التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6700 7117 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " . [انظر : 3517 - مسلم : 2910 - فتح: 13 \ 76 ] .


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " . وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية .

وحديث أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع ، عن أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " .

الشرح :

الحديث الأول ظاهر فيما ترجم له ، وذكر مسلم في كتابه ما يبينه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " . فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق إلى قوله : ولو كره المشركون [الصف : 9 ] أن ذلك تام .

قال : "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، [ ص: 394 ] فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة (من ) خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم "
.

وهذه الأحاديث وما جانسها معناها الخصوص ، وليس المراد بها أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ؛ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ .

وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .

وكان مطرف يقول : هم أهل الشام ، فبين في هذا الخبر خصوصية سائر الأخبار التي خرجت مخرج العموم ، وصفة الطائفة التي على الحق مقيمة إلى قيام الساعة أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع ، فبهذا تأتلف الأخبار ولا تتعارض ، وقد سلف هذا في كتاب العلم في باب : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، فإن قلت : فما وجه حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه هنا . وقد قال الإسماعيلي : إنه ليس من (ترجمة ) الباب في شيء . قلت : أجاب عنه المهلب بأن وجهه أنه

[ ص: 395 ] إذا قام رجل من قحطان ليس من فخذ النبوة ولا من رهط الشرف الذين جعل الله فيهم الخلافة فذلك من أكثر تغير الزمان ، وتبديل أحوال الإسلام ، وأن يطاع في الخلافة ، وأن يطاع في الدين من ليس أهل لذلك .

فصل :

سلف ذكر القحطاني وإنكار معاوية ذكره ، وذو الخلصة ضبطه عبد الملك بن هشام وابن إسحاق بفتح اللام والخاء ، وضبطه غيره بضمهما كما سلف في موضعه ، ووقع في كتاب مسلم أنه كان يقال له : الكعبة اليمانية والشامية ، وهو مشكل ومعناه : ذو الخلصة كان يقال له : الكعبة اليمانية ، والكعبة الشامية البيت الحرام . فزيادته له في الحديث سهو ، وبإسقاطه يصح المعنى ، قاله بعض المحدثين ، وهو في "جامع البخاري " بإسقاط له ، وأما السهيلي فقال : ليس هو بسهو عندي ، وإنما معناه كان يقال : له ، أي : يقال من أجله الكعبة الشامية للكعبة ، وهو الكعبة اليمانية ، و (له ) بمعنى : (لأجله ) لا ينكر في العربية .

قال عمر بن أبي ربيعة :


وقمير بدا لنا آخر الليل قد (لاح ) قالت له الفتاتان قوما



[ ص: 396 ] وذو الخلصة : بيت لدوس وجعل مكانه مسجدا بالعيلاء من أرض خثعم فيما ذكره أبو عبيد : والخلصة في اللغة نبت طيب الريح يتعلق بالشجر ، له حب كعنب الثعلب ، وجمع الخلصة : خلص قاله أبو حنيفة في "نباته " وأوضحه ، وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه : أن امرأ القيس بن حجر حين وتره بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام الزاجر والآمر والمريض فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له :

اعضض بظر أمك ثم قال :


لو كنت يا ذا الخلص الموتورا


ذوي وكان شيخك المبتورا


لم تنه عن قتل العداة زورا



قال : فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام فهدمه جرير البجلي قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهرين .

فصل :

(أليات ) بفتح الألف واللام مثل صلوات وهذا إخبار منه - عليه السلام - بما يكون في آخر الزمان يريد أن نساء دوس يركبن الدواب إلى هذه الطاغية من البلدان فهو اضطراب ألياتهن ، والألية ، بفتح الهمزة ، ولا يقال بكسرها ، ولا لية فإذا ثنيت قلت أليان ولا يخلفه التاء ، ويقال : رجل آلي أي : عظيم الألية والمرأة عجزاء ، ولا يقال : ألياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية