1. الرئيسية
  2. التوضيح لشرح الجامع الصحيح
  3. كتاب التوحيد والرد على الجهمية
  4. باب قول الله عز وجل ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7484 - حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة. [ انظر: 3348 مسلم: 2434 ، 2435 - فتح: 13 \ 453 ].


( وقال مسروق، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ( ماذا قال ربكم قالوا الحق ).

وهذا أسنده أبو داود عن أحمد بن أبي سريج وغيره، عن أبي معاوية ( عن الأعمش )، عن شقيق، عن مسروق أنه حدثه عنه به [ ص: 411 ] مرفوعا.

ثم قال البخاري: ويذكر عن جابر - رضي الله عنه - ، عن عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان".

وهذا أسنده الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" من حديثه قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فابتعت بعيرا فشددت عليه رحلي، ثم سرت إليه، فسرت شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري. فذكره عنه مطولا.

ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها". الحديث، وقد سلف الحديث.

وحديثه أيضا: "ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - يتغنى بالقرآن". وقال صاحب له: يريد: يجهر به.

وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار".

وحديث عائشة - رضي الله عنها - : قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة.

[ ص: 412 ] الشرح:

استدل البخاري بقوله تعالى: ماذا قال ربكم [ سبأ: 23 ] ولم يقل: ماذا خلق ربكم، أن قوله تعالى قديم بذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال، وأنه لا يشبه كلام المخلوقين وليس بذي حروف، خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله وقالت: إن كلامه كناية عن الفعل والتكوين، قالوا: وهذا شائع في كلام العرب، ألا ترى ( أن ) الرجل يعبر عن حركته بيده فيقول: قلت بيدي هكذا، وهم يريدون: حركة يدي، ويحتجون بأن الكلام لا يعقل منا إلا ( بأعضاء ) ولسان، والباري تعالى لا يجوز أن يكون له أعضاء دالات على الكلام إذ ليس بجسم، فرد البخاري عليهم بحديث الباب: "إذا قضى الله الأمر في السماء فزعت. . . " إلى آخره.

وقوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم . أي: أذهب الفزع: قالوا ( للذين من فوقهم ): ماذا قال ربكم ؟

فدل ذلك على أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم; فقالوا: ماذا قال ربكم ، ولم يقولوا ماذا خلق ربكم؟

وأكد ذلك بما حكاه عن الملائكة أيضا، قالوا الحق .

والحق إحدى صفتي الذات الذي لا يجوز على الله غيره; لأنه [ ص: 413 ] لا يجوز على كلامه الباطل، ولو كان القول منه خلقا وفعلا لقالوا حين سئلوا: ماذا قال أخلق خلقا كذا إنسانا أو خيلا أو شيئا من المخلوقات، فلما وصفوا قوله بما يوصف به الكلام من الحق لم يجز أن يكون القول بمعنى الخلق والتكوين.

وكذلك قوله لآدم: "يا آدم" وهو كلام مسموع، ولو كان بمعنى الخلق والتكوين ما أجاب "لبيك وسعديك" التي هي جواب المسموعات، وكذلك قول عائشة - رضي الله عنها - : ( ولقد أمره ربه أن يبشرها ). هو كلام وقول مسموع من الله، ولو كان خلقا لما فهم ( عنه ) عن ربه له بالبشرى.

فصل:

حاصل الخلاف في المسألة ثلاثة أقوال:

قول أهل الحق أن القرآن غير مخلوق وأنه كلامه، وإنما يعنون بذلك الكلام القائم بذاته ( سبحانه ) الذي هو شيء واحد لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يشبه شيئا من كلام المخلوقين; لأن المتكلم به لا يشبه المتكلمين، وإنما يوصف بأنه ( كلمات ) كما قال الله تعالى: ما نفدت كلمات الله [ لقمان: 27 ] على سبيل ( التعليل )، وإنما هو في الحقيقة كلام واحد، والعبارة عنه.

واستثقل بعض الحفاظ أن يقال عبارة عنه أنه مفهوم في نفسه، والعبارة عندهم إنما تكون عبارة عما هو غير مفهوم. وقالت الخوارج [ ص: 414 ] والمرجئة والجهمية والنجارية: إنه مخلوق. وقال البلخي ومن قال بقوله: القرآن محدث غير مخلوق. وقال معمر: وما تكلم الله قط بل المتكلم من فعل الكلام، وإنما الكلام هو الأصوات، ( وهل ) فعل الشجرة، وقال قوم: الواجب الوقف في أمر القرآن، ولا يقول: إنه مخلوق ولا غير مخلوق.

فصل:

وقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ البقرة: 255 ] نزل لما قيل: شفعاؤنا عند الله الأصنام، فأعلم الله أن المؤمنين إنما يصلون على الأنبياء ويدعون للمؤمنين، كما أمروا أذن لهم.

فصل:

و فزع في الآية قرئ بالتشديد والتخفيف، والمعنى: ذهب منها ما كانوا يجدونه من عظمة الله وجلاله، ففي فزع ضمير عائد على اسم الله تعالى، والمعنى: حتى إذا جلى الله الفزع عن قلوب الملائكة أي: أزاله قالوا ماذا قال ربكم وذلك فيما روي أن الملائكة تفزع إذا علمت أن الله أوحى بأمر، فتفزع منه أن يكون في أمر الساعة، فإذا جلى الله الفزع بأن ذلك ليس ( في ) أمر الساعة، سألوا عن الوحي ما هو؟ فقالوا: ماذا قال ربكم فيجاوبه جبريل - عليه السلام - فيقول: قالوا الحق وأخبر عنه بلفظ الجماعة; لجلاله وعظمته، وحجة من ضم الفاء أنه بنى الفعل للمفعول، وأقام [ ص: 415 ] المجرور مقام الفاعل وهو: عن قلوبهم ، ومعناه كما تقدم.

فصل:

وقوله: ( "أنا الديان" ) أي: ( أنا ) المجازي والمحاسب، وقوله: ( "خضعانا" ) أي: تواضعا.

فصل:

وقوله: ( "ما أذن الله لشيء" ) أي: ما استمع، قال الشاعر:


صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وقوله: ( "يتغنى" ) أي: يجهر. وقيل: يستغني به.

فصل:

وقوله: ( "بعثا إلى النار" )، قال في غير هذا الموضع: "من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين"، ففي هذا أن الرب - جل جلاله - قد علم أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وأعمالهم التي توجب لهم النار. والبعث بفتح الباء: الجيش، والمراد به هنا: الجماعة.

التالي السابق


الخدمات العلمية