التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
625 656 - وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد، حدثني أنس، أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريبا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعروا [المدينة] فقال: "ألا تحتسبون آثاركم". قال مجاهد: خطاهم: آثارهم أن يمشى في الأرض بأرجلهم. [انظر: 655 - فتح: 2 \ 139]


ذكر فيه حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم؟!".

قال: وقال ابن أبي مريم: أنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد، حدثني أنس، أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريبا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعروا فقال: "ألا تحتسبون آثاركم؟!".

زاد في أواخر الحج: "فأقاموا"، وهذا الحديث المعلق، في بعض نسخ البخاري مسندا، وقال فيه: حدثنا ابن أبي مريم، وعبارة المزي: زاد ابن أبي مريم فذكره. وأخرجه مسلم من حديث جابر. وفي آخره "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" مرتين، وفي رواية له [ ص: 436 ] فنهانا، وقال: "إن لكم بكل خطوة درجة". وفي ابن ماجه من حديث ابن عباس: فنزلت: ونكتب ما قدموا وآثارهم [يس: 12] فثبتوا، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد كذلك، ونقل البخاري عن مجاهد: خطاهم: آثارهم، أن يمشوا في الأرض بأرجلهم.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:

أحدها:

معنى يعروا: أي: المدينة يتركوها عراء أي: فضاء خالية، قال تعالى: فنبذناه بالعراء [الصافات: 145]، أي: موضع خال. قال ابن سيده: هو المكان الذي لا يستتر فيه بشيء، وقيل: الأرض الواسعة، وجمعه: أعراء، وفي "الغريبين": الممدود والمتسع من الأرض، قيل له ذلك؛ لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه، والعرى مقصورا: الناحية، فكره - عليه السلام - أن تعرى وأحب أن تعمر؛ ليعظم المسلمون في أعين الكفار والمنافقين إرهابا وغلظا عليهم.

وبنو سلمة بكسر اللام: بطن من الأنصار. قال القزاز والجوهري:

[ ص: 437 ] ليس في العرب سلمة غيرهم. وليس كما ذكرا؛ ففيهم جماعات غيرهم، ذكر بعضهم ابن ماكولا والرشاطي وابن حبيب و"النوادر" لأبي على الهجري، وقال: لا يزيدون على أربعة وعشرين رجلا.

ثانيها:

معنى "ألا يحتسبون": يطلبون وجه الله وثوابه، والآثار: الخطوات، وقد فسره في الحديث كما سلف، وذكر أيضا عن الحسن، كما ذكره البخاري عن مجاهد، ومعناه: الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم إلى المسجد، فحثهم على لزوم الديار واحتساب الآثار، واستشعار النية، وخلوص الأمنية في سعيهم، ودخل في معنى ذلك كل ما يصنع لله تعالى من قليل وكثير أن يراد به وجهه ويخلص له فيه، فهو الذي يزكو وينتفع به.

ثالثها:

يستنبط منه فضل المقاربة بين الخطى في المشي إلى الصلاة على الإسراع، وفضل البعد من المسجد، فلو كان بجواره مسجد ففي المجاوزة إلى الأبعد قولان، وكرهه الحسن وهو مذهب مالك.

وفي تخطي مسجده إلى مسجده الأعظم قولان عندهم، وسئل أبو عبد الله بن أبي لبابة فيما حكاه ابن بطال عن الذي يدع مسجده ويصلي في المسجد الجامع للفضل وكثرة الناس، فقال: لا يدع مسجده، وإنما فضل الجامع في صلاة الجمعة فقط.

[ ص: 438 ] وذكر عن ابن وهب أنه يمضي إلى الجامع وإن تعطل موضعه، وروي عن أنس أنه كان يتجاوز المساجد المحدثة إلى المساجد القديمة، وفعله مجاهد وأبو وائل.

وروي عن بعضهم خلاف ذلك، سئل الحسن: أيدع الرجل مسجد قومه ويأتي غيره؟ فقال: كانوا يحبون أن يكثر الرجل قومه بنفسه.

التالي السابق


الخدمات العلمية