التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6690 7105 ، 7106 ، 7107 - حدثنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة : كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر . قال عمار : يا أبا مسعود ، وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي - صلى الله عليه وسلم - أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر . فقال أبو مسعود -وكان موسرا - يا غلام هات حلتين . فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا وقال روحا فيه إلى الجمعة . [انظر : 7102 ، 7103 ، 7104 - فتح: 13 \ 54 ] .


حدثنا أبو نعيم ، عن ابن أبي غنية -وهو بغين معجمة (مفتوحة ) ثم نون ، ثم مثناة تحت ، ثم هاء ، واسمه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي أصبهاني ، وهو والد يحيى بن عبد الملك . اتفقا عليه - عن [ ص: 364 ] الحكم ، عن أبي وائل : قام عمار على منبر الكوفة ، فذكر عائشة - رضي الله عنها - وذكر مسيرها وقال : إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكنها مما ابتليتم .

ثم ساق من حديث أبي وائل قال : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار ، حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم . فقالا : ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت . فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر . وكساهما حلة حلة ، ثم راحوا إلى المسجد . وحديث أبي حمزة : - (بالحاء والزاي ) واسمه محمد بن ميمون السكري المروزي ، مات سنة ثمان وستين ومائة - عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة قال : كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار - رضي الله عنه - فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك ، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر . قال عمار : يا أبا مسعود ، وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما النبي - صلى الله عليه وسلم - أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر . فقال أبو مسعود -وكان موسرا - يا غلام هات حلتين . فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا ، وقال : روحا فيهما إلى الجمعة .

[ ص: 365 ] الشرح :

زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة روى حديث ( حذيفة ) عن الأعمش ، عن أبي وائل عن مسروق ، قال عمر - رضي الله عنه - : إنكم تحدثونا عن الفتنة . قال : كذا عن مسروق ، وخالفه الناس فقالوا : عن الأعمش ، عن أبي وائل ، فذكر حديث البخاري . وحديث حذيفة وأبي موسى من أعلام النبوة ؛ لأن فيهما الإخبار عما يكون من الفتن والغيب ، وذلك لا يعلم إلا بالوحي . وقال الخطابي : إنما كان يسأل حذيفة عن الشر ؛ ليعرف موضعه فيتوقاه ، وذلك أن الجاهل بالشر أسرع إليه وأشد وقوعا فيه ، ويروى عن بعض السلف أنه قيل له : إن فلانا لا يعرف الشر . قال : ذلك أجدر أن يقع فيه ، ولهذا صار عامة ما يروى من أحاديث الفتن وأكثر ما يذكر من أحوال المنافقين منسوبة إليه ومأخوذة عنه ، وقال غيره : وإنما نكبه حذيفة حين سأله عمر عن الفتنة ، فجاوبه عن فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره ، ولم يجاوبه عن الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر ، لئلا تغمه ويشتغل باله ، ألا ترى قوله لعمر : ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . ولم يقل له : أنت الباب ، وهو يعلم أن الباب عمر ، فإنما أراد حذيفة ألا يواجهه بما يشق عليه ويهمه ، وعرض له بما فهم عنه عمر أنه هو الباب ، ولم يصرح له به ، وهذا من أحسن أدب حذيفة .

فإن قلت : فمن أين علم عمر أن الباب إذا كسر لم يغلق أبدا ؟ فالجواب : أنه استدل عمر على ذلك بأن الكسر لا يكون إلا غلبة ، [ ص: 366 ] والغلبة لا تكون إلا في الفتنة ، وقد علم عمر وغيره من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل ربه أن لا يجعل (بأس ) أمته بينهم فمنعها ، فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة . وروى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي ، عن شداد بن أوس مرفوعا : "إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة " .

وفيه : أن الصحابة كان يأخذ بعضهم العلم عن بعض ، ويصدق بعضهم بعضا ، وكلهم عدول - رضي الله عنهم - وهم خير أمة أخرجت للناس .

فصل :

وفي حديث أبي موسى : البشرى بالجنة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا أنه قال في عثمان : "مع بلاء يصيبه " . وكان ذلك البلاء أنه قتل مظلوما شهيدا .

فإن قلت : فكيف خص عثمان بذكر البلاء ، وقد أصاب عمر مثله ؛ لأنه طعنه أبو لؤلؤة ، ومات من طعنته شهيدا .

فالجواب : أن عمر - رضي الله عنه - وإن كان مات من الطعنة شهيدا ، فإنه لم يمتحن بمحنة عثمان من تسلط طائفة باغية متغلبة عليه ، ومطالبتهم له أن ينخلع من الإمامة ، وهجومهم عليه في داره وهتكهم ستره ، ونسبتهم إليه الجور والظلم ، وهو بريء عند الله من كل سوء بعد أن منع المانع أشياء كثيرة يطول إحصاؤها ، وعمر لم يلق مثل هذا ، ولا تسور عليه (أحد ) داره ، ولا قتله موحد فيحاجه بها عند الله ، [ ص: 367 ] ولذلك حمد الله عمر على ذلك ، فكان الذي أصاب عثمان غير قتله من البلاء بلاء شديدا لم يصب عمر مثله .

فصل :

وقول أبي وائل : (قيل لأسامة : ألا يكلم هذا ؟ ) مع أشياء كثيرة يعني : عثمان بن عفان أن يكلمه في شأن الوليد بن عقبة - لأنه ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره ، وكان أخا عثمان لأمه ، وكان عثمان يستعمله على الأعمال ، فقيل لأسامة : ألا تكلمه في أمره ؟ لأنه كان من خاصة عثمان وممن يخف عليه ، فقال : (قد كلمته ) أي : فيما بيني وبينه .

و (ما دون أن أفتح بابا أكون أول من يفتحه ) . يريد : لا أكون أول من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية ، فيكون بابا من القيام على أئمة المسلمين ، فتتفرق الكلمة وتتشتت الجماعة ، كما كان بعد ذلك من تفريق الكلمة بمواجهة عثمان (بالنكير ) ، ثم عرفهم أنه لا يداهن أميرا أبدا بل ينصح له في السر جهده بعد ما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الرجل الذي كان في النار كالحمار يدور برحاه من أجل أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله ، وينهى عن الشر ويفعله ، يعرفهم أن هذا الحديث جعله أن لا يداهن أحدا ، يتبرأ إليهم مما ظنوا به عن سكوته عن عثمان في أخيه .

فصل :

فإن قلت : الإنكار على الأمراء في العلانية من السنة لما روى [ ص: 368 ] سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن طارق بن شهاب أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الجهاد أفضل ؟ قال : "كلمة حق عند سلطان جائر " .

قلت : واختلف السلف في تأويله - كما قال الطبري .

فقيل : إنه محمول على ما إذا أمن على نفسه القتل أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به ، وهو مذهب أسامة بن زيد ، وروي عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة . وروي عن مطرف بن الشخير أنه قال : والله لو لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه ألف سيف ، فأنبذ إليه كلمة فيقتلني ، إن ديني إذا لضيق .

وقيل : الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية ، وكيف أمكنه ، روي ذلك عن عمر وأبي ، واحتجوا بقوله - عليه السلام - : "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده " .الحديث ، وبقوله - عليه السلام - : " إذا هابت أمتي أن يقولوا للظالم : يا ظالم فقد تودع منهم " .

وقيل : من رأى من سلطانه منكرا فالواجب عليه أن ينكره بقلبه فقط . واحتجوا بحديث أم سلمة مرفوعا : "يستعمل عليكم أمراء بعدي تعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع " قالوا : يا رسول الله ، أفلا نقاتلهم ؟ قال : "لا ، ما صلوا " .

والصواب -كما قال الطبري - أن الواجب على كل من رأى منكرا أن ينكره إذا لم يخف على نفسه عقوبة لا قبل له بها ؛ لورود الأخبار عن [ ص: 369 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة للأئمة ، وقوله - عليه السلام - : "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه " . قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : "يتعرض من البلاء لما لا يطيق " .

فصل :

فإن قلت في حديث أسامة : كيف صار الذي كان يأمرهم وينهاهم معهم في النار وهو لهم آمر وناه ؟ قيل : لم يكونوا أهل طاعته ، وإنما كانوا أهل معصيته .

فصل :

وأما حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - فإن في ظاهره توهينه لرأي عائشة - رضي الله عنها - في الخروج .

قال المهلب : وليس كذلك ؛ لأن الأمر بالمعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة وعلى الخروج معها ولم يكن خروجها على نية القتال ، وإنما قيل لها : اخرجي لتصلحي بين الناس فإنك أمهم ولن يعنوك بقتال . فخرجت لذلك ، وكانت نية بعض أصحابها إن ثبت لهم البغي أن يقاتلوا التي تبغي ، وكان منهم أبو بكرة ، ولم يرجع عن هذا الرأي أصلا وإنما تشاءم بقول الشارع في تمليك فارس امرأة أنهم يغلبون . لأن الفلاح في اللغة البقاء ، لا أن أبا بكرة وهن رأي [ ص: 370 ] عائشة ، ولا في الإسلام أحد يقوله إلا الشيعة ، فلم يرد أبو بكرة بكلامه إلا أنهم يغلبون إن قوتلوا ، وليس الغلبة بدلالة على أنهم على باطل ؛ لأن أهل الحق قد يغلبون وتكون لهم العاقبة ، كما وعد الله المتقين ، وذلك عيان في الصحابة يوم حنين وأحد ، وجعل الله لهم العاقبة كما جعلها لمن غضب لعثمان وأنف من قتله وطلب دمه ، وليس في الإسلام أحد يقول أن عائشة دعت إلى أمير معها ، ولا عارضت عليا في الخلافة ، ولا نازعته لأخذ الإمارة ، وإنما أنكرت عليه منعه من قتلة عثمان ، وتركهم دون أن يأخذ منهم حدود الله ، ودون أن يقتص لعثمان منهم ، لا غير ذلك ، وهم الذين خشوها وخشوا على أنفسهم فورشوا ودسوا في جمع عائشة من يقول لهم : إن عليا يقاتلكم فخذوا حذركم (وسلوا ) سلاحكم . وقالوا لعلي : إنهم يريدون أن يخلعوك ويقاتلوك على الإمارة . ثم استشهدوا بما يرونه من أخذ أصحاب الجمل بالحزم وتعبئة الصفوف وسل السلاح ، ثم يقولون له : هل يفعلون ذلك إلا لقتالك ؛ حتى حركوه وكانوا أول من رمى فيهم بالسهام ، وضربوا بالسيوف والرماح حتى اشتبك القتال ، ووقع ما راموه ، وكان في ذلك خلاصهم بما خشوه من اجتماع الفريقين على الاستقادة لعثمان منهم ، هذا أحسن ما نقل في ذلك .

فصل :

وأما حديث أبي موسى وأبي مسعود حين دخلا على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة أن يستنفرهم ، فجرى بينهم ما جرى من تقبيح رأي [ ص: 371 ] عمار وإسراعه في الفتنة بالخروج ، وكشف الوجه ، وقد علم نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حمل السلاح على المسلمين (ثم ) توبيخ عمار (رأيهما ) على قعودها عن ذلك ، وكل فريق منهم مجتهد ، له وجه في الصواب ، وكان اجتماعهم عند أبي مسعود بعد أن خطب عمار الناس على المنبر بالنفير ، وكان أبو مسعود كثير المال جوادا ، وكان ذلك يوم جمعة فكساهما حلتين (ليشهدا بهما ) الجمعة ؛ لأن عمارا كان في ثياب السفر وهيئة الحرب ، فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب ، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى ؛ لأنه كان كريما .

فصل :

قوله في الشعر السالف : (الحرب أول ما تكون فتية ) . هو مثل ، فشبه ابتداءها بالشابة ، والحرب مؤنثة ، قال الخليل : تصغيرها حريب -بلا هاء - (رواه ) عن العرب . قال المازري : لأنه في الأصل مصدر . وقال المبرد : قد تذكر الحرب ، وأنشد عليه . قال سيبويه : بعضهم يرفع (أول ) و (فتية ) على أنه أنث الأول بقوله : فتية ؛ لأنه مثل : ذهبت بعض (أصحابه ) ومن نصب (أول ) على أنه في ذلك (الحال ) ، ورفع (فتية ) على أنها خبر عن الحرب ، ويعني الحرب

[ ص: 372 ] أول أحوالها إذا كانت فتية . وأجاز غير سيبويه إذا روي الحرب أول ما تكن فتية أن تكون فتية ، وقدره بمعنى إذا كانت فتية جعل (فتية ) حالا وتؤنث (أول ) على ما تقدم ، وزعم المبرد أن تقديره : أول ما تكون وتسعى فتية ثم تقدم الحال ، وحكى أيضا غير ما رواه سيبويه ، وهو أن يروى : الحرب أول . أي : أنها أول شيء في هذه الحال .

وقوله : (وشب ضرامها ) قال ابن التين : هو بضم الشين أي : اتقدت نارها .

يقال : شب النار والحرب إذا أوقدتا ، والضرام -بالكسر - إشعال النار في الحلفاء وغيرها .

وقوله : (ولت عجوزا غير ذات حليل ) . أي : صارت لا أرب فيها ، ولا تراد ، والحليل : الزوج . جزم به ابن التين . وضبطه الدمياطي بالأصل بخاء معجمة ، وفي الحاشية بحاء مهملة .

وقوله : (شمطاء ) أي : شاب رأسها ، والشمط : بياض شعر الرأس يخالطه سواد ، والرجل أشمط والمرأة شمطاء . وقال الداودي : يعني كثيرة الشيب .

وقوله : (ينكر لونها ) . أي : يبدل حسنها بقبح .

وقوله : (مكروهة للشم ) . أي : تغير فوها بالبخر .

فصل :

قوله في حديث حذيفة : "فتنة الرجل في أهله " يعني : ما لا يكاد الزوجان يسلمان منه .

[ ص: 373 ] وقوله : "ماله" يعني : أن المجتهد وإن تحفظ لا يسلم في المال إذا اكتسبه .

وقوله : ("تكفرها الصلاة " ) . أي : لأن الصلاة كفارات لما بينهن إلا حقوق العباد والحدود .

وقوله : (بل يكسر ) . أي : يقتل عمر ولا يموت حتف أنفه ، قاله الداودي .

وقوله : (أجل ) أي : نعم ، قال الأخفش : إلا أنه (مثل : نعم ) في التصديق ، ونعم أحسن منه في الاستفهام إذا قال : أنت سوف تذهب . قلت : أجل ، (وكان أحسن من نعم ، فإذا قال : تذهب ؟ قلت : نعم ، كان أحسن من أجل ) ، وكذلك هو ههنا في التصديق ، وكان عمر - رضي الله عنه - يعلم أنه شهيد ، ولكن الشهادة قد تكون من غير القتل ، وكان رأى ديكا نقره في ظهره ثلاثا ، فذكره لأسماء بنت عميس - رضي الله عنها - فقالت : يطعنك علج ثلاث طعنات . وكان يدعو : اللهم (إني أسألك ) شهادة في سبيلك ، ووفاة ببلد رسولك . كما سلف ، وقال لما طعن وأخبر بمن طعنه : الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يدي رجل قد صلى لله (صلاة ) يحاجني بها عند الله .

[ ص: 374 ] وقوله : (حدثته حديثا ليس بالأغاليط ) . أي : حديث صدق ولا غلط فيه ، والأغلوط ما يغلط به من المسائل . وقال الداودي : أي ليس بالحديث الذي يتهاون فيه أو يغفل عن شيء منه لغطا عنه ؛ لأنه أول (شيء ) يدخل على هذه الأمة .

(فهبنا أن نسأله ) يعني : حذيفة .

وفيه : هيبة العالم . قال ابن عيينة : رأيت مالكا وهو عند زيد بن أسلم وهو يسأله عن حديث عمر في الفرس الذي حبس ، ومالك يذكر له (الكلمة بعد الكلمة ) أو يتلفظه ، وكان عبيد بن عبد الله يتلفظ ابن عباس ، فكان يحزن عنه .

فصل :

قول أبي موسى : (لأكونن اليوم بواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمرني ) كذا هنا ، وفي حديث آخر : (أمرني بحفظ الباب ) . قال الداودي : وهذا اختلاف ليس المحفوظ إلا أحدهما . قلت : يجوز أن يكون ذاك أولا والآخر ثانيا .

والقف -بضم القاف ثم فاء - هو الدكة التي تجعل حولها ، وأصل القف ما غلظ من الأرض وارتفع أو هو من القف اليابس ؛ لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابسا في الغالب ، والقف أيضا واد من أودية المدينة عليه مال لأهلها . واقتصر ابن بطال على قول صاحب "العين " : القف : ما ارتفع من الأرض ونحوه . وقال ابن فارس : إنه ما ارتفع من [ ص: 375 ] (متن ) الأرض . وعبارة الداودي : ما حوله .

وقوله : (فكشف عن ساقيه ) يؤخذ منه أنه ليس بعورة .

وقوله في عثمان : ("وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه " ) . أخبره بذلك ؛ ليستعمل الصبر عند البلاء ففعل ، وقال الداودي : وفيه أن ابن المسيب (كان ) من إحسانه لعبارة الرؤيا يعبر ما يشبهها ، يعني بقوله : فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت ههنا ، وانفرد عثمان .

فصل :

قوله : (وقيل لأسامة : ألا (تكلم هذا ؟ ) يعني : عثمان كما أسلفناه . فأخبر أنه يكلمه سرا ، وكان أسامة على حداثته فاضلا ويستحق وعظ الأئمة .

وقوله : (لا أقول لرجل أنت ) هذا من المعاريض والتحذير للأئمة من الجور ، وقد علم فضل عثمان .

وقوله : ("كنت آمر بالمعروف ولا أفعله " ) . يعني : يكثر منه ويفعل يسيرا ويكثر النهي ولا يرجع عنه ، وقيل لابن جبير : أيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من فيه شيء ؟ فقال : ومن يسلم من هذا . وقاله مالك ، وقال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير : ألا تعظ الناس ؟ قال : أخشى أن أقول ما لا أفعل . قال : يغفر الله لك ، ود الشيطان أن لو ظفر منكم بمثل هذا ، فالمأذون له في ذلك هو المتحدي بحدود [ ص: 376 ] الإسلام ، ولا شك أنه لم يأمر ، ونية الأمر لا شيء فقد سقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأدى ذلك إلى قوله هذا ، وهذا فاسد . وقد ذكر بعض الأصوليين : أن الصحيح من هذا ما عليه جماعة الناس ؛ إذ متعاطي الكأس يجب عليه نهي جماعة الجلاس . وقال مالك : ليس المتحدي بحدود الإسلام كاللاعب فيه الذي يسرو أو يلعب .

فصل :

قول أبي بكرة - رضي الله عنه - : (لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل ) . يريد قوله : "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .

وقوله : (ملكوا ابنة كسرى ) -هو بكسر الكاف وفتحها - وهو لقب ملوك الفرس ، وعبارة ابن خالويه : أنه اسم له ، وأتى بقوله : "لن يفلح . . " . إلى آخره ؛ لطاعتهم لعائشة ، ذكر أن اللغط كثر يوما وارتفعت أصواتهم ، فقالت : صه . فكأنما قطعت الألسن . وذكر عن علي - رضي الله عنه - : قاتلت خمسة : أطوع الناس . يعني : عائشة ، وأشجع الناس يعني : الزبير ، وأمكر الناس يعني : في الحروب ، يريد طلحة بن عبيد الله ، وأعبد الناس : يريد محمد بن طلحة (بن عبد الله ) ، وأعطى الناس ، يريد : يعلى بن منية . كان يعطي الرجل مائتي دينار ، وهو واهب الجمل لعائشة واشتراه بمائتي دينار واسمه عسكر .

[ ص: 377 ] فصل :

واحتج به من منع قضاء المرأة وهو مذهبنا ، ومشهور مذهب مالك . وولى عمر الشفاء أم سليمان خاتمة بالسوق ، وقاله ابن جرير الطبري ، يعني : فيما يجوز شهادتهن فيه .

فصل :

وصعود الحسن على المنبر فوق عمار ؛ لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأنه ابن الخليفة ، وكان عمار من جلة الصحابة أيضا ، وهو من أهل بدر ، وفيه أنزلت : إلا من أكره [النحل : 106 ] وقتل يوم صفين .

فصل :

وقوله : (إنها زوجة نبيكم ) قدم فضلها قبل أن يخبر بما ابتلوا به فيها ، ودل قول أبي بكرة أنه لولا عائشة لكان مع طلحة والزبير ؛ لأنه لو تبين له خطؤهما لكان مع علي . ومحاورة أبي مسعود وأبي موسى (تبين ) لعمار أن الحق مع علي فقاتل معه ، وأشكل على أولئك فتوقفوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية