التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
6991 [ ص: 287 ] 7428 - وقال الماجشون: عن عبد الله بن الفضل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش ". [ انظر: 2411 - مسلم: 2373 - فتح: 13 \ 405 ].


ثم ساق أحاديث سنذكرها واحدا واحدا، وغرضه في الباب حديث العرش بدليل قوله تعالى: وهو رب العرش العظيم [ التوبة: 129 ]، وبدليل قوله في حديث أبي سعيد الآتي: "فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" فوصفه تعالى بأنه مربوب كسائر المخلوقات، ووصفه - عليه السلام - بأنه ذو أبعاض وأجزاء منها ما تسمى قائمة، والمبعض والمتجزئ لا محالة جسم، والجسم مخلوق; لدلائل قيام الحدث به من التأليف خلافا لما يقوله الفلاسفة أن العرش هو الصانع الخالق.

وأثر أبي العالية أخرجه الطبري عن محمد بن أبان: ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عنه، وأثر مجاهد ذكره في "تفسيره" رواية ابن أبي نجيح، عن ورقاء عنه. وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي من حديث عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن ( أبي ) صالح، عن ابن أبي طلحة، عند به.

[ ص: 288 ] فصل:

وأما الاستواء فاختلف الناس في معناه:

فقالت المعتزلة: إنه بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة، واحتجوا بقول الشاعر:


قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق



فصل:

يعني: قهر وغلب. وقال كثير من أهل اللغة: إن معنى على العرش استوى استقر، لقوله تعالى: فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك [ المؤمنون: 28 ]، وأنكر بعضهم الأول، وقال: يقال استولى إلا لمن لم يكن مستوليا; لأنه تعالى لم يزل مستوليا.

ثم اختلف من سوى المعتزلة في العبارة، وهي ثلاثة كما ذكرناها:

[ ص: 289 ] ( ارتفع )، ( علا ). ( استقر ).

فأما قول من جعل الاستواء بمعنى: القهر والاستيلاء، فقول فاسد كما قررناه; لأن الله تعالى لم يزل قاهرا غالبا مستوليا، وقوله تعالى: على العرش استوى يقتضي استفتاح هذا الوصف واستحقاقه [ بعد ] أن لم يكن، كما أن المذكور في البيت إنما حصل له هذا الوصف بعد أن لم يكن، وتشبيههم أحد الاستوائيين بالآخر غير صحيح، ومؤد إلى أن الله تعالى كان مغالبا في ملكه، وهذا منتف عن الله تعالى; لأن الله تعالى هو الغالب لجميع خلقه.

وأما من قال: تأويله: استقر، ففاسد؛ لأن الاستقرار من صفات الأجسام، وأما تأويل ارتفع فقول مرغوب عنه لما في ظاهره من إيهام الانتقال من سفل إلى علو وذلك لا يليق بالله. وأما تأويل علا فهو صحيح، وهو مذهب أهل السنة والحق، كما قاله ابن بطال.

ثم قال: فإن قلت ما في ارتفع مثله يلزم في علا، قيل: الفرق بينهما أن الله تعالى وصف نفسه بالعلو بقوله: سبحانه وتعالى [ الروم: 40 ] فوصف نفسه بالتعالي، والتعالي من صفات الذات، ولم يصف نفسه بالارتقاع، وقال بعضهم: الاستواء ينصرف في كلام العرب على ثلاثة أوجه:

فالوجه الأول: قوله تعالى في ركوب الأنعام: لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم [ الزخرف: 13 ] فهذا الاستواء بمعنى الحلول، [ ص: 290 ] وهو منتف عن الله - عز وجل - ; لأن الحلول يدل على التحديد والتناهي، فبطل أن يكون حالا على العرش بهذا الوجه.

والوجه الثاني: الاستواء بمعنى: الملك للشيء والقدرة عليه كما قال بعض الأعراب، وسئل عن الاستواء فقال: خضع له ما في السماوات وما في الأرض، ودان له كل شيء وذل، كما نقول للملك إذا دانت له البلاد بالطاعة ( قد ) استوت له البلاد.

والثالث: الاستواء بمعنى: التمام للشيء والفراغ منه [ كقوله ] ولما بلغ أشده واستوى [ القصص: 14 ]، فإن الاستواء هنا التمام كقوله - عز وجل - : على العرش استوى [ طه: 5 ] أراد التمام للخلق كله، وإنما قصد بذكر العرش; لأنه أعظم الأشياء، ولا يدل قوله تعالى: وكان عرشه على الماء [ هود: 7 ] أنه حال عليه، وإنما أخبر عن العرش خاصة أنه على الماء ولم يخبر عن نفسه أنه جعله للحلول; لأن هذا كان يكون حاجة منه إليه، وإنما جعله لتتعبد به ملائكته فقال تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به [ غافر: 7 ] الآية، وكذلك تعبد الخلق بحج بيته الحرام، ولم يسمه بيته بمعنى ( أنه ) يسكنه، وإنما سماه بيته; لأنه الخالق له والمالك، وكذلك العرش سماه عرشه; لأنه مالكه، والله تعالى ليس لأوليته حد ولا منتهى، وقد كان في أوليته وحده ولا عرش معه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

[ ص: 291 ] ثم اختلف أهل السنة: هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل؟

فمن قال: هو بمعنى علا جعله صفة ذات، وأن الله لم يزل مستويا [ بمعنى ]، أنه لم يزل عاليا، ومن قال: أنه صفة فعل قال: إن الله تعالى فعل فعلا سماه استواء على عرشه، لا أن ذلك الفعل قائم بذاته تعالى، لاستحالة قيام الحوادث به.

فصل:

واستدل بعضهم بهذه الآية: على أن خلق السماء بعد الأرض، وقال تعالى: والأرض بعد ذلك دحاها [ النازعات: 30 ] قال ابن عباس خلقت الأرض ثم السماء ثم دحى الأرض ( أي: بسطها )، وقيل: المعنى ثم أخبركم بهذا كقوله: ثم كان من الذين آمنوا [ البلد: 17 ] وقيل: ( ثم ) بمعنى الواو.

فصل:

وقوله المجيد : الكريم. مصداقه ( قوله ) - عليه السلام - : "إذا قال العبد: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: مجدني عبدي". أي: ذكرني بالكرم، وقيل: المجيد: الشريف، ومنه: والقرآن المجيد : الشريف.

[ ص: 292 ] والمجد في كلام العرب: الشرف الواسع، قال ابن السكيت: الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال: شريف ماجد إذا كان له آباء متقدمون في الشرف، قال: والحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف.

وقوله: الودود : الحبيب، منه قوله: "إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني أحبه. . " الحديث. وفي القرآن كثير، وقال الجوهري: الودود: المحب، ورجال ودد: يستوي فيه المذكر والمؤنث، وصفا داخلا على وصف المبالغة.

ثم ساق البخاري في الباب تسعة أحاديث:

أحدها:

حديث أبي حمزة، واسمه: محمد بن ميمون السكري إلى عمران بن حصين قال: إني عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم. . ". الحديث بطوله.

فإنما ( قالوا: بشرتنا فأعطنا ). فإنما ( قالوه ) جريا على عادتهم في أن البشرى إنما كانت تستعمل في فوائد الدنيا.

قال المهلب: وفيه أن السؤال عن تمادي الأشياء والبحث عنها جائز في الشريعة، وجاز للعالم أن يجيب السائل عنها بما انتهى إليه علمه

[ ص: 293 ] فيها، إذا كان ( سببا ) للإيمان، وأما إن خشي من السائل إيهام شك أو تقصير فهم فلا يجيب فيه ولينهه عن ذلك وليزجره.

فصل:

قوله: ( "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم"، فقالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ). كذا في "الصحيح"، ووقع في كلام الداودي: ما نصه: وقول بني تميم: ( جئناك لنتفقه في الدين ) فيه دليل على أن الصحابة لا ينعقد إجماع لأهل المدينة إن خالفهم أحد من الصحابة.

وقد علمت أن الذي في البخاري أن أهل اليمن هم الذين جاءوا للتفقه فاعلمه، وقوله: ( عن أول هذا الأمر ). يعني: الحق والخلق كله يسمى أمرا. والبعض يسمى أمرا، والأمر من الله تعالى أمر.

فصل:

وقول عمران - رضي الله عنه - : ( فانطلقت أطلبها - يعني: ناقته - فإذا السراب ينقطع دونها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم ). وايم الله: هو اسم وضع للقسم، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين، ولم يجيء في الأسماء ألف وصل غيرها وأصلها أيمن، وحذفت الهمزة. وقيل: هو بكسر الهمزة، والسراب: الذي يراه الإنسان نصف النهار كأنه ماء.

وقوله: ( لوددت أن ناقتي ذهبت [...].

[ ص: 294 ] فصل:

الحديث الثاني:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض".

فيه: إثبات اليمين صفة [ ذات ] لله تعالى، لا صفة فعل، وليست بجارحة كما سلف قبل هذا. وقوله: ( "ملأى" ) ليس حلول المال فيها; لأن ذلك من صفات الأجسام، وإنما هو إخبار منه على أن ما يقدر عليه من النعم وأرزاق العباد لا غاية له ولا نفاد; لقيام الدليل على وجوب تعلق قدرته بما لا نهاية له من مقدوراته; لأنه لو تعلقت قدرته بمقدورات متناهية; لكان ذلك نقصا لا يليق به تعالى.

فصل:

الحديث الثالث:

حديث أنس - رضي الله عنه - : جاء زيد بن حارثة - رضي الله عنهما - يشكو، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اتق الله، وأمسك عليك زوجك". وكانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.

وشيخه فيه أحمد فإنه قال: حدثنا أحمد، وأحمد هذا قال فيه ابن [ ص: 295 ] البيع: هو أبو الفضل أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، وقال غيره: هو أبو الحسن أحمد بن ( سيار ) بن أيوب بن عبد الرحمن المروزي، واقتصر عليه صاحب "الأطراف" نقلا، روى عنه النسائي، ومات سنة ثمان وستين ومائتين.

وشكواه هي لشأن زينب، قال الداودي: الذي شكاه ( من ) زينب - وأمها: أميمة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لسانها، وكان زيد تزوجها وهم يرون أنه ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أراد طلاقها قال له - عليه السلام - : "أمسك عليك زوجك" وكان - عليه السلام - يحب طلاقه إياها، فكره أن يقول له: طلقها، فيسمع الناس بذلك.

قال الحسن: أعلم الله نبيه: سيطلقها ثم تتزوجها أنت بعده، أي: فقد أعلمتك أنه يطلقها قبل أن يطلقها، وقول عائشة - رضي الله عنها - : ( لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا لكتم هذه الآية )، كذا في الأصول هنا، ونسبه الداودي إلى أنس وقال عن غيرها: ولكتم: عبس وتولى [ عبس: 1 ].

[ ص: 296 ] فصل:

الحديث الرابع:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله - عز وجل - لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي".

في "قضى" قولان: حكم بخلق ما خلق أو أعلم، لقوله تعالى: وقضينا إلى بني إسرائيل [ الإسراء: 4 ] أي: أعلمناهم، فكأنه أراد لما سبق في علمه وحكمه أنه يخلق ما يخلق، خلق كتابا كتب فيه. بمعنى: أنه خلق فيه كتابة دالة على ما أراد أن يكون في المستقبل من الأوقات من الحوادث التي تحدث فيها، وهذا كما في الخبر الآخر: " إن أول شيء خلق الله القلم، ثم خلق اللوح فقال له: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة".

و"فوق عرشه، قيل معناه: دونه استعظاما أن يكون شيء من الخلق فوق العرش، واحتج قائله: بقوله تعالى: بعوضة فما فوقها [ البقرة: 26 ] أي: فما دونها، والذي قاله المحققون في ذلك: أن المعنى: فما فوقها في الصغر; لأن الغرض هنا الصغر، وقيل: ( فوق ) هنا زائدة كقوله: فاضربوا فوق الأعناق [ الأنفال: 12 ].

[ ص: 297 ] قال ابن فورك في قوله: "سبقت غضبي" معنى الغضب والرحمة في صفاته تعالى يرجع إلى صفة واحدة في رحمة يوصف بها أنها إرادة لتنعيم من علم أنه ينعمه بالجنة، وكذلك يقال لهذه الصفة: غضب إذا كانت إرادته لتعذيب من علم أنه يعذبه بعقوبته في النار من الكفار به، يقال للصادر عن رحمته: رحمة، كما يقال للكائن عن قدرته: قدرة، وللكائن عن أمره: أمر، وكذلك يقال للكائن عن غضبه: غضب، وحملناه على هذا ليصح فيه التسابق والغلبة; لأن ما هو لله تعالى مما هو الرحمة والغضب على الحقيقة لا يجوز وصفه به، والتسابق والغلبة إذا وقف على هذا كان تقدير ( إفادتنا ) به ما يظهر من رحمته لأهل الرحمة ومن غضبته لأهل الغضب، وأن من رحمه فقد غلبت رحمته عليه على معنى وصول الصادر عنه إليه، وظهر ذلك عليه ظهور إبانة عمن وصل إليه الكائن من غضبه.

[ ص: 298 ] فصل:

الحديث الخامس:

من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة" الحديث.

فيه: تعلق للمعتزلة والقدرية القائلين: بأن الله واجب عليه الوفاء لعبده الطائع بأجر عمله وإنه لو أخره عنه في الآخرة كان ظالما له، هذا متقرر عندهم في العقول.

قالوا: وجاءت السنة بتأكيد ما في العقول من ذلك.

وقولهم فاسد، ومذهب أهل السنة: أن لله تعالى أن يعذب الطائعين من عباده، وينعم على الكافرين، غير أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه على لسان رسوله أنه لا يعذب إلا من كفر به ومن وافى بكبيرة ممن شاء الله تعذيبه عليها.

فمعنى قوله: ( "كان حقا على الله" ) ليس على معنى أن ذلك واجب عليه; لأن واجبا يقتضي موجبا له، والله تعالى ليس فوقه آمر ولا ناه يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به، وإنما معناه: إنجاز ما وعده من فعل ما ذكره في الحديث; لأن وعده تعالى عبده على فعل تقدم إعلامه به قبل فعله، ووعده خبر، ولا يصح منه تعالى إخلاف عبده ما وعده; لقيام الدليل على أن الصدق من صفات ذاته، فعبر - عليه السلام - في هذا المعنى بقوله: "كان حقا على الله" بمعنى أنه يستحيل عليه ( إخلاف ) ما وعد عبده على عمله.

[ ص: 299 ] فصل:

وقوله: ( "هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها" ) قيل: هذا بعد تقضي الهجرة بالفتح أو يكون من غير أهل مكة; لأن الهجرة لم تكن على جميعهم.

و ( "الفردوس" ): البستان، قال الفراء: هو عربي كذا في "الصحاح"، وعن ابن عزير أنه البستان بلغة الروم.

فصل:

الحديث السادس:

حديث أبي ذر - رضي الله عنه - : دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فلما غربت الشمس قال: "يا أبا ذر، هل تدري. . ". الحديث.

الاستئذان لها في السجود هو قول لها، والله على كل شيء قدير، فيمكن أن يخلق الله تعالى فيها حياة توجد القول عندها، فتقبل الأمر والنهي; لأن الله تعالى قادر على إحياء الجماد والموات، وأعلم - عليه السلام - أن طلوعها من مغربها شرط من أشراط الساعة.

وقوله هنا: ( "تذهب، تستأذن في السجود فأذن لها" ) وفي الحديث الآخر: " تذهب حتى تسجد تحت العرش" - ولا منكر لذلك - عند محاذاتها العرش في مسيرها، وفي القرآن ذكر سجودها وسجود القمر والنجوم، وليس في هذا إلا التسليم وليس في سجودها ما يمسكها عن الذات فيما سجدت له.

وليس في قوله: تغرب في عين حمئة [ الكهف: 86 ] ما يخالف هذا الخبر; لأن المذكور في الآية إنما هو نهاية مدرك البصر إياها حال [ ص: 300 ] الغروب، ومصيرها تحت العرش إنما هو بعد غروبها فيما دل عليه لفظ الخبر فلا تعارض.

فصل:

الحديث السابع:

حدثنا موسى، عن إبراهيم، ثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت. وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، أن زيد بن ثابت حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر - رضي الله عنه - ، فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم [ التوبة: 128 ] حتى خاتمة براءة.

حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس بهذا، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري.

وهذا التعليق قد أسلفه مسندا عن [ يحيى بن بكير ]، حدثنا الليث به، وأبو خزيمة هو: ( ابن ) أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، واسمه تيم اللات، شهد بدرا وما بعدها، ومات في خلافة عثمان - رضي الله عنه - .

وأخوه: أبو محمد مسعود - زعم أن الوتر واجب - شهد بدرا، ومات في خلافة عمرو - رضي الله عنه - ، وقيل: إنه شهد صفين مع علي - رضي الله عنه - ،

[ ص: 301 ] وأخوهما: ( عمار ) بن أوس، شهد الكوفة، روى عنه زياد بن علاقة. وقد أسلفنا هذا فيما مضى أيضا.

قال ابن التين: وخزيمة هذا هو الذي جعل الشارع شهادته بشهادة رجلين، قال الداودي: فأكمل الله تعالى القرآن بشهادة رجلين ممن سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل: إنها كانت مقروءة عنده أعني هذه الآية، وإنما وجدها عند أبي خزيمة مكتوبة.

فصل:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : إن آخر آية نزلت هذه الآية، وعن البراء - رضي الله عنه - : أنها يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ النساء: 176، وقيل: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله [ البقرة: 281 ] وقيل غير ذلك بما سلف.

فصل:

الحديث الثامن:

حديث أبي العالية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان - عليه السلام - يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله ( العليم ) الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم. . ".

[ ص: 302 ] هذا الحديث سبق في أبواب الدعاء، وأبو العالية، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - اثنان: رفيع بن مهران، هذا اتفقا عليه، وزياد بن فيروز البراء كان يبري النبل، انفرد به مسلم.

فصل:

الحديث التاسع:

حدثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: " الناس يصعقون يوم القيامة، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ".

وقال الماجشون: عن عبد الله بن الفضل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش ".

الشرح:

هذا الحديث اختصره هنا، قال أبو مسعود الدمشقي: إنما يعرف [ ص: 303 ] بذلك ما رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن ابن الفضل، ومسلم عن زهير، ثنا حجين بن المثنى، ثنا الماجشون بمثله، وحدثنا محمد بن حاتم، ثنا يزيد بن هارون، ثنا عبد العزيز، به.

وقال النسائي: حدثنا موسى، عن الحسن بن محمد، عن شبابة، عن الماجشون به.

وهو: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة دينار الماجشون المدني الفقيه، مولى لآل المنكدر التيمي، اتفقا عليه وعلى ابن عمه يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة دينار، وقيل: ميمون، وانفرد مسلم بأبيه يعقوب.

التالي السابق


الخدمات العلمية