التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6916 7348 - حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " انطلقوا إلى يهود ". فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداهم فقال: " يا معشر يهود، أسلموا تسلموا ". فقالوا: بلغت يا أبا القاسم. قال: فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذلك أريد، أسلموا تسلموا ". فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ذلك أريد ". ثم قالها الثالثة فقال: " اعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله ". [ انظر: 3167 - مسلم: 1765 - فتح: 13 \ 314 ].


[ ص: 123 ] ذكر فيه حديث محمد بن سلام - بالتخفيف - أنا [ عتاب ] بن بشير، وهو: أبو الحسن الحراني، مولى بني أمية - عن إسحاق، وهو ابن راشد أخو النعمان بن راشد الجزري الحراني، مولى بني أمية، انفرد به وبالذي قبله - عن الزهري أخبرني علي بن حسين، عن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "ألا تصلون" فقال علي: فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . حين قال له ذلك، ولم يرجع إليه شيئا، ثم سمعه وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا [ الكهف: 54 ].

قال أبو عبد الله: ما أتاك ليلا فهو طارق. ويقال: الطارق النجم، والثاقب: المضيء، يقال: أثقب نارك للموقد.

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال: بينا نحن في المسجد خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "انطلقوا إلى يهود". فخرجنا معه حتى أتينا بيت المدراس، الحديث بطوله

الشرح:

معنى طرقه: جاءه ليلا، قال ابن فارس: وحكى بعضهم أن ذلك قد يقال في النهار أيضا، وقوله: ( ولم يرجع إليه شيئا ) هو بفتح الياء; لأنه ثلاثي في المشتهر من اللغات.

وقراءته - عليه السلام - : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا . إنما كره من احتجاجه; لأن المسلم ينبغي له أن يعترف بالتقصير لأن له في فعله اكتسابا عليه يجزى.

[ ص: 124 ] قوله: ( فقال - عليه السلام - لليهود: "أسلموا تسلموا" ). كذا في الأصول.

"أريد" بالراء، ووقع في كتاب أبي الحسن بالزاي والذي أعرفه بالراء.

ومعنى: "أسلموا تسلموا" أي: في الدنيا من السيف وفي الآخرة من عذاب الله، وقوله: "أريد أن أجليكم" أي: أطردكم من تلك الأرض وكان خروجهم إلى الشام.

قال الجوهري: جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا يتعدى ولا يتعدى، وأجلوا عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف، وأجلوا عن القتيل لا غير. انفرجوا، زاد في "الغريبين" وجلا بالتشديد عن وطنه.

فصل:

الجدال لغة: المدافعة، فمنه مكروه ومنه حسن، فما كان منه تثبيتا للحقائق وتبيينا للسنن والفرائض فهو الحسن، وما كان منه على معنى الاعتذار والمدافعات للحقائق فهو المذموم.

وأما قول علي - رضي الله عنه - فهو من باب المدافعة. واحتج الشارع عليه بالآية.

ووجه هذه الآية في الاعتصام أنه - عليه السلام - عرض على علي وفاطمة - رضي الله عنهما - الصلاة فاحتج عليه علي بقوله: إنما أنفسنا بيد الله. فلم يكن له أن يدفع ما ( دعاه ) الشارع إليه، وهذا هو نفس الاعتصام بسنته - عليه السلام - ; فلأجل تركه الاعتصام ( بقول ) ما دعاه إليه من الصلاة قال - عليه السلام - : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ولا حجة لأحد في ترك أمر الله وأمر رسوله بمثل ما احتج به علي - رضي الله عنه -

[ ص: 125 ] وموضع الترجمة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن اليهود لما بلغهم ( أن ) النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ألزمهم العمل به والإيمان بموجبه قالوا له: قد بلغت يا أبا القاسم. رادين لأمره في عرضه عليهم الإيمان، فبالغ في تبليغهم وقال "ذلك أريد" ومن روى: "ذلك أريد" بمعنى: أريد بذلك بيانا بتكرير التبليغ، وهذه مجادلة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكتاب بالتي هي أحسن.

وقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت: هي ( مجملة ) ويجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان. وقوله تعالى: إلا الذين ظلموا منهم [ العنكبوت: 46 ] معناه: إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. هذا قول مجاهد وسعيد بن جبير. وقال ابن زيد: معناه: لا تجادلوا أهل الكتاب - يعني: إذا أسلموا وأخبروكم بما في كتبهم إلا بالتي هي أحسن - في المخاطبة، إلا الذين ظلموا بإقامتهم على ( الأمر )، فخاطبوهم بالسيف. وقالوا: هي محكمة. وقال قتادة: هي منسوخة بآية القتال.

التالي السابق


الخدمات العلمية