التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6770 [ ص: 569 ] 39 - باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور ؟

7193 ، 7194 - حدثنا آدم ، حدثنا ابن أبي ذئب ، حدثنا الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا : جاء أعرابي فقال : يا رسول الله ، اقض بيننا بكتاب الله . فقام خصمه فقال : صدق ، فاقض بيننا بكتاب الله . فقال الأعرابي : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فقالوا لي : على ابنك الرجم . ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة ، ثم سألت أهل العلم فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما الوليدة والغنم فرد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وأما أنت يا أنيس -لرجل - فاغد على امرأة هذا فارجمها" . فغدا عليها أنيس فرجمها . [انظر : 2315 ، 2314 - مسلم : 1697 ، 1698 - فتح: 13 \ 185 ]


ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "واغد يا أنيس " . الحديث ، وقد سلف وهو مطابق لما ترجم له من بعث الحاكم رجلا واحدا ينفذ حكمه ، قاله المهلب ، وفيه حجة لمالك في قوله : أنه يجوز أن ينفذ واحدا إلى إعذار من شهد عليه بحق ، وأنه يجوز أن يتخذ رجلا ثقة يكشف له عن حال الشهود في السر ، وكذلك يجوز عندهم خبر الواحد فيما طريقه الإخبار ولم يكن طريقه الشهادة .

وقد استدل به قوم في أن الإمام إذا بعث رجلا ينفذ حكمه أنه ينفذ من غير إعذار إلى المحكوم عليه ؛ لأنه لم ينقل في الحديث أن أنيسا أعذر إلى المرأة المدعى عليها الزنا ، وليس بشيء ؛ لأن الأعذار إنما [ ص: 570 ] يصح فيما كان من الحكم بالبينات فلابد في ذلك من الإعذار إلى المحكوم عليه وما كان الحكم فيه من جهة الإقرار فللرسول أن ينفذه بإقرار المقر ولا إعذار فيه .

وإنما اختلف العلماء : هل يحتاج وكيل الحاكم إلى أن يحضر من يسمع ذلك من المقر أم لا ؟ على حسب اختلافهم في الحكم ، هل يحتاج إلى مثل ذلك أم لا ؟ وأصل الإعذار في قوله تعالى : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام [هود : 65 ] وقوله : موعدهم الصبح

فصل :

وفيه حجة لمن قال : إن القاضي يجوز أن يحكم على الرجل بإقراره دون بينة تشهد عنده بذلك الإقرار ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وقال مالك : لا يقضي على الرجل بإقراره حتى تشهد عنده بينة بذلك ، وهو قول محمد بن الحسن ، واحتج الطحاوي بقوله : "واغد يا أنيس على أمرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " ولم يقل : فأشهد عليها حتى يكون حجة لك بعد موتها ، قال : وقد قتل معاذ وأبو موسى مرتدا وهما واليان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على اليمن ولم يشهدا عليه .

فصل :

واختلفوا إذا قال القاضي : قد حكمت على هذا الرجل بالرجم فارجمه ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إذا قال ذلك وسعك أن ترجمه ، وكذلك سائر الحدود والحقوق ، وقال ابن القاسم : على مذهب مالك إن كان القاضي عدلا وسع المأمور أن يفعل ما قاله [ ص: 571 ] القاضي ، وهو قول الشافعي .

قال ابن القاسم : إن لم يكن عدلا لم يقبل قوله ، وقال محمد بن الحسن : لا يجوز للقاضي أن يقول : أقر عندي فلان بكذا -لشيء يقضى به عليه من قتل أو مال أو عتاق أو طلاق - حتى يشهد معه على ذلك رجلان أو رجل عدل ليس يكون هذا لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدا رجلان عدلان يسمعان من يقر يشهدان على ذلك فينفذ الحكم بشهادتهما وشهادة من حضر .

فصل :

فيه من الفوائد : نقض الصلح إذا خالف كتاب الله أو سنة أو إجماعا .

وفيه : تغريب الحر البكر بعد الجلد . وفيه : التوكيل على إقامة الحدود . وفيه أن من أقر على نفسه بالزنا مرة واحدة كفى ، وفيه أن الحدود لله تعالى لا يجوز أخذ العوض عنها وتركها ، وفيه أن حد القذف لا يقيمه الإمام ما لم يقم به المقذوف .

فصل :

وقوله : "لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم قضى بالرجم ، وليس هو في كتاب الله ، فمعناه : والله أعلم : بحكم الله ، قال تعالى : كتاب الله عليكم ، أي : حكم الله عليكم فرضه .

و (العسيف ) : الأجير .

وقوله : (فزنى بامرأته ) وهذا قذف ، ولم يحده - عليه السلام - ، وسقط حد القذف ؛ للاعتراف منها بذلك .

[ ص: 572 ] فصل :

لم يختلف العلماء أن حد البكر الجلد دون الرجم وحد الثيب الرجم .

فصل :

اختلف عند المالكية في حد من شارف البلوغ ولم يبلغ ، وفي حد النصراني ومن أصاب صغيرة لا تطيق الرجل أو ميتة أو بهيمة أو مكرها أو جاهلا تحريم ذلك .

فصل :

قال مالك : يغرب المجلود من مصر إلى الحجاز ، ومن المدينة إلى فدك وخيبر ، وقال ابن القاسم : من مصر إلى أسوان ودونها ، ويكتب إلى والي الموضع الذي يغرب إليه أن يسجنه سنة عنده ، قال ابن حبيب : ويؤرخ يوم سجنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية