التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6760 7182 - حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني ، فاقبضه إليك . فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال : ابن أخي ، قد كان عهد إلي فيه . فقام إليه عبد بن زمعة فقال : أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه . فتساوقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سعد : يا رسول الله ، ابن أخي ، كان عهد إلي فيه . وقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو لك يا عبد بن زمعة " . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الولد للفراش ، وللعاهر الحجر " . ثم قال لسودة بنت زمعة " احتجبي منه" . لما رأى من شبهه بعتبة ، فما رآها حتى لقي الله تعالى . [انظر : 2053 - مسلم : 1457 - فتح: 13 \ 172 ]


ذكر فيه حديث أم سلمة - رضي الله عنها - السالف قريبا .

[ ص: 542 ] (وقول ابن عيينة عن ابن شبرمة : القضاء فيهما سواء . ذكره سفيان في "جامعه " كذلك ) .

وحديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة عتبة ، وقد سلف أيضا . وقد أجمع الفقهاء على أن حكم الحاكم لا يخرج الأمر عما هو عليه في الباطن ، وإنما ينفذ حكمه في الظاهر الذي (يغتر ) به ، ولا يحل للمقضي له مال المقضي عليه إذا ادعى عليه ما ليس عنده ، ووقع الحكم بشاهدي زور ، فالعلماء مجمعون أن ذلك في الفروج والأموال سواء ؛ لأنها كلها حقوق لقول الله تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة : 188 ] الآية ، وهو قول أبي يوسف ، قال ابن بطال : وشذ أبو حنيفة ومحمد فقالا : ما كان من تمليك مال فهو على حكم (الباطل ) كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " . وما كان من حل عصمة النكاح أو عقدها غير داخل في النهي ، ولو تعمد شاهدا زور الشهادة على امرأة أنها قد رضيت بنكاح رجل ، وقضى الحاكم عليها بذلك لزمها النكاح ، ولم يكن لها الامتناع ولو تعمد رجلان الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته ، فقبل القاضي شهادتهما ، لعدالتهما

[ ص: 543 ] عنده ، وفرق بينهما ثم اعتدت
جاز لأحد الشاهدين أن يتزوجها وهو [عالم ] أنه كان كاذبا في شهادته ؛ لأنها لما حلت للأزواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء ؛ لأن قضاء القاضي قطع عصمتها وأحدث في ذلك التحليل والتحريم في الظاهر والباطن جميعا ، ولولا ذلك ما حلت للأزواج .

واحتجا بحكم اللعان ، وقالا : معلوم أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها لحدها وما فرق بينهما ، فلم يدخل هذا في عموم قوله : "فمن قضيت . . " إلى آخره ، واحتج أصحاب مالك والشافعي وغيرهم بحديث أم سلمة وحديث عائشة - رضي الله عنهما - ، وقالوا : قوله : "فمن قضيت . . " إلى آخره ، فيه بيان واضح أن حكمه بما ليس للمحكوم له لا يجوز له أخذه وأنه حرام عليه باطنا ، وهو يشتمل على كل حق ، فمن فرق بين بعض الحقوق فعليه الدليل ، ومثل هذا حكمه في ابن وليدة زمعة ابنا لزمعة من أجل القرائن الظاهرة ، ولم يلحقه بعتبة ، ثم لما رأى شبها بينا بعتبة قال لسودة زوجته : "احتجبي منه " لجواز أن يكون من زنا .

فلو كان حكمه يقع ظاهرا أو باطنا لم يأمرها (بالاحتجاب ) منه مع حكمه بأنه أخوها .

ومن طريق الاعتبار أنا قد اتفقنا على أنه لو ادعى إنسان على حرة أنها أمته وأقام شاهدي زور لم تكن أمته باطنا من أجل حكم الحاكم ، فكذلك في الفروج ، وكذلك لو ادعى على ابنته أو أخته أنها زوجته فأقام [ ص: 544 ] شاهدي زور وحكم الحاكم بالزوجية ، فإن أبا حنيفة يقول : لا تكون زوجته ، ثم فرق بين المحرمة بالنسب وبين زوجة غيره ولا فرق بينهما ؛ لأنه لما كان حكم الحاكم لا يبيح المحرمة بالنسب ، فكذلك لا يبيح المحرمة بنكاح غيره .

فصل :

حديث أم سلمة - رضي الله عنها - سلف أيضا بسطه وفوائده .

وحديث عائشة - رضي الله عنها - فيه إلحاق الولد بالفراش ، وقبوله وصية الكافر إذا لم يكن ضرر على أهل الإسلام ، وثبوت فراش أهل الكفر وأن الأخ لا يستلحق ، والإشارة إلى القول بالقافة ؛ لأمره لسودة بالاحتجاب منه لما رأى من شبهه بعتبة .

وقوله فيه : (فتساوقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . أي : للحكم بينهما ، والمساوقة لغة : مجيء واحد بعد آخر ، والمراد هنا المسارعة .

وقوله : "هو لك " . أي : أنه ابن أمته .

والعاهر : الزاني ، وقيل : أراد الحجر الذي يرمي به المحصن . والظاهر أنه أراد معنى الذم كما يقال : بفيه الحجر .

وقوله : (فما رآها حتى لقي الله ) فيه امتثال منها لأمره - عليه السلام - .

التالي السابق


الخدمات العلمية