التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6919 [ ص: 133 ] 21 - باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ

7352 - حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ". قال: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.

وقال عبد العزيز بن المطلب عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبي سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. [ مسلم: 1716 - فتح: 13 \ 318 ].


ذكر فيه حديث أبي قيس - واسمه سعد كما قاله مسلم - مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر". قال: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

وقال عبد العزيز بن المطلب عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبي سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله.

[ ص: 134 ] الشرح:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا.

والاجتهاد استفراغ وسع الحاكم العالم في طلب حكم الحادثة.

وقوله "ثم أخطأ فله أجر" احتج به من قال: إن الحق في واحد وإنه ليس كل مجتهد مصيبا وهي مسألة خلافية طويلة الذيل.

وهذا إذا كان العالم متبحرا في العلم بنفسه يرى نفسه أهلا لذلك ويراه الناس، فأما المقصر فلا يسوغ له أن يدخل نفسه في شيء من ذلك، فإن فعل هلك قال تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء: 36 ]، وفي حديث أبي داود وغيره من حديث بريدة "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة".

ولذا قال ابن المنذر: إنما يكون الأجر للحاكم إذا كان عالما بالاجتهاد والسنن، فأما من لم يعلم ذلك فلا يدخل في معنى الحديث - ثم استدل بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا - وإنما يؤجر على اجتهاد في طلب الصواب على الخطأ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى: [ ص: 135 ] وداود وسليمان الآية [ الأنبياء: 78 ].

قال الحسن: أثنى على سليمان ولم يذم داود. وذكر أبو التمام المالكي أن مذهب مالك أن الحق في واحد من أقاويل المجتهدين، وليس ذلك في جميع أقاويل المجتهدين، وبه قال أكثر الفقهاء، وحكى ابن القاسم: أنه ( سمع ) مالكا عن اختلاف الصحابة، فقال: مخطئ ومصيب وليس الحق في جميع أقاويلهم.

وقال أبو بكر بن الطيب: اختلفت الروايات عن أئمة الفتوى في هذا الباب كمالك وأبي حنيفة والشافعي: فأما مالك، فالمروي عنه منعه المهدي من حمله الناس على العمل والفتيا [ بما ] في "الموطأ" وقال له: دع الناس يجتهدون، وظاهر هذا إيجابه على كل مجتهد القول بما يؤديه الاجتهاد إليه، ولو رأى أن الحق في قوله فقط، أو قطع عليه لكان الواجب عليه المشورة على السلطان العمل به، ويبعد أن يعتقد مالك أن كل مجتهد مأمور بالحكم والفتيا باجتهاده، وإن كان مخطئا في ذلك، وذكر عن أبي حنيفة والشافعي القولين جميعا.

[ ص: 136 ] واحتج من قال أن الحق في واحد بحديث الباب كما سلف، وهو نص على أن [ في ] المجتهدين والحاكمين مخطئا ومصيبا، قالوا: والقول بأن كل مجتهد مصيب يؤدي إلى كون الشيء حلالا حراما وواجبا وندبا، ويلزم الحاكم اعتقاد كونه حلالا إذا رأى ذلك بعض أهل الاجتهاد وحراما إذا رأى ذلك غيره، وأن تكون الزوجة محللة محرمة والمال ملك الإنسان وغير ملك له، إذا اختلف في ذلك أهل الاجتهاد، واحتج من قال: كل مجتهد مصيب، فقالوا: اتفق الكل من الفقهاء على أن فرض كل عالم الحكم والفتيا بما ( أدله ) الاجتهاد إليه، وما هو الحق عنده وفي غالب ظنه وأنه حرام عليه أن يفتي ويحكم بقول مخالفة، فلو كان في الأقاويل المختلف فيها ما هو خطأ وخلاف دين الله لم يجز أن تجتمع الأمة على أنه فرض القائل به; لأن إجماعها في ذلك إجماع على خطأ، وقد نهى الله عنه وشرع خلافه.

ولو جاز كون أحدهما مخطئا; لأدى ذلك إلى أن الله أمر أحدهما بإصابة عين الباطل، وفي هذا القول تأدية إلا أن الله أمر بالباطل، وإذا فسد هذا مع كونه مأمورا بالاجتهاد وجب كونه بفتواه ممتثلا أمره وطائعا له ومصيبا عند الله، فثبت أن الحق مع كل واحد منهما بدليل قوله تعالى: لا يأمر بالفحشاء [ الأعراف: 28 ]، ومع قيام الدليل على أن طاعة الباري إنما كانت طاعة لأمره بها، كما أن المعصية كانت معصية لنهيه عنها.

[ ص: 137 ] وقد أجاب الشافعي عن هذا الحديث في "الرسالة" فقال: لو كان في الاجتهاد خطأ وصواب في الحقيقة لم يجز أن يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر؛ لأن الثواب لا يجوز فيما لا يسوغ ولا في الخطأ الموضوع إثمه عنا.

وقال ابن الطيب: هذا الخبر يدل على أن كل مجتهد [ مصيب أولى وأقرب; لأن المخطئ لحكم الله والحاكم بغيره مع الأمر له به لا يجوز أن ] يكون مأجورا على الحكم بالخطأ بل أقصى حالاته أن يكون إثمه موضوعا عنه، فأما أن يكون بمخالفة حكم الله تعالى مأجورا فإنه باطل باتفاق، والشارع قد جعله مأجورا، فدل ذلك على أن هذا ليس بخطأ في شيء وجب عليه ولزمه الحكم به.

ويحتمل أن يكون معناه: إذا اجتهد في الحكم والطلب للنص فأصابه وحكم بموجبه فله أجران: أحدهما: على البحث والطلب، والآخر: على الحكم بموجبه، وأراد بقوله: "إن حكم فأخطأ". أي: أخطأ الخبر بأن لم يبلغه مع الاجتهاد في طلبه ثم حكم باجتهاده المخالف لحكم النص كان مخطئا للنص ومصيبا لا محالة في الحكم; لأن الحكم بالاجتهاد عند ذلك فهو فرضه.

ولهذا كان يقول عمر - رضي الله عنه - عندما كان يبلغه الخبر: لولا هذا لقضينا فيه برأينا ولم يقل ( له ) أحد الصحابة: فلو قضيت فيه برأيك لو لم يبلغك الخبر لكنت بذلك عاصيا، ولم أردت أن تقضي بالرأي وهذا [ ص: 138 ] الخبر كان موجودا.

فدل إمساك الكل عن ذلك أن فرض الحاكم والمجتهد الحكم والفتيا برأيه، وإن خالف موجب الخبر، فإذا بلغه تغير عند ذلك فرضه ولزمه الحكم بموجبه. ولا نقول: إن كل مجتهد مصيب إلا في الفروع ومسائل الاجتهاد التي يجوز للعامي فيها التقليد، فأما القول بوجوب الصلوات الخمس والصيام والحج وكل فرض ثبت العمل به بالتواتر والاتفاق فأصل من أصول الدين يحرم خلافه كالتوحيد والنبوة وما يتصل بها.

التالي السابق


الخدمات العلمية