التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6726 7145 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية ، وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى . قال : عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ، ثم دخلتم فيها . فجمعوا حطبا فأوقدوا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرارا من النار ، أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف" . [انظر : 4340 - مسلم : 1840 - فتح: 13 \ 122 ] .


[ ص: 437 ] ذكر فيه حديث أبي التياح وهو لقب ، واسمه يزيد بن حميد وكنيته أبو حماد عن أنس - رضي الله عنه - : "اسمعوا وأطيعوا . . " . الحديث ، وسلف في الصلاة .

وحديث أبي رجاء واسمه عمران بن ملحان العطاردي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى من أميره شيئا يكرهه " . وسلف قريبا

وحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .

وحديث علي - رضي الله عنه - في السرية سلف في المغازي .

وفيها أجمع وجوب السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ومثل ذلك الولد لوالده والعبد في حق سيده .

فصل :

فإن ظن ظان أن في حديث أنس وابن عباس - رضي الله عنهما - حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره ، وقد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطأ ، وذلك أن أخباره لا يجوز أن تتضاد ، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض ، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافا لأمر الله ورسوله ، فإذا كان خلافا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدا في معصية الله ومعصية رسوله ، وبنحو ذلك قال عامة السلف ، وساق ابن جرير من قول علي - رضي الله عنه - : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا [ ص: 438 ] له ويطيعوا ، وروي مثله عن معاذ بن جبل .

فصل :

قال المهلب : قوله : "اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبد حبشي " لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي ؛ لما تقدم أنه لا يجوز الإمام إلا في قريش .

وقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبد أي : في الحديث في الإمارة لا في الخلافة ، يؤيده قوله : "وإن استعمل عليكم عبد حبشي " يريد : الإمام الخليفة كما يروى : "استعمل عبدا " ، والحبش من جنس السودان .

فصل :

وقوله : "من رأى شيئا يكرهه فليصبر " . يعني : من الظلم والجور ، فأما من رأى شيئا من معارضة الدين ببدعة أو قلب شريعة فليخرج من تلك الأرض ويهاجر منها ، وإن أمكنه إمام عادل .

فصل :

والميتة في قوله : "مات ميتة " . بكسر الميم كجلسة .

وقوله في حديث علي : (وأمر عليهم رجلا من الأنصار ) هو عبد الله بن حذافة السهمي .

[ ص: 439 ] (وعزمت عليكم ) : بفتح الزاي .

وقوله : (لما جمعتم حطبا ) . هو (لما ) بمعنى (إلا ) مشدد ، حكى سيبويه : تقول : نشدتك الله لما فعلت ، أي : إلا فعلت . وفي "الصحاح" وقول من قال : (لما ) بمعنى (إلا ) ليس يعرف في اللغة .

وقوله : (خمدت النار ) . هو بفتح الميم ، وضبط بكسرها وليس بمعروف في اللغة ، ومعنى (خمدت ) : سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ، وهدت إذا طفئ جمرها .

وقوله : ("لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا " ) . قال الداودي : إن كان محفوظا فيحتمل أن يريد تلك النار نفسها فيموتوا فيها ، ليس أنهم يخلدون في جهنم ؛ لقوله : "يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان " .

قال : وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب ، وقال المهلب : الأبد يراد به ههنا أبد الدنيا ؛ لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48 ] ، ومعلوم أن الذين هموا بدخول النار لم يكفروا بذلك ، فيجب عليهم التخليد أبد الآخرة ، ألا ترى قولهم : (إنما تبعنا رسول الله فرارا من النار ) .

يدل هذا أنه أراد - عليه السلام - لو دخلوها لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا .

[ ص: 440 ] فصل :

قال القاضي أبو بكر بن الطيب : أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد إيمانه ، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها .

واختلفوا إذا كان فاسقا ظالما غاصبا للأموال يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ، ويضيع الحدود ، ويعطل الحقوق، فقال كثير من الناس : يجب خلعه لذلك .

وقال الجمهور من الأئمة وأهل الحديث : لا يخلع بهذه الأمور ، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما يدعو إليه من المعاصي .

واحتجوا بحديث الباب حديث أنس ، وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر ، ويروى أنه قال : "أطعهم ، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة " .

قال القاضي أبو بكر : ومما يوجب خلعه الجنون المطبق وذهاب تمييزه حتى ييأس من صحته ، والصمم والخرس والكبر والهرم ، أو عرض له أمر يقطعه عن مصالح الأمة ؛ لأنه إنما نصب لذلك ؛ فإذا عطل ذلك وجب خلعه .

ولذلك إن جعل مأسورا في أيدي العدو إلى مدة يخاف معها الضرر الداخل على الأمة ، وييأس من خلاصه وجب الاستبدال به ، فإن فك [ ص: 441 ] أسره وثاب عقله أو برئ من مرضه وزمانته لم يعد إلى أمره ، وكان رعية للقائم ؛ لأنه عقد له (عقد حلف ) وخروجه من الحق فلا حق له فيه ولا يوجب خلعه حدوث فعل في غيره كما يقول أصحابنا : إن حدوث الفسق في الإمام بعد العقد لا يوجب خلعه ، ولو حدث عند ابتداء العقد لبطل العقد ووجب العدول عنه . وأمثال هذا في الشريعة كثير ، منها : رؤية الماء للمتيمم قبل الدخول في الصلاة يوجب الوضوء ، ولو طرأ عليه وهو فيها لم يلزمه . أي : إن كانت مما يسقط فرضها بالتيمم ، وكذلك لو وجبت عليه الرقبة في الكفارة وهو موسر لم يجزئه غيرها ، ولو حدث له اليسار بعد مضيه في شيء من الصيام لم يبطل حكم صيامه ، ولا لزمه غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية