والجماعة هي السواد الأعظم ، وقالوا : كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم ، فهو الحق الواجب ، والفرض الثابت الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه ، وسواء خالفهم في حكم من الأحكام ، أو في إمامهم القيم بأمورهم وسلطانهم فهو مخالف للحق ؛ ذكر من ذلك : روى ابن سيرين قال : لما قتل عثمان - رضي الله عنه - أتيت أبا مسعود الأنصاري ، فسألته عن الفتنة فقال : عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة ، والجماعة حبل الله ، وإن الذي تكرهون من الجماعة خير من الذي تحبون من الفرقة . واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا : "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " . ومن حديث راشد بن سعد ، عن عوف بن

[ ص: 336 ] مالك
- رضي الله عنه - مرفوعا : "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فرقة واحدة في الجنة وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار " . قيل : من هم ؟ قال : "الجماعة " .

وقال أبو زرعة في "تاريخه " : حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك : "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم ضررا قوم (يقيسون ) " . الحديث مردود قال : وهذا حديث صفوان ، وأنكره يحيى بن معين ، وقال ابن عدي : موضوع . وذكره الحاكم في "مستدركه " من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا : "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة . . " الحديث ، ثم قال : هذا حديث (كبير ) في الأصول ، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص ، وعوف بن مالك ، وعبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة واتفقا جميعا على الاحتجاج بالفضل بن موسى رواية عن محمد بن عمرو . قلت : وتابعه النضر بن شميل أخرجه الآجري في "الشريعة " ثم رواه من حديث ابن عمرو وأنس وعلي وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان ، وأخرجه اللكائي في "سننه " من حديث

[ ص: 337 ] أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا ، وروى معتمر بن سليمان (المري ) عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (مرفوعا : "لا تجتمع ) أمتي على ضلالة أبدا ، ويد الله على الجماعة هكذا فاتبعوا السواد الأعظم ؛ فإنه من شذ شذ في النار " .

وقال آخرون : الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة أئمة العلماء ، وذلك أن الله سبحانه جعلهم حجة على خلقه ، وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لها ، وهم المعنيون بقوله : "إن الله لن يجمع أمر أمتي على ضلالة " .

ذكر من قال (ذلك ) : روى المسيب بن رافع قال : كانوا إذا جاءهم شيء ليس في كتاب ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سموه صوافي الأمراء ، فجمعوا له أهل العلم ، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق . وسئل ابن المبارك عن الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم ، فقال : أبو بكر وعمر . فلم يزل (ينزل ) حتى انتهى إلى محمد بن ثابت ابن واقد . قلت : هؤلاء قد ماتوا ، فمن الأحياء ؟ قال أبو حمزة : (السكري ) .

[ ص: 338 ] وقال آخرون : الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين بعد مضيه حتى أقاموا عماده وأرسوا أوتاده وردوه -وقد كاد المنافقون أن ينتزعوا أواخيه ويقلبوه من أواسيه إلى (نصاه ) - وسلكوا في الدعاء منهاجه ، فأولئك الذين ضمن الله لنبيه أن لا يجمعهم على ضلالة ، ولو كان معناه لا يجمع الله في زمن من الأزمان من يوم بعثه إلى قيام الساعة على ضلالة بطل معنى قوله : "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " ، وشبهه من الأخبار المروية عنه - عليه السلام - : أن من الأزمان أزمانا تجتمع فيها أمته على ضلالة وكفر .

وقال آخرون : إنها جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل اتباعها ، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين ، ووجب تعرف وجه الصواب فيما اختلفوا فيه ، والصواب في ذلك كما قال الطبري : إنه أمر منه بلزوم إمام جماعة المسلمين ، والنهي عن فراقهم فيما هم عليه مجتمعون من تأميرهم إياه ، فمن خرج من ذلك فقد نكث بيعته ونقض عهده بعد وجوبه ، وقد قال - عليه السلام - : "من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان " .

[ ص: 339 ] حديث أبي بكرة حجة في ذلك ؛ لأنه - عليه السلام - أمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم ، فبان أن الجماعة المأمور باتباعها هي السواد الأعظم مع الإمام الجامع لهم ، فإذا لم يكن لهم إمام ، وافترق الناس أحزابا فواجب اعتزال تلك الفرق كلها ، على ما أمر به الشارع أبا ذر ، ولو بأن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت ، فذلك خير له من الدخول بين طائفة لا إمام لها خشية ما يئول من عاقبة ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وتشتت الآراء .

فصل :

ذكر صاحب "البديع في تفضيل مملكة الإسلام " ، وهو الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر النيسابوري عن طائفة من المرجئة والكرامية : أن كل مجتهد مصيب في الأصول والفروع جميعا إلا الزنادقة ، واحتجوا بحديث : "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون في الجنة وواحدة في النار " . والمشهور عكسه وهو : اثنان وسبعون في النار . إلا أن الثاني أصح إسنادا فإن صح الأول فالهالك هم الباطنية ، وإن صح الثاني فالناجية هم السواد الأعظم ، وهم أتباع المذاهب الأربعة وهم : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحاب الحديث . وفي بعض الروايات : "وتفترق المجوس على سبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقية في النار" وهذا يؤيد قول من قال : إن للمجوس كتابا وهم جماعة من الصحابة . وقال الجوزقاني في "موضوعاته " في الحديث الأول : ليس له أصل . وقال في حديث أنس : "كلهم في النار إلا فرقة واحدة " ، [ ص: 340 ] وقال : هو حديث حسن غريب مشهور ، رواته كلهم ثقات أثبات ، وقد رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سعد بن أبي وقاص وعلي وأبو الدرداء وعوف بن مالك وابن عمر وجابر وأبو هريرة ( ومعاوية ) وأبو أمامة ، وواثلة ، وعمرو كلهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا فيه : واحدة في الجنة وهي الجماعة .

فصل :

قال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق السري في كتابه "افتراق الأمة " : أهل السنة والجماعة فرقة ، والخوارج خمس عشرة فرقة ، والشيعة ثلاث وثلاثون ، والمعتزلة ستة ، والمرجئة اثنا عشر ، والمشبهة ثلاثة ، والجهمية فرقة واحدة ، والنجارية واحدة ، (والضرارية واحدة والكلابية واحدة ) ، وأصول الفرق عشرة : أهل السنة ، والخوارج ، والشيعة ، الجهمية ، والضرارية ، والمرجئة ، والنجارية ، والكلابية ، والمعتزلة ، والمشبهة .

وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه "فرق الفرق " : إن غير الإسلاميين الدهرية والهيولى أصحاب العناصر الثنوية ( والدناصية ) والمانوية والطبائعية والفلكية والقرامطة .

فصل :

(الدخن ) سلف بيانه وكلام أهل اللغة فيه في باب : علامات النبوة ،

[ ص: 341 ] واقتصر ابن التين هنا على مقالة صاحب "الصحاح " التي أسلفناها هناك ، فقال : هو السكون لعلة لا للصلح .

يقال : هدنة على دخن . أي : سكون لذلك ، وقال الداودي : الدخن يكون من الأمراء ، ولا يزال حال الناس ما صلحت لهم هدايتهم وهم العلماء وأئمتهم وهم الأمراء . وقال عثمان : الذي يزع الإمام الناس أكثر مما يزعهم (القرآن ) . أي : يكفهم .

وقوله : ("يعض " ) . هو بفتح العين ، أصله عضض . بكسر الضاد . ومنه قوله تعالى : ويوم يعض الظالم على يديه [الفرقان : 27 ] ، وقال الجوهري عن أبي عبيدة : عضضت بالفتح في الرباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية