التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6712 7131 - حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ، وإن بين عينيه مكتوب كافر " . فيه أبو هريرة وابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 7408 - مسلم : 2933 - فتح: 13 \ 91 ]


ذكر فيه أحاديث :

[ ص: 406 ] أحدها :

حديث المغيرة بن شعبة قال : ما سأل أحد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال ما سألته ، وإنه قال لي : "ما يضرك منه ؟ " . قلت : إنهم يقولون : إن معه جبل خبز ونهر ماء . قال : "هو أهون على الله من ذلك " .

ثانيها :

حديث نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - (أراه ) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " هو أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية " .

ثالثها :

حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق " .

رابعها :

حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يدخل المدينة رعب (المسيح ) الدجال ، ولها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب فيها ملكان " .

خامسها :

حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : "إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، إنه أعور ، وإن الله ليس بأعور " .

[ ص: 407 ] وفي لفظ : "بينا أنا (رأيتني ) أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف -أو يهراق - رأسه ماء ، قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن مريم . ثم ذهبت ألتفت ، فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية قالوا هذا الدجال . أقرب الناس به شبها ابن قطن " . رجل من خزاعة .

سادسها :

حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال .

سابعها :

حديث حذيفة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الدجال : " إن معه ماء ونارا ، فناره ماء بارد ، وماؤه نار " . قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ثامنها :

حديث أنس - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ، وإن بين عينيه مكتوبا كافر ، مكتوب ك ف ر " . فيه أبو هريرة وابن عباس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح :

ههنا أسئلة .

أحدها : ما معنى قوله - عليه السلام - : " ترجف المدينة ثلاث رجفات " . وقد قال في حديث أبي بكرة : "إنه لا يدخل المدينة رعب (الدجال ) " ؟ .

[ ص: 408 ] قلت : أجاب عنه المهلب : بأنها ليست من رعبه ولا من خوفه ، وإنما ترجف لمن يتشوق إليه من المنافقين ، فيخرجهم أهل المدينة ، كما قال - عليه السلام - : "إنها تنفي خبثها " .

والدليل على أن المؤمنين فيها لا يرعبون من الدجال أنه يخرج إليه منهم رجل يناظره ، وهو الذي يقول له الدجال : أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . يعني : فيقول المنافقون الذين معه غير ذاك الرجل الصالح . فيقتله ثم يحييه ، فيقول ذلك الرجل : والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم ، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه ، فهل يدخل رعبه المدينة وأحدهم يناظره وينازعه ويجهر له بأنه الدجال ، ولا يوهن قلبه ما يراه من قدرة الله التي أقدره على أن يقتل رجلا ثم يحييه ، ولا يخاف على مهجته وهو وحده لا يمتنع منه بعدد ولا عدد ولا جماعة .

السؤال الثاني : إذا سلط الدجال على قتل ذلك الرجل وإحيائه ، فهو دليل على أن الله يعطي آيات أنبيائه وقلب الأعيان أهل الكذب على الله وأشد أعدائه فرية عليه .

فأجاب الطبري : بأنه لا يجوز أن يعطى أعلام الرسل أهل الكذب والإفك في الحال التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به الفريقان إلا الفصل [ ص: 409 ] بين المحق منهم والمبطل ، فأما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق ممن ظهر ذلك على يده من الكاذب ، فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين لعلة من العلل ، كالذي أعطى الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده ، ومحنة لمن عاينه ، ليعلم الله الذين صدقوا ، ويعلم الكاذبين .

الثالث : ما السبب الذي يصيب به من عاين ما يظهر من ذلك على يد الدجال أنه مبطل ؟ جوابه : (أبين ) الأسباب في ذلك أنه ذو أجزاء مؤلفة ، وتأليفه عليه بكذبه شاهد ، وأن تأثير الصفة فيه لمن ركب أعضاءه خلق ذليل وعبد مهين مع (آفة به ) لازمة من عمه ، أي : إحدى عينيه ، يدعو الناس إلى الإقرار بأنه ربهم الذي خلقهم فأسوأ حالات من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره ويعدله ويحسنه وهو عن دفع العاهات عن نفسه غير قادر ، وأقل ما يجب أن يقول له من يدعوه إلى الإقرار له بالألوهية : إنك تزعم أنك خالق السماوات والأرض وما فيها وأنت أعور ناقص الصورة فصور نفسك وعدلها على صورة من أنت في صورته إن كنت محقا في ذلك ، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئا ، فإنك راكب من الخطايا أرذلها ، فتحول من الجماد إلى أشرف منه ، أو أزل (ما هو ) مكتوب بين عينيك من الكتاب الشاهد على كذبك ؟!

[ ص: 410 ] قال المهلب : وأما قوله في حديث المغيرة : (إنهم ) يقولون : إن معه جبل خبز ونهر ماء ، فقال - عليه السلام - : "هو أهون على الله من ذلك " . يريد -والله أعلم - أهون على الله من أن يفتن الناس ؛ لهلكة معايش أرزاقهم فتعظم بذلك فتنتهم ، بل تبقى عليه ذلة العبودية بتحويجه إلى معالجة المعايش ، وقد ملكه (ما لا ) يضر به إلا من قضي له بالشقاء في أم الكتاب ، وإنما يوهم الناس أن هذه نار يشير إليها ؛ (ليخافه ) من لا بصيرة له في دين الله فيتبعه مخافة على نفسه ، ولو أمعن النظر لرأى أنها ماء بارد ، وكذلك لما توهن به وهو ماء (لمن ) لا بصيرة له ، ولا عنده علم بما قدمه الرسول من العلم لأمته بأن ناره ماء ، وماؤه نار ، ومن أعطي فتنته ثم جعل له على تلك الفتنة علم بطلانها ومحالها لم تكن فتنة شاملة ولا يفتتن بها [إلا ] الأقل لافتضاحها بأول من يلقى فيها ، فيجدها بخلاف ما أوهم فيها ، ولولا انتقاله من بلد إلى بلد ؛ لأمنت تلك الفتنة إلا على الأول لكنه يرد كل يوم بلدة لا يعرف أهلها ما افتضح من أمره في غيرها فيظل (يفتن ) ، ويعصم الله العلماء منه ومن علم علامة الشارع وثبته الله تعالى ، فاستدل بأن من كان ذا عاهة لا يكون إلها ، فقد بان أنه أهون على الله من أن يمكنه من المعجزات تمكينا صحيحا ؛ لأن إقداره على قتل الرجل [ ص: 411 ] وإحيائه لم يستمر له في غيره ، ولا استضر به المقتول إلا ساعة ألمه ، (وقد لا يجد لقتله ألما ؛ لقدرة الله على دفع ألمه عنه ) ، فإن آلمه أجره الله بذلك في الآخرة ، وإن لم يؤلمه فقد أدام له الحياة بإحيائه له ، ثم لا يسلط على قتل أحد ولا إحيائه .

فصل :

ذكر علي بن معبد عن عبد الله بن عمر . وعن زيد بن أبي أنيسة ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن أبيه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : "إن الدجال يرحل في الأرض أربعين ليلة " .

وعن أبي مجلز قال : "إذا خرج الدجال فالناس ثلاث فرق : فرقة تقاتله ، وفرقة تفر منه ، وفرقة (تشايعه ) ، فمن تحرز منه في رأس جبل أربعين ليلة أتاه رزقه ، وأكثر من يشايعه أصحاب العيال يقولون : إنا لنعرف ضلالته ، ولكن لا نستطيع ترك عيالنا . فمن فعل ذلك كان منه " .

فصل :

وذكر الطبري بإسناده عن أبي أمامة مرفوعا أنه حدثهم عن الدجال : "أنه يخرج بين الشام والعراق فيقول : إنه نبي ثم يثني فيقول : أنا ربكم . وإنه يأتي بجنة ونار ، فناره جنة وجنته نار ، فمن ابتلي بناره (فليستعن ) بالله فإنها تكون عليه بردا وسلاما ، ومن ابتلي به فليقرأ عليه فواتح سورة [ ص: 412 ] الكهف ، وليتفل في وجهه فإنه لا يعدو ذلك ، ويقتل رجلا ثم يحييه وليس يحيي أحدا بعده ، وأن له أربعين يوما يوم كالسنة ، ويوم كالشهر ، ويوم كجمعة ، ويوم كسائر الأيام ، ويعدو الرجل من باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى تغيب الشمس " .

فصل :

وروى الطبري بإسناده عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد : أنه - عليه السلام - ذكر عندهما الدجال فقال : "إن قبل خروجه ثلاثة أعوام تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها ، والعام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها ، والعام الثالث تمسك السماء قطرها والأرض نباتها ، حتى لا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف إلا مات ، ومن أعظم فتنته أنه يأتي الرجل فيقول له : إن أحييت لك أباك أو أخاك أو عمك تعلم أني ربك ، فيقول له : نعم ، فتمثل له شياطين عنده ، (ويأتي الأعرابي ويقول : إن أحييت إبلك عظاما ضروعها ، طوالا أسنمتها تعلم أني ربك ، فيقول : نعم ، فتمثل له شيطان عنده ) " . فبكى القوم ، فقال - عليه السلام - : "إن يخرج [وأنا ] فيكم فأنا حجيجه وإلا فالله خليفتي على كل مؤمن " . قالت أسماء : ما يكفي المؤمن يومئذ من الطعام يا رسول الله ؟ قال : "يكفيه ما يكفي أهل [ ص: 413 ] السماء التسبيح والتقديس " .

فصل :

وذكر ابن أبي شيبة بإسناده عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا قال : "يخرج مع الدجال يهود أصبهان ، فيقتله عيسى بن مريم بباب لد ، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريبا منها إماما عدلا وحكما مقسطا " .

فصل :

قال ثعلب : الطافية : العنبة التي خرجت عن حد بنية أخواتها فعلت ونتأت و (ظهرت ) ، يقال : طفا الشيء إذا على وظهر ، ومنه الطافي من السمك .

قلت : من همز أراد أنها ذهب ضوؤها ، ومن لم يهمز أراد أنها ممسكة قد طفيت وبرزت .

فصل :

اختلف لم سمي الدجال دجالا : فقال ثعلب : الدجال المموه وهو الكذاب ، سيف مدجل إذا طلي بذهب . وقال ابن دريد : لأنه يغطي الحق بالكذب وهو نحو الأول .

[ ص: 414 ] احتج به المالكية على تفضيل المدينة على مكة بحراستها دون غيرها .

فصل :

رجفات : بفتح الجيم ؛ لأن فعلة إذا كان اسما كان جمعه فعلات -بتحريك العين - من الاسم مثل حفنات وتمرات ، إلا أن تكون عينه حرف علة مثل جوزات (وحمرات ) وحومات ، فسكنوا الواو ، وإن كانت صفة كانت العين مسكنة مثل ضخمة وضخمات وصعبة وصعبات وعدلة وعدلات .

وقوله : فإذا رجل آدم . أي : أسمر ، قاله في "الصحاح " و"المجمل " . وقوله : "سبط الشعر " هو بكسر الباء ، وفي "الصحاح " سبط وسبط . أي : مسترسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية