التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6733 [ ص: 451 ] 9 - باب: من شاق شق الله عليه

7152 - حدثنا إسحاق الواسطي ، حدثنا خالد ، عن الجريري ، عن طريف أبي تميمة قال : شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا : هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ؟ قال : سمعته يقول : " من سمع سمع الله به يوم القيامة . قال : ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة " . فقالوا : أوصنا . فقال : إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كفه من دم أهراقه فليفعل " . قلت لأبي عبد الله : من يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جندب ؟ قال : نعم جندب . [انظر : 6499 - مسلم : 2987 - فتح: 13 \ 128 ] .


ذكر فيه حديث طريف أبي تميمة قال : شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا : (هل ) سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ؟ قال : سمعته يقول : "من سمع سمع الله به يوم القيامة -قال - ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة " . فقالوا : أوصنا . فقال : إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ، ومن استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة بملء كفه من دم أهراقه فليفعل .

الشرح :

قال الخطابي : معنى الحديث من راءى بعلمه وسمع الناس ليكرموه بذلك ويعلموه فضحه الله به يوم القيامة ، حتى يرى الناس ويسمعوا ما يحل به من الفضيحة ؛ عقوبة على ما كان منه في الدنيا من حب الشهرة والسمعة .

[ ص: 452 ] وقال الداودي : يعني من سمع بمؤمن شيئا ليشهر به أقامه الله يوم القيامة مقاما يسمع به . ونقل صاحب "العين " : سمعت بالرجل إذا أذعت عنه عيبا ، والسمعة : ما سمع به من طعام أو غيره ؛ ليرى ويسمع .

ومصداق هذا الحديث في القرآن : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا [النور : 19 ] ، وهذا التفسير يأتي في قوله : "من سمع الله بعمله سمع الله به خلقه ، وحقره وصغره " . وروى بعضهم "أسامع خلقه " يقال : سمعت بالرجل تسميعا إذا نددت به وشهرته ، فمن رواه : "سامع خلقه " برفع العين أراد سمع الله الذي هو سامع خلقه ، جعل (سامع ) من نعت (الله ) المعنى مقسما به ، ومن رواه "أسامع خلقه " بالنصب فهو جمع أسمع يقال : سمع وأسمع وأسامع جمع الجمع ، يريد : أن الله يسمع أسامع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة ، يحتمل أن يكون أراد أن الله يظهر للناس سريرته ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من حديث السرائر جزاء لفعله ، كما قال في موضع آخر : "ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه " .

وقال ابن سيده : فعلت ذلك (تسمعتك وتسمعه ) لك . أي : لتسمعه ، وما فعلت ذاك رياء ولا سمعة ، وقال اللحياني : ولا سمعة .

[ ص: 453 ] وفي "المغيث " قيل : أي من سمع الناس بعمله سمعه الله وأراه ثوابه من غير أن يعطيه . وقيل : من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس ، ذلك ثوابه فقط .

فصل :

وقوله : "ومن يشاقق يشقق الله عليه " . فالمشاقة لغة مشتقة من الشقاق ، وهو الخلاف ، ومنه : ومن يشاقق الرسول الآية [النساء : 115 ] .

والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين ، وكشف مساوئهم وعيوبهم ، وقال الخطابي : يحتمل أن يكون معنى الحديث أن يضار الناس ويحملهم على ما يشق عليهم من الأمر .

وقال الداودي : يعني الأعلى في الدين ، قالا : ويحتمل أن يكون المشاقة مفارقة الجماعة ، فيكون ذلك من شقاق الخلاف ، ورجحه الداودي .

فصل :

وفي الحديث من المعاني : أن المجازاة قد تكون من جنس الذنب ، ألا ترى قوله : "من سمع سمع الله به " إلى آخره ، قال صاحب "العين " : شق الأمر عليك شقة : أضر بك .

وفي وصية أبي تميمة الحض على أكل الحلال والكف عن الدماء .

فصل :

وقوله : (إن أول ما ينتن من الرجل بطنه ) . رويناه بضم الياء ، قال في "الصحاح " : نتن الشيء وأنتن بمعنى ، فهو منتن ، ومنتن بكسر الميم

[ ص: 454 ] إتباعا لكسر التاء ؛ لأن مفعلا ليس من الأبنية ، والنتن : الرائحة الكريهة .

فصل :

قوله : (ومن استطاع أن لا يحول بينه . . ) إلى آخره . سفك الدماء بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك ، قال تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية [النساء : 93 ] .

وقوله : (أهراقه ) . صوابه بفتح الهمزة مثل أسطاع يسطيع بقطع الألف ، وهو يريد أراق ، وتجعل الهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل ، كما جعلت السين في أسطاع ، وفي رواية لأبي ذر : هراقه . وأما إهراقه -بكسر الهمزة - فلا يصح ذلك كما نبه عليه ابن التين .

التالي السابق


الخدمات العلمية