التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
623 651 - حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام". [مسلم: 662 - فتح: 2 \ 137]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أبي هريرة مرفوعا: "تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر". ثم يقول أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: إن قرآن الفجر كان مشهودا [الإسراء: 78].

وفي حديث ابن عمر: تفضلها بسبع وعشرين درجة.

[ ص: 429 ] هذا الحديث سلف، قريبا تراه، لكن من طريق آخر إلى أبي هريرة.

ويأتي في التفسير أيضا في سورة سبحان، وأخرجه مسلم أيضا، والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر. كما جاء مفسرا، ويأتي - إن شاء الله تعالى - ذلك في التفسير.

ثم ساق البخاري عن سالم، عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئا إلا أنهم يصلون جميعا.

وهذا من أفراد البخاري.

وسالم هذا هو ابن أبي الجعد، واسم أم الدرداء: هجيمة، وقيل: بتقديم الجيم الوصابية، وقيل: الأوصابية - ووصاب: بطن من حمير مشهور باليمن إلى الآن - وأم الدرداء هذه هي الصغرى. وفي [ ص: 430 ] الحديث: دلالة على جواز الغضب عند تغيير الدين وأحوال الناس في معاشرتهم؛ لأن أبا الدرداء كان يعرف أحوالا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدها قد تغيرت؛ لأنه عاش إلى أواخر ولاية عثمان، مات سنة اثنتين وثلاثين، وفيه أيضا إنكار المنكر بالغضب إذا لم يستطع أكثر من ذلك.

وقوله: (ما أعرف) إلى آخره فيه حذف المضاف إليه؛ لدلالة الكلام، ومعناه: لا أعلم من شريعة أمة محمد شيئا لم يتغير عما كان إلا الصلاة.

ثم ذكر البخاري بعده حديث أبي موسى مرفوعا: "أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام".

وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، واقتصر المجد في "أحكامه" على عزوه إليه، وأغفله الحميدي في "جمعه"، وعزاه البيهقي والضياء إلى "الصحيحين"، وذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في "مستخرجيهما" على البخاري، وإنما كان أعظم أجرا أبعدهم ممشى؛ لكثرة الخطى.

[ ص: 431 ] واعلم أنه قد بين في الحديث الأول المعنى الذي أوجب الفضل لشهود الفجر في الجماعة هو اجتماع ملائكة الليل والنهار فيها، وكذا في صلاة العصر أيضا؛ ولذلك حث الشارع على المحافظة عليها؛ ليكون من حضرهما ترفع الملائكة عمله وتشفع له.

قال ابن بطال: ويمكن أن يكون اجتماع الملائكة فيهما هما الدرجتان الزائدتان على الخمسة وعشرين جزءا في سائر الصلوات التي لا تجتمع الملائكة فيها.

وأما الحديث الأخير فوجه اختصاصه بصلاة الفجر كما بوب عليه البخاري أنه جعل بعد المشي سببا في زيادة الأجر؛ لأجل المشقة، والأجر على قدر النصب، ولا شك أن المشي إلى صلاة الفجر أشق منه إلى بقية الصلوات؛ لمصادفة ذلك الظلمة ووقت النومة المشتهاة طبعا، ذكر ذلك ابن المنير، والمعنى الذي ذكره يصلح أيضا في صلاة العشاء، مع أن الانتظار في الحديث عام. والحديث دال على فضل المسجد البعيد؛ لأجل كثرة الخطى، فلو كان بجواره مسجد ففي مجاوزته إلى الأبعد ما ستعلمه في باب احتساب الآثار قريبا.

وقول شيخنا قطب الدين في "شرحه": إن كان المراد في الحديث بهذه الصلاة: الفجر، فيؤخذ منه أيضا استحباب تأخيرها؛ ولذلك يحتمل إن كانت صلاة العشاء، لا نوافق عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية