التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6735 [ ص: 458 ] 11 - باب: ما ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له بواب

7154 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا شعبة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك يقول لامرأة من أهله : تعرفين فلانة ؟ قالت : نعم . قال : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بها وهي تبكي عند قبر فقال : " اتقي الله واصبري" . فقالت : إليك عني ، فإنك خلو من مصيبتي . قال : فجاوزها ومضى ، فمر بها رجل فقال ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ . قالت : ما عرفته . قال : إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا ، فقالت : يا رسول الله ، والله ما عرفتك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصبر عند أول صدمة " . [انظر : 1252 - مسلم : 926 - فتح: 13 \ 132 ] .


ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه - السالف في الجنائز : (فلم يجد عنده بوابا ) وفي آخره : ("إن الصبر عند أول صدمة " ) وهو محمول على البواب الراتب ، وفي الوقت الذي كان يظهر فيه جمعا بينه وبين حديث القف السالف قديما ، وحديثا في الغلام الذي كان على المشربة ، أو يحمل حديثه على وقت شغله أو خلوته بنفسه وهو الظاهر ، وقد أمنه الله أن يغتال أو يهاج أو تطلب غرته بقوله : والله يعصمك من الناس [المائدة : 67 ] ولهذا لم يتخذ حاجبا .

وقد أراد عمر بن عبد العزيز أن يسلك هذه الطريقة ؛ تواضعا لله فمنع الشرطة والبوابين ، فتكاثر الناس تكاثرا اضطروه إلى الشرط ، فقال : لابد للسلطان من ورعة .

[ ص: 459 ] وعلى ما قدمناه من فعله - عليه السلام - في اتخاذه البواب ورفعه الحجاب ، والبواب عن بابه ، وبروزه لطالبه احتجاب من احتجب من الأئمة الراشدين ، واتخاذ من اتخذ البواب ، وظهور من ظهر للناس منهم .

وروى شعبة عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت أن أبا ذر لما قدم على عثمان قال : يا أمير المؤمنين ، افتح الباب يدخل الناس .

فدل هذا الحديث عن عثمان أنه كان يبرز أحيانا ويظهر لأهل الحاجة ، ويحتجب أحيانا في أوقات حاجاته ، ونظير ذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز .

روي عن جرير ، عن مغيرة ، عن زيد الطبيب قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي : ما يقول الناس ؟ قلت : يقولون : إنك شديد الحجاب . فقال : لا بد لي أن أخلو فيما يرفع الناس إلي من المظالم فأنظر فيها .

فصل :

وقوله : (فإنك خلو من مصيبتي ) أي : خال .

وقوله : (فلم تجد عنده بوابا ) . أي : حاجبا ، هذه كانت أكثر حالاته ، قال الداودي : والذي أخذ به بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن ذلك من السلف ، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأفضل ما أتى به أولها . وهذا من النكير ، وكان عمر يرقد في الأفنية نهارا .

[ ص: 460 ] وقال معاوية يوما : ما يمنعني أولي ابن عمر -يعني الخلافة - إلا عبره وبكاؤه وتخليه . فركب رجل من أهل الشام يريد الحج فذكر ذلك لابن عمر . فقال ابن عمر - رضي الله عنهما - : أما والله لو وليت لكم ، لتخليت لكم بالفناء وما أرى أني فعلت ذلك لكم تقتحمون علي عند أهلي ، وأما والله لئن وليتكم -وأعوذ بالله أن أليكم - لوعظتكم بكتاب الله ، ولا أخال من وعظ بكتاب الله يكون باكيا ، وكان (أحدكم ) يأتي عثمان وهو نائم فيوقظه برجله ، ثم ولي طارق مولاه في زمن مروان فكان شديد الحجاب ، فكان بعض الناس يعيرهم بذلك ويقول : ما رضيتم من عثمان ما كان عليه أن أحدكم يقيمه برجله فقد رضيتم لطارق ما ترون ، وكان علي - رضي الله عنه - يخوض طين الكوفة برجليه ، ويقطع من خوف أصابعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية