التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6678 7091 - وقال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ومعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة أن أنسا حدثهم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال عائذا بالله من شر الفتن . [انظر : 93 - مسلم : 2359 - فتح: 13 \ 43 ] .


ذكر فيه حديث هشام ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه بالمسألة ، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المنبر فقال : "لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم " . فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي ، فقال رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ فقال : "أبوك حذافة " . . الحديث .

[ ص: 351 ] قال قتادة : يذكر هذا الحديث عند هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [المائدة : 101 ] .

وقد سلف مختصرا في تفسير هذه الآية من حديث شعبة عن موسى بن أنس عن أنس - رضي الله عنه - .

قال البخاري : وقال لي عباس النرسي : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن أنسا حدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي . وقال : عائذا بالله من شر الفتن .

أراد بهذا تصريح سماع قتادة من أنس ، وهذا مما أخذه عنه النرسي مذاكرة ، ثم قال : وقال لي خليفة : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ومعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة : أن أنسا حدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال : عائذا بالله من شر الفتن . والقول في هذا كالقول في الذي قبله .

وروى الإسماعيلي حديث سعيد ومعتمر هذا في "صحيحه " عن موسى ، ثنا أبو بكر الصغاني ، ثنا روح بن عبادة ، ثنا سعيد . وحدثنا إبراهيم بن هاشم والحسن بن سفيان ، ثنا عاصم بن النضر ، ثنا المعتمر . وأخبرنا ابن ناجية ، ثنا أبو الأشعث ، ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قالا : ثنا قتادة ، فذكره ، وفيه : واسم الرجل خارجة ، قلت : غريب ، فإنما هو عبد الله كما أسلفناه هناك ، وقيل : قيس أخوه .

وقد أسلفنا أن البخاري صرح في روايته بأنه عبد الله في الاعتصام ، في باب : ما يكره من كثرة السؤال ، كما ستعلمه ، وروى أن أمه قالت له : يا بني ، والله ما رأيت ابنا أعق منك ، أن تكون أمك قارفت بعض [ ص: 352 ] ما تقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس . فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به .

فصل :

قوله : (حتى أحفوه ) . هو بهمزة مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم فاء ، أي : ألحفوا وألحوا ، ومنه فيحفكم تبخلوا : [محمد : 37 ] أي : تبالغوا في مسألتكم . قال صاحب "الأفعال " : أحفى الرجل في السؤال : ألح . وفي التنزيل : فيحفكم تبخلوا . أي : يلح عليكم فيما يوجبه في أموالكم ، ولما ألحوا عليه في المسألة كره مسائلهم ، وعز على المسلمين ما رأوا من الإلحاح عليه والتعنت له وتوقعوا عقوبة الله أن تحل بهم ، ولذلك بكوا ، فمثل الله له الجنة والنار ، وأراه كل ما يسأل عنه في ذلك الوقت ، فقال : "لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم " . وقال للرجل : "أبوك حذافة " .

فصل :

وفي هذا الحديث فضل عمر - رضي الله عنه - ومكانه من الحماية عن الدين والذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ قال : (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ) . ومنع من تعنته والإلحاح عليه ؛ لأن الله تعالى قد أمر بتعزيره وتوقيره ، وألا يرفع الصوت فوق صوته واستعاذ بالله من (شر ) الفتن ، وكذلك استعاذ رسوله - صلى الله عليه وسلم - من شر الفتن ، واستعاذ من [ ص: 353 ] فتنة المحيا والممات وإن كان قد أعاذه الله من كل فتنة وعصمه من شرها ؛ ليسن ذلك لأمته فتستعيذ بما استعاذ منه نبيها - عليه السلام - ، وهذا خلاف ما روي عن بعض من قصر علمه أنه قال : اسألوا الله الفتنة فإنها حصاد المنافقين ، وزعم أن ذلك مروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث لا يثبت ، والصحيح خلافه من رواية أنس وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما نبه عليه ابن بطال .

فصل :

وقوله : (كان إذا لاحى ) أي : نازع . وتعوذه من سوء الفتن ولم يتعوذ من جميعها ؛ لقوله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة [التغابن : 15 ] ، وهو يشتمل على شر الدنيا والآخرة ، نبه عليه الداودي ، وقال في الموضع الآخر : (من شر الفتن ) كذا روينا بالراء والتشديد ، ذكره ابن التين .

فصل :

وقوله تعالى : لا تسألوا عن أشياء [المائدة : 101 ] هو عن السؤال عن المسائل التي لم تنزل ، وكان - عليه السلام - يخاف أن يسأل عن المسائل التي لم تنزل ؛ خوفا أن ينزل ما فيه تضييع أمته ، ويؤيده أن رجلا قال : يا رسول الله ، أفرض الحج في كل عام ؟ فقال : "لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت وتركتموه لكفرتم " .

[ ص: 354 ] والذي قاله قتادة : أن الآية نزلت عند هذا الحديث ظاهر ، وقيل : إنما هي نهي عن ذلك ؛ لأن الله سبحانه (وتعالى ) أحب الستر على عباده وأحب ألا يقترحوا المسائل ، وقال سعيد بن جبير : نزلت فيمن سأل عن البحيرة الآية ، ألا ترى أن بعده : ما جعل الله من بحيرة [المائدة : 103 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية