التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6750 7171 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتته صفية بنت حيي ، فلما رجعت انطلق معها ، فمر به رجلان من الأنصار ، فدعاهما فقال : "إنما هي صفية " . قالا : سبحان الله! قال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " . رواه شعيب وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى ، عن الزهري ، عن علي -يعني ابن حسين - عن صفية ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 2035 - مسلم : 2175 - فتح: 13 \ 158 ] .


ثم ساق حديث أبي محمد ، واسمه نافع مولى أبي قتادة عن مولاه أبي قتادة - رضي الله عنه - في قصة الدرع الذي اشترى مخرفا ، وفيه : فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : كلا ، لا يعطه (أصيبغ ) من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله . قال : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأداه إلي . فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تأثلته وقال لي عبد الله بن صالح ، عن الليث : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فأداه إلي ، وقال أهل الحجاز : الحاكم لا يقضي بعلمه ، شهد بذلك في ولايته أو قبلها . ولو أقر خصم عنده لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه في قول بعضهم ، [ ص: 516 ] حتى يدعو بشاهدين فيحضرهما إقراره . وقال بعض أهل العراق : ما سمع أو رآه في مجلس القضاء قضى به ، وما كان في غيره لم يقض إلا بشاهدين . وقال آخرون منهم بل يقضي به لأنه مؤتمن ، وإنما يراد من الشهادة معرفة الحق ، فعلمه أكثر من الشهادة . وقال بعضهم : يقضي بعلمه في الأموال ، ولا يقضي في غيرها . وقال القاسم : لا ينبغي للحاكم أن يمضي قضاء بعلمه دون علم غيره ، مع أن علمه أكثر من شهادة غيره ، ولكن فيه تعرضا لتهمة نفسه عند المسلمين وإيقاعا لهم في الظنون ، وقد كره النبي - صلى الله عليه وسلم - الظن فقال : "إنما هذه صفية " .

ثم (ساق ) حديث صفية بعد من حديث الزهري عن علي بن حسين أنه - صلى الله عليه وسلم - ، أتته صفية . . الحديث . ثم قال : رواه سعيد وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى ، عن علي بن حسين ، عن صفية ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الشرح :

معنى الترجمة : أن الشهادة التي تكون عند القاضي في ولايته القضاء أو قبل ذلك لا يجوز له أن يقضي بها وحده ، وله أن يشهد بها عند غيره من الحكام ، كما قال مالك ، وكذلك قول شريح ، وهو قول عمر وابن عوف أن شهادته كشهادة رجل من المسلمين ، واستشهد على ذلك بقول عمر : إنه كان عنده شهادة في آية الرجم أنها من القرآن ، فلم يجز له أن يلحقها بنص المصحف المقطوع بصحته لشهادته وحده ، وقد أفصح عمر - رضي الله عنه - بالعلة في ذلك ، فقال : لولا . . إلى آخره ، وعرفك أن ذلك من باب قطع الذرائع ؛ لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أثبتوا له الحكم أنه على حق .

[ ص: 517 ] وأما ما ذكر من إقرار ماعز عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمه عليه بالرجم دون أن يشهد لمن حضره ، وكذلك إعطاؤه - عليه السلام - (السلب ) لأبي قتادة بإقرار الرجل الذي كان عنده وحده مع ما انضاف إلى ذلك من علمه - عليه السلام - ، ألا ترى قوله في الحديث : فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني : علم أن أبا قتادة هو القاتل ، فهو حجة في قضاء القاضي بعلمه ، وهو خلاف ما ذكره البخاري في أول الباب عن شريح ، ومن بعده . فأورد البخاري في الباب اختلاف أهل العلم ، وحجة الفريقين من الحديث بإقرار ماعز .

وحديث أبي قتادة حجة لأهل العراق في القضاء بعلمه وشهادته .

وحديث صفية ، وعمر - رضي الله عنهما - في آية الرجم حجة لأهل الحجاز أن (القاضي لا يقضي بعلمه ) خوف التهمة ؛ لأنه - عليه السلام - كان أبعد الخلق منها ، ولم يقنع بذلك حتى قال : "إنها صفية " . فغيره ممن ليس بمعصوم أولى لخوف التهمة ، وإنما فعل ذلك - عليه السلام - ليسن لأمته البعد عن مواضع التهم .

وقد سلف قريبا اختلاف العلماء في ذلك .

والذي ذهب إليه أهل الحجاز هو قول ابن القاسم وأشهب ومحمد بن المواز إذ كان معنى ذلك إنما يقضي بعلمه بما يقع في مجلس حكمه ، وأشهد عنده به ، وبه وبقول أهل العراق قال مطرف وابن الماجشون وأصبغ ، وأخذ به سحنون .

[ ص: 518 ] قال بعض الشيوخ : وبه جرى العمل وهو الاستحسان .

وقد رد بعض الشيوخ حجة أهل العراق بحديث ماعز وأبي قتادة ، فقال : ليس فيهما أنه - عليه السلام -[قضى بعلمه ؛ لأن ماعزا إنما كان إقراره عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بحضرة الصحابة إذ معلوم أنه ] كان لا يقعد وحده .

وقصة ماعز مشهورة ، رواها خلق عنه منهم أبو هريرة وابن عباس وجابر ، فلم يحتج - عليه السلام - أن يشهدهم على إقراره ؛ لسماعهم ذلك منه ، وكذلك حديث أبي قتادة والصحيح فيه رواية عبد الله بن صالح عن الليث : (فقام - عليه السلام - فأداه إلي ) .

وفي كتاب ابن بطال : فأداه إلى من له بينة ، قال : (ورواه ) قتيبة عن الليث : (فعلم - عليه السلام - ) وهم منه ، ويشبه أن تتصحف (فعلم ) بقوله (فقام ) ، فلم يقض فيه بعلمه .

قلت : قتيبة لا يقاس بعبد الله بن صالح في حفظه مع أن رواية قتيبة لا أعرفها .

[ ص: 519 ] قال : ويدل على ذلك أن منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما نادى يوم حنين : "من قتل قتيلا له عليه بينة فسلبه له " ، فشرط أخذ السلب لمن أقام البينة ، وأول القصة لا يخالف آخرها ، وشهادة الرجل الذي كان عنده سلب أبي قتادة شهادة قاطعة لأبي قتادة ، لو لم تكن في مغنم ، وكان من الحقوق التي ليس للشارع أن يعطي منها أحدا إلا باستحقاق البينة ، والمغانم مخالفة لذلك ؛ لأنه - عليه السلام - له أن يعطي منها من شاء ويمنع من شاء ؛ لقوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه [الحشر : 7 ] فلا حجة لأهل العراق فيه .

فصل :

قوله : فيما مضى (أصيبغ ) . يصفه بالضعف والعجز والهوان ، شبهه بالأصيبغ وهو نوع من الطير ضعيف ، وقيل : شبهه بالصبغاء وهو نبت معروف كالثمام ، ويروى بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير ضبع على غير قياس تحقيرا له . وقد أسلفنا ذلك في موضعه أيضا .

فصل :

قوله في حديث أبي قتادة : فاشتريت منه خرافا . أي : (ذا خراف ) ، يقال : خرفت النخلة أخرفها خرافا وخرافا وخرافة ، أي : أجتنيها ، أو (مخرفا ) سماه بالمصدر الذي هو خراف ، كما قال : ذا خصم وزور وعدل ، والمخرف بكسر الميم ما يجنى به التمر ، وبالفتح يقع على النخل والرطب .

[ ص: 520 ] ومعنى : (تأثلته ) : اعتقدته وجمعته وتأصلته ، وأثلة الشيء أصله ، يقال : مؤثل أي : مجموع ذو أصل ، ويقال : من ذا الذي يتحنث أصلنا ، أي : يطعن في نسبنا .

فصل :

ابن مسافر السالف : اسمه عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي ، مولى الليث بن سعد من فوق . وابن أبي عتيق عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، انفرد بهما البخاري عن مسلم .

فصل :

ترجمة البخاري فيه دليل على أن الحاكم إنما يشهد عند غيره بما تقدم عنده من شهادة في ولايته أو قبلها ، وهو قول مالك وأكثر أصحابه ، وقول بعض أصحابنا : يحكم بعلمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلسه .

فصل :

قول عمر : ( لولا أن يقول الناس : زاد عمر . . ) إلى آخره يريد -والله أعلم - ثبوت الحكم بدليل عنده ، وإنه كان مما يتلى .

فصل :

في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - من الفوائد أن السلب لا يستحق بمجرد [ ص: 521 ] الدعوى ، والتثبت في الشهادة وترك العجلة في أدائها ، والقضاء في السلب بواحد دون يمين ، ويحتمل أن يكون بحضور الجيش وعدم المنازع فيه ولاعتراف من بيده السلب أنه القاتل ، فقام ذلك مقام كمال الشهادة .

فصل :

قوله : "فله سلبه " . عندنا أن القاتل يستحقه وإن لم يأذن الإمام في ذلك ، وعند المالكية أن النداء به قبل القتال مكروه ، وبعده جائز لما يدخله من مشاركته . وقال سحنون : إذا ندب به الوالي سرية أن لهم ثلث ما غنموه أخذوا ما جعل لهم ودخلوا مع الباقين في البقية .

فصل :

السلب عندنا لا يخمس على المشهور ، وعند المالكية : أنه من الخمس ، وأنه لا يكون للقاتل إلا بإذن الإمام ، وضابط السلب محل الخوض فيه الفروع ، وقد أوضحناه فيها ، وعند سحنون : لا شيء له في الطوق والسوارين والقرطين والتاج والصلب ، وقال ابن حبيب : له سواراه ، وعلى هذا يكون له التاج والقرطان .

[ ص: 522 ] فصل :

ومعنى قوله : (يقاتل عن الله ورسوله ) أي : يقصد كلمة الله هي العليا لا السلب .

فصل :

علي بن حسين بن علي بن أبي طالب : مات بالمدينة سنة أربع وتسعين ، ودفن بالبقيع .

فصل :

في حديث صفية : زيارة المرأة زوجها المعتكف ، وجواز حديث المعتكف مع امرأته وخروجه معها ليشيعها ، وجواز السلام على المعتكف ، وإشفاقه - عليه السلام - على أمته . قال الخطابي : وقد بلغني عن الشافعي أنه قال في معنى هذا الحديث : أشفق عليهما من الكفر لو ظنا به ظن التهمة ، فبادر إلى إعلامهما دفعا لوسواس الشيطان ، وقال بعضهم : قولهما : سبحان الله يبعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية